قصف اللاذقية عشية فيينا... والنظام يحاول فصل الأكراد والتركمان

11 نوفمبر 2015
أثناء تدريبات لمقاتلين تركمان شمال اللاذقية (فتح أقطس/الأناضول)
+ الخط -
بدا الصاروخان اللذان سقطا على مدينة اللاذقية، أمس الثلاثاء، وكأنهما يحملان أكثر من رسالة ومعنى؛ سياسياً، يأتي استهداف عقر دار النظام، الذي أدّى إلى مقتل 23 شخصاً، وجرح حوالي 40 آخرين، قبل 3 أيام من مؤتمر فيينا الثالث الخاص بالملف السوري. أما عسكرياً، فهو يندرج في خانة الردّ القاسي عسكرياً من الفصائل المسلحة على حملة جيش النظام في ريف المحافظة الساحلية، تحديداً في جبلي التركمان والأكراد. ولأن المعارك ستحسم الكثير على طاولة فيينا، يفهم مراقبون استهداف اللاذقية، الذي راح ضحيته سوريون مدنيون، في مشروع الأوقاف وموقف سبيرو القريبين من جامعة تشرين شرقي اللاذقية، على أنه رسالة قد تكون فاتحة لوصول المعارك إليها، مع ما يعنيه ذلك من تراجع قدرة النظام على حماية "غرفة نومه". وتوسيع رقعة المعارك لن يكون بتاتاً في مصلحة النظام وحلفائه عشية فيينا، إذ قد ينعكس على موازين القوى التي ستحسم نقاطا عدة على طاولة المفاوضات، من مصير الرئيس بشار الأسد وتفاصيل المرحلة الانتقالية وانسحاب القوات الأجنبية من البلاد. وهجوم يوم أمس هو الأعنف في المدينة الساحلية منذ اندلاع ثورة 2011، وقد سبقه يوم الاثنين استهداف غامض أدى إلى مقتل 6 مدنيين، جراء سقوط صاروخ بالقرب من مخيم "أوبين" للنازحين في محافظة اللاذقية. صاروخ أطلق من جهة الساحل بحسب وكالة "الأناضول"، وسقط بالقرب من المخيم الذي يسكنه نازحون كانوا قد فروا من القصف الروسي على مناطقهم.
ومنذ بدأ التدخل العسكري الروسي في سورية في الثلاثين من سبتمبر/ أيلول الماضي، لمنع سقوط النظام ووقف تقدّم المعارضة السورية المسلّحة، كان واضحاً أن التركيز سيكون في المقام الأول على ريف اللاذقية المحرر منذ ما يزيد عن الثلاث سنوات.


اقرأ أيضاًالعشوائيات العربية[2- 6]..5 عقودٍ من التغيير الديمغرافي تدمّر دمشق 

ورغم فشل حملة النظام السوري المدعوم من الطيران الروسي في حماة وحمص وحلب، إلا أن جبهة ريف اللاذقية التي لاقت هي الأخرى فشلاً في أول أسبوعين، لم تهدأ منذ بداية التدخل الروسي، في سعي لاستعادة ريف اللاذقية المحرر، وبالتالي تحقيق الثمرة التي جاءت من أجلها روسيا، اذ إن استعادة قوات النظام لريف اللاذقية تعني حماية النظام في الساحل بالدرجة الأولى، ثم الانطلاق لاستعادة المناطق التي خسرتها قوات النظام لصالح "جيش الفتح" في الشمال.


حاول النظام في بداية الغارات الجوية الروسية استعادة السيطرة على تلال جب الأحمر، لضمان السيطرة على التلال الكاشفة على سهل الغاب وجبل الأكراد، وفتح طريق باتجاه بلدة السرمانية، ثم فتح معركة في مدينة جسر الشغور إلى جانب محاولة السيطرة على بلدة سلمى، وهي المعقل الأبرز لقوات المعارضة، وأولى المناطق التي خرجت على سيطرة النظام في الساحل، وتبعد البلدة عن مدينة اللاذقية نحو 48 كيلومتراً، وترتفع عن سطح البحر 850 متراً. وبالتالي، فإنها تكشف مساحة واسعة من جبل الأكراد. وتُعدّ سلمى مفتاح سيطرة النظام على الجبل.

وبعد مرور نحو شهر على فتحها لمحوري جب الأحمر وسلمى، بدأت قوات النظام في تغيير مخططها منذ أربعة أيام، بحيث أطلقت أول هجوم على بلدة غمام الواقعة قرب الأوتوستراد الرئيسي اللاذقية ـ حلب، ونجحت في السيطرة على المنطقة، قبل أن يستعيدها مقاتلو المعارضة السورية، لتعود وتسيطر عليها قوات النظام، قبل أن تبدأ فصائل إسلامية أبرزها "جبهة النصرة" وكتائب تابعة لـ "الجيش السوري الحر"، هجوماً مضاداً وتسيطر على مبنى مضخة المياه، وهو خط الدفاع الأول عن غمام.

وتشير هذه السيناريوهات المتسارعة إلى أهمية بلدة غمام، اذ إن سيطرة قوات النظام على المنطقة تعني تسهيل دخولها إلى قريتي الدغمشلية وزويك، وبالتالي محاولة استعادة السيطرة بعد ذلك على تلة برج القصب، والتي بدورها تكشف جبل الأكراد، وتفصله عن جبل التركمان، وهي من أولى المواقع التي سيطر عليها "الجيش السوري الحر" في ريف اللاذقية.

ويقول رئيس ديوان فرع المدفعية والصواريخ البحرية والساحلية، المنشق عن النظام، عثمان أسبرو، إن "النظام حاول إقناع الروس بأن التقصير هو من سلاح الجوّ، بسبب قدم طائراته وصعوبة تعميرها وكلفته الباهظة، فأرسل الروس له قوات جوية وأحدث طائراتها، غير أنها لم تحقق هدفا واحدا على مستوى الانتصار في جبهة الساحل".

وحول طبيعة المعارك الأخيرة في غمام، أوضح أسبرو خلال تصريحات لـ "العربي الجديد" أن "قرية غمام لم تكن الهدف الاستراتيجي بقدر ما هو أبعد من قرية غمام"، وأن الهدف الأساسي "تلة برج القصب التي يسعى النظام جاهداً لاحتلالها، لإحداث فرق تكتيكي على الأرض، إذ تعدّ السيطرة على هذه التلة بمثابة انتصار تكتيكي عسكري على الأرض"، متوعّداً "باستعادة الجيش السوري الحر لغمام في القريب العاجل".

ويشهد ريف اللاذقية الخارج عن سيطرة النظام قصفاً روسياً سورياً شبه يومي، وعلى عكس باقي جبهات الشمال، يركز النظام السوري عبر سلاح الجو على قصف جبلي الأكراد والتركمان بكثافة عالية بهدف إسكات مظاهر الحياة على ما يبدو هناك، وتأليب الحاضنة الشعبية على فصائل المعارضة.

ويمكن الاستدلال على ذلك، من خلال القصف الجوي للنظام السوري على أكبر تواجد للنازحين في مخيمات ريف اللاذقية، والتي كانت تعدّ آمنة نسبياً لقربها من الحدود السورية التركية، إذ تعرضت مخيمات النازحين في قرية أوبين قبالة مخفر بيسون التركي قبل يومين إلى قصف بصواريخ تحمل قنابل عنقودية، ما أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين، وإصابة عشرات آخرين بينهم نساء وأطفال.

ومخيم "أوبين" هو من أكبر المخيمات في ريف اللاذقية، ويضم أكثر من 500 خيمة ويسكن فيه أكثر من 1700 مدني من النازحين القادمين من جبل الأكراد وريف إدلب الغربي. وقد شهدت الفترة الأخيرة قصفاً روسياً لمعظم مواقع "الجيش السوري الحر"، خصوصاً "الفرقة الساحلية الأولى"، أكبر تجمع عسكري في الساحل السوري. اذ استهدف الطيران الروسي قبل ثلاثة أسابيع مقرّاً للفرقة بالصواريخ، ما أسفر عن مقتل نحو 20 شخصاً، بينهم قائد لواء العاصفة التابع للفرقة، النقيب باسل زمو.

وبحسب أسبرو، فإنّ النظام السوري أراد أن ينتقم عبر قصف مخيمات النازحين، قائلاً "كما هو سابق عهده، عندما تخفق قواته بتحقيق أي انتصار يلجأ مباشرة الى أسلوب القصف على المخيمات للنيل من صمود شعبنا، وهو أيضاً ضوء أخضر من المجتمع الدولي لتغاضيه عن جرائم النظام وأفعاله وعدم كبحه".

اقرأ أيضاً: النظام السوري يقصف مخيماً للنازحين قرب الحدود التركية 

المساهمون