في خطوة متأخرة عاماً كاملاً، أعلنت الجامعة العربية، أمس الخميس، تعيين الدبلوماسي التونسي صلاح الدين الجمالي، ليشغل منصب ممثلها إلى ليبيا، وذلك عقب بيان صادر عن الجامعة، بعد اجتماع عُقد على مستوى المندوبين الدائمين، تفعيلاً للقرار الصادر عن الدورة العادية الـ146 لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية، الذي عُقد في 8 سبتمبر /أيلول الماضي، والمتعلق بتعيين ممثل خاص للأمين العام في ليبيا. وجاء تعيين الجمالي بعد حوالى عام من الفراغ العربي، الذي أحدثته استقالة المبعوث السابق من هذا الملف، ناصر القدوة. وطرح هذا التعيين أسئلة مباشرة حول الإمكانيات الحقيقية المتاحة أمام المبعوث الجديد، في ظلّ تعقّد الملف الليبي ووصوله تقريباً إلى طريق مسدود. كما طرح تساؤلاً حول توقيت هذا التعيين.
من جهته، اعتبر الجمالي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنه "في انتظار التكليف الرسمي لتعيينه في منصب الممثل الخاص للأمين العام لجامعة الدول العربية"، مبيّناً أن "اختياره جاء في إطار تفعيل الدور العربي في ليبيا، لأن هذا الدور في حاجة إلى مزيد من التدعيم، خصوصاً أن لقاءات عدة تتم في غياب واضح للعرب".
وأكد أن "التواجد العربي في الملف الليبي محدود، على الرغم من أنه يجب أن يكون الأساس في وضع الحلول والمقاربات للوصول إلى التوافق"، كاشفاً عن أنه "سيلتقي الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط. وأنه سينظر معه في اللقاء الذي سيجمعهما في العديد من المسائل التي تهم هذا الملف". وشدّد على أنه "سيعمل على النظر في مختلف المواقف العربية، وتوحيد الكلمة العربية بخصوص دورها في الملف الليبي، خصوصاً أن المرحلة المقبلة تقتضي تفعيل الدور العربي وتوحيد المواقف".
وأوضح الجمالي أنه "بحكم عمله سابقاً سفيراً في ليبيا، وكاتب دولة في الشؤون العربية والإسلامية في تونس، ومندوب تونس لجامعة الدول العربية سابقاً، فإن هذا الأمر من شأنه تسهيل مهمته، هذا إلى جانب القرب الجغرافي بين تونس وليبيا".
ولفت الجمالي إلى أنه "توجد مخاوف حقيقية من تلاعب الدول الغربية بالملف الليبي، خصوصاً أنه كلما تم تدويل ملف شكّل خطراً"، منوّهاً إلى أنه "يحصل عادة تداخل بين المصالح المتناقضة والاستراتيجيات المختلفة مما قد يعقّد المسألة". وقال إنه "من المستحسن أن يبقى الملف الليبي بيد المعنيين بالأمر، أي الليبيين أنفسهم، ولكن يمكن أن يكون هناك دعم عربي".
وتابع "الموقف يجب أن يأخذ بعين الاعتبار المصالح العربية في ليبيا، وكذلك المصالح الدولية ومواقف القوى الكبرى تحديداً، بالتنسيق مع الأمم المتحدة التي تتولى الملف، والتي أحرزت تقدماً هاماً بتوقيع اتفاق الصخيرات، الذي سيمثل مرجعية العمل العربي".
ووفق تصور أولي للجمالي، فإن الموقف العربي سيكون إيجابياً وقوياً، وبالتنسيق بين جميع الدول العربية لبناء موقف حاسم ودور ناجع. واعتبر أن "معطيات كثيرة تغيرت خلال السنوات الماضية، على غرار الحرب والتدخلات الأجنبية". وهي أوضاع وصفها بـ"الغريبة على ليبيا التي كانت آمنة ولم تعرف الصراعات المسلحة"، مشدّداً على أن "إيجاد حلول ليس بالأمر المستحيل على الأشقاء الليبيين إذا تم العمل على قاعدة التوافق".
وسبق للجمالي أن نبّه مراراً إلى "مخاطر التدخل الأجنبي في ليبيا"، مؤكداً أن "التدخل الغربي لا يمكن فصله عما حصل في عام 2011، فالغرب ينفذ مخططاً لخدمة مصالح وفق استراتيجية مدروسة ومعدة مسبقاً. في هذا الإطار لا يمكن أن نستثني نظرية الفوضى الخلاقة ولا الشرق الأوسط الكبير الذي يمتد حتى أفريقيا وشمال أفريقيا، بسبب داعش، التي يعلنون أنهم يريدون القضاء عليه لكنهم لا يفعلون".
وتابع الجمالي قائلاً إن "الهدف الحقيقي من التدخل في ليبيا، هو إعادة تقسيم المنطقة خدمة للمصالح الغربية، والمقصود الشرق الأوسط الكبير بالمفهوم الأميركي، أي أنه يُضاف إليه شمال أفريقيا ومصر، مستغلين حالة الغيبوبة للدول العربية وعدم وجود أي تنسيق بينها".
من جهة أخرى، عكس تعيين الجمالي حرصاً تونسياً على محاولة تحريك هذا الملف الذي يشكل مصدراً أساسياً للأزمات التي تعرفها تونس، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. في هذا السياق، قال وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "تونس قدمت مقترحاً للجامعة العربية، بأن يتولى الجمالي خطة المبعوث الخاص للجامعة في ليبيا، باعتباره من خيرة الدبلوماسيين التونسيين. كما سبق له أن عمل في مصر وسورية والسعودية وليبيا، وهو ما يجعله مؤهلاً وذا كفاءة للقيام بهذه المهمة، التي تُعدّ تشريفاً لتونس. وتظهر مرة أخرى أن البلاد تضع المسألة الليبية في أعلى أولوياتها. كما تم اختياره من الجامعة العربية لخبرته ومعرفته الوثيقة بالداخل الليبي، عله يساهم في حلحلة الوضع، على اعتبار أن حل الأزمة يعد من مهام الأمم المتحدة التي تتولى هذه الملف. لذلك سيساهم الجمالي من جانبه في الدفع بالملف نحو الحل، علاوة عن مساهمته كمبعوث عربي تحت إشراف الأمين العام للجامعة في تحسيس العرب بأهمية الوضع في ليبيا وحساسيته". وكشف الجهيناوي عن أن "تونس اقترحت خلال قمة خمسة زائد خمسة (الشهر الماضي) عقد ندوة دولية حول الوضع في ليبيا، وتستضيفه تونس".