ضغوط تركية في "عملية السلام" لإحداث الشرخ بـ"البيت الكردي"

ضغوط تركية في "عملية السلام" لإحداث الشرخ بـ"البيت الكردي"

20 يوليو 2015
مناصرون للحركة القومية التركية (أدم ألتان/ فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن تخطّي حزب "الشعوب الديمقراطي"، ذي الغالبية الكردية، العتبة الانتخابية ودخوله إلى البرلمان بقائمة حزبية، تغييراً جوهرياً بالنسبة لوضع الحركة السياسية الكردية في تركيا فحسب، بل يبدو أنه يشكل مفصلاً أساسياً في التعاطي مع عملية السلام برمتها.

على الرغم من الانفصال الواضح في القيادة والرؤية السياسية بين حزب "العمال الكردستاني" و"الشعوب الديمقراطي"، إلا أن الضغوط تتزايد على الأخير من مختلف الفرقاء السياسيين الأتراك لإعلان فك الارتباط بشكل رسمي والدعوة إلى إلقاء السلاح واعتماد "النضال الديمقراطي"، والذي دعا إليه زعيم "العمال الكردستاني" عبدالله أوجلان في وقت سابق، الأمر الذي يقف في وجهه الكثير من العقبات، يأتي في مقدمتها تورّط "الكردستاني" في الحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على مختلف الجبهات، سواء في سورية أو العراق.

وعلى الرغم من اعتماد "الكردستاني" في مقاربته لعملية السلام منذ بدئها على أداتين أساسيتين: أولاهما العسكرية بالتلويح باستئناف الحرب ضد الجيش التركي كوسيلة ضغط على أنقرة، والثانية هي الدفع سلمياً عبر "الشعوب الديمقراطي" الذي يتوسط في الحوار، فإن الانتخابات الأخيرة غيرت "الشعوب الديمقراطي". وإن كان تيار "العمال الكردستاني" يبقى الأقوى في الحزب اليوم، إلا أنه بات يضم العديد من التيارات التي لن تقبل بأن تكون مجرد واجهة سياسية لحزب "العمال الكردستاني" الذي يحارب الجيش التركي، وإن كانت تدعم الحقوق الكردية بشدة.

وبدا أخيراً الخلاف بين "الكردستاني" و"الشعوب الديمقراطي" واضحاً، من خلال الارتباك الذي سببه بيان اتحاد المجتمعات الكردستانية (المظلة التي يعمل تحت لوائها جميع التنظيمات والأحزاب التابعة للكردستاني)، والذي أعلن فيه انتهاء وقف إطلاق النار وإعلان التعبئة العامة بسبب ما أطلق عليه "خروق الحكومة التركية المتعددة للاتفاق عبر بناء الثكنات والطرق العسكرية والسدود في مناطق كردستان".

وخرج الزعيم المشارك لحزب "الشعوب الديمقراطي" صلاح الدين دميرتاش، بعد البيان بساعات ليؤكّد أنّ ما فهمه من بيان اتحاد المجتمعات الكردستانية بإنهاء وقف إطلاق النار من جانب واحد، هو أنّه ليس "وقف إطلاق النار بشكل كامل، بل وقف خرق وقف إطلاق النار التي تقوم به الحكومة، والذي إن لم يتوقف سيسبب عودة الكردستاني إلى حرب المليشيات". وقال "نحن أيضاً نتابع البيانات الواردة، إننا نعود خطوة للوراء بعد أكثر من سنتين ونصف على بدء عملية السلام، إننا نعتقد أنه ليس علينا استئناف عملية السلام من حيث توقفت، ولكن علينا البدء من مرحلة أكثر تقدماً، ولكن للأسف لا توجد عملية سلام ولا أطراف للحوار ولا طاولة الآن، فحتى رئيس الجمهورية هو من قال ذلك أيضاً، نحن كحزب الشعوب الديمقراطي، لا نملك قرار استئناف عملية السلام أو وقف إطلاق النار".

أكثر من ذلك، فقد استبق دميرتاش زيارة رئيس الحكومة المكلف أحمد داود أوغلو، يوم الثلاثاء الماضي، لحزب "الشعوب الديمقراطي" في إطار محادثات تشكيل الحكومة المقبلة، للظهور في مقابلة تلفزيونية، بدا خلالها الرجل مخلصاً تماماً لعملية السلام، واضعاً مسافة واضحة بين حزبه و"العمال الكردستاني"، مشدداً على أنه لا رابط عضوياً بين الطرفين، داعياً الأخير إلى إلقاء السلاح، على الرغم من تأكيده أن دعوة إلقاء السلاح لا قيمة لها ما لم تصدر من زعيم "الكردستاني"، عبد الله أوجلان.

على الرغم من ذلك، عاد "العمال الكردستاني" إلى التصعيد مع أنقرة مرة أخرى، عندما أكد الزعيم المشارك لاتحاد المجتمعات الكردستانية، جميل باييك، أحد كبار قيادات "العمال الكردستاني"، أنه لا يمكن الحديث عن وقف إطلاق نار كامل مع أنقرة من دون أن يتم السماح بزيارة أوجلان الذي يقضي سجناً بالحكم المؤبد في جزيرة إمرالي التركية.

وأشار باييك في الحوار الذي أجرته معه صحيفة "آزادي ولات" الكردية، إلى أنه "لا أحد يمكنه أن يتحدث عن وقف إطلاق النار أو عملية السلام حتى تحقيق حرية أوجلان أو خلق الظروف الحرة لبدء المفاوضات"، مضيفاً "لا أحد يستطيع خداع الأمة الكردية؛ إن عزل أوجلان بحد ذاته هو سبب كافٍ لإعلان الحرب، وإن رفع هذا الحظر لا يتم بالسماح لشخص أو شخصين بزيارته".

وعلى الرغم من تأكيد داود أوغلو أن استمرار عملية السلام هي أحد مفاتيح تشكيل الحكومة المقبلة، الأمر الذي ترجم عملياً بإجهاض محاولة التحالف بين "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" بسبب إصرار الأخير على وقف العملية، لكن استمرار عملية السلام بالطريقة التي كانت عليها خلال السنتين الماضيتين قبل انتخابات يونيو/حزيران الماضي بات غير ممكن أو مستحيلاً، الأمر الذي بدا واضحاً خلال تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الجمعة.

وأكد أردوغان على موقفه المتمثل بـ"انقلابه" على عملية السلام بصياغتها القديمة، وعدم اعترافه "بإعلان قصر دولمة بهجة" الذي كان عبارة عن مؤتمر صحافي بين الحكومة وهيئة "الشعوب الديمقراطي" المسؤولة عن عملية السلام، والتي قرأ خلالها بياناً تضمن عشرة بنود للتفاوض حددها أوجلان. وقال أردوغان: "أنا لا أعترف بإعلان دولمة بهجة. هناك حكومة وحزب سياسي بقاعدته الشعبية (الشعوب الديمقراطي بقاعدته المناصرة للعمال الكردستاني)، إن كانت هناك خطوة ستتخذ حول مستقبل البلاد يجب أن يتم ذلك في البرلمان، هناك لا يمكن أن يكون اتفاق مع حزب مدعوم من منظمة إرهابية"، في إشارة إلى العمال الكردستاني.

ووجه أردوغان للشعوب الديمقراطي انتقادات شديدة، قائلاً إن "المقاربة التي تؤكد أن "العمال الكردستاني" لن يلقي السلاح ما لم يقل له ذلك شيء، وأن تجري إحالة الأمر إلى جزيرة إمرالي شيء آخر، فمن جهة تستندون إلى هناك، ومن جهة أخرى تقولون إن إمرالي تحل الأمر، وبذلك ما معنى أن يذهب نواب في البرلمان إلى الجزيرة؟"، في إشارة إلى طلب هيئة "الشعوب الديمقراطي" زيارة أوجلان الذي لم توافق عليه الحكومة منذ الزيارة الأخيرة التي تمت في فبراير/شباط الماضي.

تمثل تصريحات أردوغان انقلاباً واضحاً على عملية السلام بصيغتها القديمة التي كانت تتم بين المسؤولين الأمنيين الأتراك وعبد الله أوجلان، يتوسط خلالها "الشعوب الديمقراطي" بين إمرالي وقنديل والحكومة؛ فالعملية باتت، بحسب أردوغان، في عهدة البرلمان، مما يعني سحب الشرعية من أوجلان و"العمال الكردستاني" كمعنيين ومفاوضين وحيدين في العملية، وتحميل "حل القضية الكردية" برمته إلى "الشعوب الديمقراطي" كونه حزباً موجوداً في البرلمان، الأمر الذي يعني أن أي خطوات في صالح القضية الكردية ستكون نتاج تفاوض بطيء وطويل الأمد مع  كل من "العدالة والتنمية" وحليفه المحتمل في الحكومة المقبلة "الشعب الجمهوري" و"الحركة القومية" أيضاً، والذي لن يقبل بتقديم أي تنازلات في المطالب الأساسية المتعلقة بإطلاق سراح أوجلان والعفو عن مقاتلي "العمال الكردستاني" وتغيير المواد الأربع الأولى من الدستور التي تتضمن تعريف الأمة التركية على أساس العرق التركي، ومنح المزيد من الصلاحيات للإدارة المحلية في جنوب وشرق البلاد ذوي الغالبية الكردية.

اقرأ أيضاً: "التحالف الكبير" مع "الجمهوري" حصيلة أولى مشاورات الحكومة التركية

أكثر من ذلك، فإن استمرار ضغوط أنقرة، يضع "الشعوب الديمقراطي" في مأزق حقيقي قد يؤدي إلى الانفجار داخل الحزب بين مناصري "الكردستاني" وبقية التيارات اليمينة الكردية واليسارية. وإن استطاع دميرتاش الحفاظ على وحدة الحزب، فإن الصدام مع جماعة جبل قنديل سيكون أمراً لا مفر منه.