سورية الفيدرالية: خيار ممكن أم مقدّمة للتقسيم؟

02 مارس 2016
لا يمانع النظام التقسيم (جورج أورفاليان/فرانس برس)
+ الخط -

بدأت تكبر سلسلة التصريحات والتسريبات التي تصبّ في خانة طرح الفيدرالية أو حتى التقسيم في سورية، كخيار مطروح إذا فشل الحلّ السياسي. وبعد تلميح وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى صعوبة الحفاظ على سورية بحدودها الحالية في حال استمر الصراع لفترة أطول، قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، إنه إذا توصّل السوريون خلال المفاوضات إلى "أن نظام الدولة في المستقبل الذي يعتمد الفيدرالية سيخدم مهمة الحفاظ على سورية موحدة وعلمانية ومستقلة وذات سيادة، فمن سيعترض على ذلك حينها"؟

مع العلم أنه في وقت سابق، لم يستبعد رئيس النظام السوري بشار الأسد في تصريحات صحافية فكرة "النظام الاتحادي"، لكنه قال إن "أي تغيير يجب أن يكون نتيجة لحوار بين السوريين واستفتاء لإدخال التعديلات اللازمة على الدستور".

يرى مراقبون أن التلويح بالخيار الفيدرالي من جانب الدول الكبرى، قد يستهدف في هذه المرحلة الضغط على المعارضة، للمضي في الحلّ السياسي وفق الشروط المطروحة، التي تُبقي الأسد جزءاً من الحلّ، إضافة إلى الضغط على تركيا، التي أعلنت بوضوح على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان، أنها لن تسمح بإقامة كيان كردي على حدودها الجنوبية، ولا بدولة علوية في اللاذقية.

ينتشر النموذج الفيدرالي على نطاق واسع في العالم، إذ إن هناك 25 دولة فيدرالية يعيش فيها نحو 40 في المئة من سكان الأرض، أقدمها الولايات المتحدة وسويسرا وكندا وأستراليا، وتُشكّل الإمارات، نموذجاً عربياً ناجحاً، بينما تُعتبر البوسنة أحدث نموذج للفيدرالية في أوروبا وقام على أساس "اتفاق دايتون" الشهير.

والنظام الفيدرالي نظام دستوري تتشكل فيه السلطة السياسية من دولة مركزية اتحادية، تُمثّل الدول على المستوى الخارجي، لها دستورها وسلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية الخاصة بها. أما على المستوى الداخلي فإنها مكوّنة من مجموعة مدن وأقاليم منفصلة عن بعضها، يتمّ توزيع السلطات بين الدولة المركزية والأقاليم من خلال الدستور الفيدرالي الذي يُحدّد لكل منها نظامه الأساسي، وصلاحياته وعلاقته مع الحكومة المركزية.
وحول تطبيق هذا النموذج على الحالة السورية، يرى مراقبون أن له محاذير كثيرة، خصوصاً أن طرحه لا يأتي نتيجة الاختيار الحرّ للسوريين، بل وسط ظروف استثنائية، بالنظر لما تعيشه البلاد من حالة صراع مسلح، وبالنظر إلى تحكّم القوى الخارجية بالقرار السوري.

اقرأ أيضاً: النظام السوري يستغل الهدنة ويتقدم في غوطة دمشق الشرقية

وباستثناء بعض القوى الكردية، وعلى رأسها حزب "الاتحاد الديمقراطي"، الذي يدير قوات مسلّحة فاعلة ومدعومة من الولايات المتحدة وروسيا، فإن أياً من القوى السياسية، سواء في صف النظام أو المعارضة، لا تؤيد علناً أي خيار يقود إلى تقسيم البلاد، أو إضعاف الدولة المركزية.

يتخوّف البعض من أن تكون الفيدرالية مقدّمة لترسيخ تقسيمات جغرافية مناطقية وعرقية وطائفية، تُمهّد لتقسيم نهائي للبلاد، بينما يرى آخرون أن هذا الخيار قد يكون الطريقة الوحيدة لتجنب خيار التقسيم النهائي. ولعلّ أبرز المخاوف المثارة بشأن هذا الخيار، ترتبط بمسألة توزيع الموارد والثروات الطبيعية بين السلطات المحلية والسلطة المركزية، وهي قضية خطيرة قد تقود الى اقتتال وتقسيم نهائي للبلاد، إذا لم يكن العمل جاداً للحفاظ على كيان موحد، في ظل التدخلات والمناكفات الخارجية في القضية السورية. ولعل ما يجري حالياً بين الحكومة المركزية في بغداد وإقليم كردستان هو أقرب مثال على ما سبق، إذ يتنازع الجانبان على حقول النفط، ومن يحق له تصديره.

في المقابل، يوفر النظام الفيدرالي التنوّع في الممارسة الإدارية بين الوحدات الفيدرالية، وهو ما قد يقدّم نماذج أكثر فاعلية لخدمة المواطنين، ويترك للوحدات الفيدرالية وحكوماتها الفرصة، لتحديد الأنسب لبيئتها المحلية في مجال الخدمات والضرائب والإطار العام للحياة، مع مراعاة خصوصيات السكان في كل منطقة.

والمطروح في سورية وفقاً لدراسات عدة، هو إقامة أربعة أقاليم، أولها إقليم "كردستان سورية" في محافظة الحسكة، شمال شرقي البلاد، ثم منطقة في الساحل مع مركز محافظة حمص خاصة بالعلويين، فضلاً عن امكانية قيام إقليم خاص بالطائفة الدرزية، مركزه محافظة السويداء، أما ما تبقّى من البلاد فستكون تحت النفوذ السني، على أن تكون دمشق عاصمة هذا الإقليم، ومركز قراره السياسي.

يرى الكاتب، المعارض السوري بسام يوسف، أنه "من حيث المبدأ قد تشكل الفيدرالية أحد الحلول المقترحة في الحالة السورية، لكنها برأيي ليست قابلة للحياة، لأنها ترتكز أساساً على واقع مكوناتها وتقاطع مصالح هذه المكونات وقدرتها على احترام الصيغ القانونية والدستورية". يضيف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "بناءً عليه، لا تشكل الفيدرالية مصلحة استراتيجية للشعب السوري، قد تكون هدنة مؤقتة، لكنها ستنفجر سريعاً، وطرحها الآن ليس من مصلحة الشعب السوري، ما يطرحها الآن هو حصيلة حروب مصالح الآخرين واتفاقهم وهم الذين يحاولون فرضها".

يُبدي اعتقاده بأن "هذا الخيار يوحي بعمق التمزق الحاصل في بنية النسيج السوري، سواء بهدف التقسيم أو الفيدرالية، لكن أرى أن الدولة المركزية الموحّدة هي الصيغة الأكثر تحقيقاً لمصالح الشعب السوري الوطنية والاستراتيجية، رغم كل ما حصل، ولا أزال متخوّفاً من أن تكون كل هذه الطروحات تهيئة مقدّمات التقسيم".

وعلى الرغم من الرفض العلني حتى الآن من جانب النظام لخيار التقسيم، إلا أنه ثمة مؤشرات على أنه قد يقبل به كخيار اضطراري، في حال تكرّس انحسار نفوذه، وتقوقع في منطقة الساحل والشريط الذي يصلها بدمشق أو قد لا يتوقف عند حمص. مع العلم أن التخلّي السريع عن "المناطق الهامشية" سياسة تعتمدها قوات الأسد خلال السنوات الماضية لصالح تكريس "سورية المفيدة"، أي المناطق التي يركز النظام فيها جهوده ودفاعه، ويبدي استعداده للقتال فيها حتى النهاية. وهو ما أشار إليه الأسد قبل فترة بحديثه عن الأولويات العسكرية وسبب الانسحاب من منطقة دون أخرى.

لكن تقسيم الأمر الواقع الحاصل اليوم، لا يمكن أن يتحوّل إلى تقسيم سياسي يؤسس لكيانات جديدة، لأسباب عدة أهمها أنه لا يوجد في سورية كتل جغرافية ذات لون طائفي موحّد باستثناء الطائفة السنّية، وحتى في منطقة الساحل ينتشر السنة والعلويون والمرشديون والمسيحيون. وفي الشمال السوري لا يسمح الواقع الديمغرافي بسيطرة كردية صافية بالنظر إلى الوجود القوي للعرب والمكونات الأخرى، وفي الجنوب، تحديداً في السويداء، لا يملك الدروز أية مقومات داخلية أو خارجية للانفصال.

وعلى المستوى الإقليمي، فإن خيار التقسيم يُشكّل خطاً أحمر للعديد من الدول، وفي مقدمتها تركيا والعراق وحتى لبنان، لأن هذه العدوى ستنتقل سريعاً إلى تلك البلدان. كما يرى البعض أن خيار "الفيدرالية" مُتاح نظرياً، في حال حصل التوافق بين الفرقاء السوريين، خلافاً لخيار "التقسيم" الذي تقف دونه كثير من العوامل السياسية والميدانية والجغرافية والاقتصادية.

اقرأ أيضاً سورية: عشرة قتلى بالرقة ومواجهات بين "داعش" وقوات كردية

المساهمون