"العربي الجديد" على جبهات الضالع: عندما يتحوّل الأساتذة لمقاتلين

14 يوليو 2015
طلاب وأكاديميون ومحامون وعسكريون يشاركون في التصدي للمليشيات(العربي الجديد)
+ الخط -
تعدّ جبهات القتال في محافظة الضالع، جنوب اليمن، إحدى أبرز الجبهات وأشرسها، والتي تخاض فيها معارك بين مقاتلي "المقاومة" ومليشيات الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح للسيطرة على الجنوب.

وخلال أكثر من مائة يوم من عمر الحرب في اليمن، كان القتال في الضالع الأكثر اشتعالاً. وهو ما جعل المعارك العنيفة تخيّم على جبهات المواجهة فيها، والتي تعدت 25 جبهة، خلال اليوم الأول من الهدنة التي أعلنتها الأمم المتحدة وسقطت من الساعة الأولى لبدء سريانها.
"العربي الجديد" زارت بعض هذه الجبهات يوم السبت؛ أي في اليوم الأول للهدنة، لا سيما خطوط المواجهة الأمامية، وفق ظروف عسكرية صعبة.

تشير الطرق التي تقود إلى أماكن الجبهات ومواقع المقاتلين إلى ضراوة المواجهات وشدتها، فضلاً عن الوضع الإنساني المعقّد والخراب الذي تتسبب به الحرب والحصار الذي تسعى إليه مليشيات الحوثيين والمخلوع. أما الحديث مع المقاتلين في الخطوط الأمامية، فيساهم في تحديد عوامل قوة هذه "المقاومة".

اقرأ أيضاً: لماذا تم تجاهل نصر الضالع؟

يقول أبو عبدالرحمن الضالعي، وهو قيادي ميداني في "المقاومة"، لـ"العربي الجديد" إن "الضالع بحد ذاتها تعدّ عامل قوة، لأنها تضم بدرجة رئيسية حاضنة شعبية مقاومة يشارك فيها جميع أبناء الضالع، من دون استثناء أحد. وتشترك في المقاومة كل الأطياف، فضلاً عن الإيمان بالهدف الأبرز الذي يقاتل في سبيله كل أبناء الضالع، وهو الجنوب وإقامة دولته".

ولا يستبعد الضالعي أنّ "الطريقة الطائفية التي تشنّ فيها المليشيات الحرب على الجنوب"، على حد قوله، كانت "عاملاً مساعداً قوياً لاصطفاف أبناء الضالع مع بعض للمواجهة ودحر المليشيات من أغلب المناطق، وأهمها من مدينة الضالع، وتأمينها كلياً من أي قصف أو هجوم وإعادة الحياة فيها".

البحث في شخصيات المقاتلين في الصفوف الأولى للمواجهة، يظهر وجود مزيج يضم طيفاً واسعاً من أبناء الضالع. فإلى جانب وجود الجنود والضباط وحتى المتقاعدين العسكريين، يشارك طلاب الجامعات والمعاهد، ومزارعون ومدرسون وأكاديميون وأطباء ومحامون ورياضيون لم يترددوا في الانضمام أيضاً إلى جبهات القتال. كذلك لم يغب رجال الدين، وأعضاء الأحزاب السياسية، والتيارات الأخرى، لا سيما المنتمين إلى الحراك الجنوبي.
يقول أستاذ جامعي فضّل الاكتفاء بالتعريف عن نفسه بـ"ش. م" لـ"العربي الجديد" "لم أكن أفكر أن أنتقل من قاعات التدريس إلى ساحات جبهات القتال، لكن ظروف ونوعية هذه الحرب أجبرتنا على حمل السلاح". ويضيف الأستاذ الجامعي من على إحدى جبهات القتال أنه "خلال أكثر من عقدين من الزمن، لا سيما بعد الوحدة، حكمنا الجهل، ومورس التجهيل وتهميش العلم بل إفساده وتخريبه، من خلال نظام الرئيس المخلوع الذي أدار البلاد بأسلوب العصابة، لكن القادمين الجدد أيضاً، ممثلين بمليشيات الحوثيين، يعدّون الوجه الآخر الأسوأ للنظام السابق، لذلك لا خيار أمامنا إلا مواجهة الجهل وتأمين مستقبل الأجيال المقبلة، بعد أن لعنتنا الأجيال الحالية، لذلك فطريق التحرير والاستقلال خيارنا".

وعلى الرغم من أنّ "المقاومة" في الضالع، تمكّنت من دحر مليشيات الحوثيين والمخلوع صالح من مدينة الضالع (وليس من كامل المحافظة)، لمسافة تبعد ما يقارب 14 كيلومتراً شمالي المدينة، إلا أن ما يعانيه المقاتلون يتركز على الانتهاكات التي تمارسها مليشيات الحوثيين والمخلوع.

يقول وائل محمد لـ"العربي الجديد": "نحن لا نواجه السلاح والمسلحين فقط، بل إن المقاومة تواجه مليشيات تقوم بارتكاب أفظع الجرائم وتتعمد استهداف المدنيين في المدينة أو القرى. كما تستهدف المياه والكهرباء، وتحاول فرض حصار لمنع دخول الغذاء والدواء، فضلاً عن عدم التزامها بعهد أو اتفاق". ويشير محمد إلى أنّ "المقاومين جميعهم من أبناء الضالع، ويخضعون لقيادة موحدة بعدما أجروا تدريبات مكثّفة".

اقرأ أيضاً: الضالع اليمنية: صمود مستمر لسنوات

يتناوب المقاتلون في التمركز في مواقع الجبهات. يقفون بحذر شديد في جبهات القتال وأصابعهم على الزناد. يراقبون كل شيء يتحرك. يدققون في عمليات التفتيش تحسباً ل"مكر مليشيات الحوثيين والمخلوع"، كما يقولون، لا سيما أن المليشيات تقوم بالتنكر بزي نساء، فيما يستمر توافد العشرات على جبهات المواجهة بشكل يومي. ويقسم الكثير منهم، وأغلبهم من الشباب، أنهم "لن يعودوا إلى قراهم إلا حين يكملون تطهير الضالع مما يسمونه الحوثة، وقوات المخلوع وتحرير الجنوب".

يرفع المقاتلون في جبهات الضالع علم دولة الجنوب السابقة. ويشير هؤلاء إلى أن "دولة الجنوب ستعود" وأن بقاء ما بات يسمونه "الاحتلال الشمالي" مسألة وقت قبل أن يزول.
كما لا يخلو أي حديث لمقاتلي الضالع من ذكر محافظة عدن الجنوبية، مؤكدين قرب "موعد تطهيرها والاستعداد للتوجه إليها لمشاركة المقاومة فيها في تحريرها إلى جانب باقي محافظات الجنوب".

يروي المقاتلون لكل من يزورهم بعضاً من تفاصيل كيفية تحقيقهم تقدماً على الحوثيين وخسائرهم، وكيفية التعامل مع أساليبهم في ظل محاولة المليشيات الدائمة اختراق "المقاومة" واستعادة الضالع. يقول علي أحمد لـ"العربي الجديد" "أستغرب من الكم الكبير من المسلحين الحوثيين وجنود المخلوع، وفوق ذلك لا تزال تصلهم تعزيزات". ويضيف أحمد "يتم قتل العديد منهم يومياً، لكن سرعان ما تظهر أعداد جديدة كبيرة منهم، وتتعامل معهم المقاومة، ثم تظهر قوات جديدة ويتم تصفيتها حتى بات الأمر يتكرر بشكل يرثى له".

كما يروي مقاتلون تحدثوا لـ"العربي الجديد" عما يسمّونه "الصيد الثمين" الذي يستهدفونه، في إشارة إلى تمكنهم من قتل العديد من القيادات الميدانية للمليشيات، فضلاً عن قيام العديد من العناصر بتسليم أنفسهم للمقاومة، طواعية بين الحينة والأخرى، بما فيها أحياناً خلال ساعات تكون الحرب متوقفة.

ويشير هؤلاء إلى انهيارات تعانيها المليشيات ويطلقون عليها النكات، مستعيدين بعضاً من حكاياتهم خلال الهجمات التي ينفذونها ضد المليشيات، متوقفين خصوصاً عند عمليات الهروب والاستسلام.
ويتميز المقاتلون على جبهة الضالع بارتفاع منسوب الثقة بين صفوفهم على عكس المليشيات التي تقوم أحياناً بتنفيذ قصف هستيري، فضلاً عن أن هرب بعض عناصر المليشيات بات مشكلة لدى الأخيرة، وفقاً لقيادات ميدانية في المقاومة تحدثت لـ"العربي الجديد".
وكان تطهير مدينة الضالع وتأمينها قد خفف الكثير من الضغط على المقاتلين في الجبهات، لا سيما أنّ المليشيات كانت تستهدف المدنيين بشكل متعمد لإجبار "المقاومة" على التراجع والانهزام وهو ما لم يتحقق. وفي السياق، يتطرّق المقاتلون إلى الدور الذي يؤديه التحالف العشري في دعمهم، مشيرين إلى قيامه بإنزال أسلحة ومعدات طبية بشكل متواصل، مكنّ المقاتلين، بحسب بعضهم، من تحقيق انتصارات، والتفوق أحياناً على المليشيات.

اقرأ أيضاً: "مقاومة" جنوب اليمن: هدف واحد ومشاريع وتسميات متعددة