لم تكن السياسة الخارجية في يوم ما عاملاً حاسماً في الانتخابات التركية على مدى أكثر من 65 عاماً من التعددية السياسية المتقطّعة بحقب انقلابية، لكن دورها تعاظم في الفترة الأخيرة بعد الدور الكبير الذي بدأت تركيا تؤديه على المستوى العالمي، وخصوصاً في ملفات الشرق الأوسط الساخنة، كالأزمة السورية والعراقية واليمنية والليبية، وبطبيعة الحال القضية الفلسطينية، إلا أنها تبقى غير ذات شأن أمام القضايا الداخلية والشأن الاقتصادي.
في برنامجه الانتخابي، تناول حزب "العدالة والتنمية" الحاكم الشأن الخارجي بتأكيد استمرار "نهج الحزب الديناميكي والمتعدد الطبقات" في تناول القضايا الخارجية، مما اعتُبر إشارة إلى أنه لن يكون هناك أي تغيير في السياسة الخارجية التركية البراغماتية المعهودة منذ تأسيس الجمهورية، من دون التطرّق لوجهة نظر الحزب ورؤيته المستقبلية للتعامل مع التطورات الأخيرة، إذ يؤكد البرنامج أن الحزب "سيستمر في مقاربته للسياسة الخارجية من خلال تطبيق سياسات خارجية من شأنها أن تساهم في تحقيق السلام الإقليمي والعالمي".
ويضيف البرنامج "أن تركيا ستستمر في تعزيز دورها البناء في توحيد البلقان والقوقاز والشرق الأوسط وأيضاً في سعيها للعضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي"، مع التأكيد على الإنجازات التي لا يمكن إنكارها في السياسة الخارجية والتي حوّلت تركيا إلى مركز إقليمي وعالمي، واعتبار الأزمة السورية أولوية للسياسة الخارجية التركية التي ستستمر في تقديم الدعم للشعب السوري.
اقرأ أيضاً: العنف الانتخابي في تركيا بذروته
في المقابل، وعلى الرغم من تأكيدها على الجانب الاقتصادي، استمرت المعارضة التركية في الشأن الخارجي في دور "رد الفعل" الذي ميّز موقفها في السنوات الاخيرة، وانتقاد ما يقوم به "العدالة والتنمية"، إذ واصل كل من حزب "الشعب الجمهوري" وحزب "الحركة القومية" مهاجمة ما أطلقا عليها "مغامرات العدالة والتنمية"، التي "لا زال الشعب التركي يدفع ثمنها، والتي أساءت لعلاقات تركيا مع دول الجوار (سورية والعراق وإسرائيل) وأدخلتها في عزلة إقليمية ودولية وجرّت البلاد إلى المستنقع السوري". ووعد الحزبان بانقلاب على سياسة "العدالة والتنمية" الخارجية في حال وصولهما إلى الحكم، الأمر الذي لا يبدو ممكناً في ظل العلاقات الدولية وتحالفات أنقرة التقليدية مع حلف شمال الأطلسي وواشنطن.
أما حزب "الشعوب الديمقراطي" (الجناح السياسي للعمال الكردستاني) فقد تركّز برنامجه على الشأن الداخلي، من عملية السلام إلى إصلاحات ديمقراطية أوسع، مع تطرّق هامشي إلى السياسة الخارجية، من وعود بالعمل على إنهاء الحرب الدائرة في سورية، وتقديم مختلف أنواع الدعم للفلسطينيين في سعيهم لإقامة دولتهم المستقلة، ودعم الحل في جزيرة قبرص، وفتح الحدود مع أرمينيا، والعمل للحصول على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من أن السياسة الخارجية لم تكن أحد المرتكزات الأساسية لبرامج أي من الأحزاب التركية، إلا أنها تبقى حاضرة وبقوة في الخطابات التي يلقيها كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، خلال الحملة الانتخابية الحالية، كما كانت في الانتخابات البلدية في مارس/آذار من العام الماضي والانتخابات الرئاسية في أغسطس/آب الماضي، إلا أن تناولها يكون في إطار الحشد الشعبي لصحة مواقف "العدالة والتنمية" ومن خلال الحساسيات التركية وبإسقاطات تاريخية بما يخدم الهدف الانتخابي.
وفيما يخص القضية الفلسطينية، يجري تناولها من خلال كونها قضية للمسلمين الأتراك الذين يمثلهم "العدالة والتنمية" بكل ما تحمله القدس والأقصى من قداسة، وذلك في مواجهة "العلمانيين التسلطيين الذين لم يتورّعوا عن إقامة علاقات قوية مع إسرائيل على الرغم من المجازر التي ترتكبها، ودعوتهم إلى إعادة العلاقات مع تل أبيب، على الرغم من المجزرة التي ارتكبتها بحق سفينة مافي مرمرة وجرائمها المتواصلة بحق الفلسطينيين".
أما القضية السورية، فيجري تناولها من خلال التأكيد على القيم العثمانية بإغاثة الملهوف وتقديم الدعم للمظلومين، الأمر الذي تقوم به الحكومة من خلال الدعم الذي تقدّمه للاجئين السوريين، ووضع ذلك في مواجهة ما يُطلق عليه في التاريخ التركي "واقعة جسر بورالتان" الكارثية بكل ما تحمله من عار على المستوى القومي، عندما قامت الحكومة التركية في عهد حكم حزب الشعب الجمهوري عام 1944 بتسليم 146 لاجئاً من "أخوة الدم" من الآذاريين الذين لجأوا لتركيا، إلى الحكومة السوفييتية مرة أخرى، على الرغم من معرفتها بأنه سيتم قتلهم، الأمر الذي حصل أمام العسكر التركي الذين سلموهم.
وحول الوضع في مصر، فكما جرت العادة، يتم استحضار الانقلاب على حكم الرئيس المعزول محمد مرسي من خلال الذاكرة التركية المريرة مع الانقلابات العسكرية، والتأكيد على مناصرة مرسي، وتحويل شعار رابعة إلى شعار تركي يؤكد على أربع ثوابت وهي "وطن واحد، علم واحد، أمة واحدة، دولة واحدة". وفي هذا السياق لا يفوت أردوغان أن يوجّه انتقادات شديدة للغرب الذي لم يتخذ موقفاً حاسماً من حكم الإعدام بحق مرسي.
اقرأ أيضاً: تبادل الاتهامات والوعود سلاح الأحزاب التركية في الحملات الانتخابية