تركيا تنتخب في زمن الانقسامات العمودية

01 نوفمبر 2015
ازداد عدد الناخبين 229 ألف صوت (بولنت كيليك/فرانس برس)
+ الخط -
تجرى الانتخابات البرلمانية التركية العامة، اليوم الأحد، بعد أقل من خمسة أشهرٍ على الانتخابات الأخيرة في السابع من يونيو/حزيران الماضي، والتي أنهت أكثر من 12 عاماً من تفرّد حزب "العدالة والتنمية" بالحكم. وتبدو هذه الانتخابات أكثر من مصيرية بالنسبة للحزب، في ظل كشف استطلاعات الرأي الأخيرة ارتباك الرأي العام التركي. وبينما تُجمع الاستطلاعات على ارتفاع نسبة أصوات "العدالة والتنمية" في الفترة الأخيرة، إلا أن استعادة الأغلبية البرلمانية الكافية للتفرّد بالحكم مجدداً، لا تزال أمراً مشكوكاً فيه.

في الانتخابات الأخيرة حصل "العدالة والتنمية" على 40.7 في المائة من أصوات الناخبين، ونال 258 مقعداً من أصل 550 مقعداً يتشكّل منها البرلمان. وخسر الحزب 69 مقعداً قياساً بالانتخابات البرلمانية في عام 2011، مع العلم أنه كان يحتاج لـ18 مقعداً إضافياً للحصول على 276 مقعداً، الكفيلة باستمرارية التفرّد بالحكم.

وتُشير نتائج الاستطلاعات التي أُجريت يومي 24 و25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى أن "العدالة والتنمية" تمكّن من رفع نسبة أصواته بشكل واضح، ويبدو قريباً جداً من نسبة الـ44 في المائة الكافية للتفرّد بالحكم. وفي هذا الصدد، تتوقع شركة "غيزيجي" المتخصصة في استطلاعات الرأي والتابعة للمعارضة أن ينال "العدالة والتنمية" نسبة 43 في المائة في الانتخابات. واستندت "غيزيجي" إلى استفتائها لـ4860 ناخباً.

ووفق الاستطلاع عينه، سترتفع أصوات حزب "الشعب الجمهوري" (أكبر أحزاب المعارضة) نقطة واحدة، لتصبح 26.1 في المائة. وستنخفض نِسَب حزب "الحركة القومية" (يميني متطرف)، بأكثر من نقطة ليحصل على 14.9 في المائة من الأصوات. كذلك ستنخفض حصة "الشعوب الديمقراطي" (ذي الغالبية الكردية) بأقل من نقطة لتصبح 12.2 في المائة.

ولا تبتعد استطلاعات شركة "إي أند جي"، المقرّبة من "العدالة والتنمية"، عن أرقام "غيزيجي". وقد استفتت "إي أند جي" 4536 ناخباً، منح خلالها 47.2 في المائة منهم أصواتهم لـ"العدالة والتنمية"، بينما حصل كل من "الشعب الجمهوري" على 25.3 في المائة، و"الحركة القومية" على 13.5 في المائة، و"الشعوب الديمقراطي" على 12.2 في المائة.

اقرأ أيضاً: أردوغان يقتحم الانتخابات التركية لعدم الذهاب إلى الثالثة 

كرونولوجيا ما بعد 7 يونيو

وقد تحرّكت لغة الأرقام الانتخابية في الوسط التركي، طيلة أشهر الصيف الماضية، حتى الآن، بفعل اضطرار الأحزاب التركية لإعادة الانتخابات البرلمانية، بعد فشل تجربة التعايش الحزبي بينها. وذلك على الرغم من المحاولات العديدة التي قادتها مختلف الأطراف لتشكيل الائتلاف الحكومي، بسبب الخلافات الكبيرة بين المكوّنات السياسية، والتي يُمكن حصرها في أربع نقاط رئيسية، وهي الموقف من عملية السلام مع حزب "العمال" الكردستاني، والسياسة الخارجية، والسياسات التعليمية، ودور رئاسة الجمهورية في الحياة السياسية.

بدوره، لم يستوعب "العدالة والتنمية" الهزيمة المعنوية التي تعرّض لها، لناحية سحب ورقة "التفرّد بالحكم" من يده، وبدا واضحاً تفضيل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إعادة الانتخابات منذ البداية. كذلك لم تستوعب المعارضة تقدّمها أيضاً، وسعت إلى فرض أجندتها على "العدالة والتنمية"، والذي إن تم مقارنة ما حصل عليه في 7 يونيو، بنتائج أي انتخابات في أي دولة أوروبية مثلاً، فسيكون قد حقق انتصاراً ساحقاً.

وجاءت أولى محاولات تشكيل الائتلاف الحكومي من "الشعب الجمهوري" بقيادة زعيمه كمال كلجدار أوغلو، والذي سعى لاستثمار التراجع وحالة الصدمة التي انتابت "العدالة والتنمية" بعد النتائج، لإقصائه عن الحكم تماماً. وطرح كلجدار أوغلو مفهوم "الكتلة المعارضة"، المكوّن من الأحزاب المعارضة الثلاثة في البرلمان، والتي تمثل كتلة تصويتية تقارب الستين في المائة. واجه اقتراح "الشعب الجمهوري" معارضة كبيرة من "الحركة القومية"، على الرغم من العرض الذي بدا مغرياً وتم تقديمه لزعيم الحركة، دولت بهجلي، والقاضي بتولّيه منصب رئاسة الوزراء. لكن بهجلي رفض بشكل قاطع أي تعاون مع حزب "الشعوب الديمقراطي"، والذي يراه الأخير جناحاً سياسياً للإرهاب، ممثلاً بـ"العمال" الكردستاني، جاعلاً دعواته لوقف عملية السلام خطاً أحمر لا يُمكن التفاوض عليه. الأمر الذي منع حتى تحالفه مع "العدالة والتنمية"، على الرغم محاولات الأخير.

من جانبه، رفض "العدالة والتنمية" رفضاً قاطعاً مجرّد الحديث عن أي ائتلاف حكومي مع "الشعوب الديمقراطي" أيضاً. مع العلم أن الأخير اتخذ الكثير من الخطوات لتوسيع المسافة بينه وبين "العمال" الكردستاني، إلا أن تأثير الأخير بدا واضحاً على سياسات وموقف "الشعوب الديمقراطي". وتجلّى ذلك بعد إعلان "الشعوب الديمقراطي" رفضه القاطع لتشكيل الحكومة مع "العدالة والتنمية" بعد صدور النتائج الانتخابية، قبل أن يستجيب في وقتٍ لاحق للدعوات الصادرة من جبل قنديل في العراق (معقل قيادات العمال الكردستاني)، مبدياً موقفاً أكثر ليونة للتعاون مع مختلف الأحزاب الأخرى. وفي سياق المفاوضات أيضاً، فشلت المفاوضات بين "العدالة والتنمية" و"الشعب الجمهوري" التي استمرت لأكثر من شهر، وفشل الطرفان في ردم الهوة بينهما، بسبب ملف السياسة الخارجية.

وفي هذا الشأن، يطالب "الشعب الجمهوري" بإجراء تعديلات جذرية في السياسة الخارجية، تُعيد خلاله أنقرة علاقاتها مع نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر، وأيضاً مع إسرائيل، والنظام السوري، على أن تتحوّل تركيا بموجب هذا التغيير، من "داعمٍ للمعارضة السورية" إلى وسيط بينها وبين النظام. ويترافق ذلك مع تحسين العلاقات السياسية مع إيران أيضاً. أما في الداخل، فبرز الخلاف بين "العدالة والتنمية" و"الشعب الجمهوري"، في ظلّ إصرار "العدالة والتنمية" على سياسته التعليمية المحافظة.

استراتيجية الحملات الانتخابية

ويُلاحظ أن المهلة الفاصلة بين انتخابات 7 يونيو وانتخابات اليوم، لا تتعدّى الـ5 أشهر، وهو وقتٍ قصير لإحداث تغيير جذري في خيارات الناخبين، إلا أنها كانت حافلة بالمستجدات السياسية والميدانية التي أدت إلى حصول المزيد من الاستقطابات. وقد تبدّى ذلك في صعود "الشعوب الديمقراطي"، ونجاحه في توحيد الأصوات الكردية، سواء اليسارية التي تُشكّل القاعدة الشعبية لـ"العمال" الكردستاني أو تلك المحافظة. كذلك لمع نجم "الحركة القومية"، القادر على اللعب على العصب القومي. وشكّلت عودة الاشتباكات بين قوات الأمن التركية و"العمال" الكردستاني، نقطة إضافية في الملف الانتخابي، وانعكس الأمر بشكل واضح على استراتيجيات مختلف الأحزاب التركية الأخرى، بما في ذلك "العدالة والتنمية" و"الشعب الجمهوري"، والتي شهدت تنافساً حاداً على أصوات القوميين الأتراك.

وفي التفاصيل الانتخابية الدقيقة، يحتاج "العدالة والتنمية" إلى 18 مقعداً إضافياً على التي يملكها (258) للعودة إلى مرحلة التفرّد بالحكم مجدداً. كما أن هناك 34 مقعداً تشهد تنافساً محموماً، في 34 ولاية تركية. وتتنافس أطراف المعارضة الثلاثة: "الشعوب الديمقراطي" و"الشعب الجمهوري" و"الحركة القومية" على 14 مقعداً، بينما يتنافس "العدالة والتنمية" و"الشعوب الديمقراطي" على خمسة مقاعد. في المقابل، تحتدم المنافسة بين "الحركة القومية" و"العدالة والتنمية" على 15 مقعداً.

اقرأ أيضاً: الانتخابات مطلع نوفمبر... تركيا في انتظار "الحزب الخامس"

وفي الانتخابات السابقة خسر "العدالة والتنمية" أربعة مقاعد بفارق بسيط أمام "الشعوب الديمقراطي"، في ولايات دياربكر ووان وأورفة وأغري، شرقي البلاد، ونجح في كسب مقعد من "الشعوب الديمقراطي" في ولاية إيلازغ. بينما كانت المنافسة الأكبر مع "الحركة القومية" على 15 مقعداً. وتمكن "الحركة القومية" من الحصول، بفوارق بسيطة، على 8 مقاعد في الدائرة الثالثة في ولاية إسطنبول، وكل من ولايات بالك إسير وبوردور وبايبورت وغوموشهانة وغيريسون وسامسون، من جهته، نال "العدالة والتنمية"، بفوارق ضئيلة أيضاً، سبعة مقاعد في كل من ولايات أماسيا وجوروم وجانكيري ودوزجة وكهرمان مرعش وأضنة ومالاطيا.

وأدى ذلك إلى تحوّل الانتخابات إلى مزايدات قومية بين الطرفين، بدأت بتوجيه الحكومة ضربات عسكرية موجعة لـ"العمال" الكردستاني، وانتهت بإدخال "الاتحاد الديمقراطي" (الجناح السوري للعمال الكردستاني) على الخط، بعد إعلان رئيس الحكومة المؤقتة أحمد داود أوغلو، عن "قيام الجيش التركي بتوجيه ضربات للاتحاد الديمقراطي، إثر محاولته عبور الفرات غرباً". ولم يتأخر أردوغان عقب الضربة في التأكيد بأن "أنقرة لن تتردد في توجيه ضربات أخرى له (الاتحاد الديمقراطي) إن حاول مرة أخرى (عبور نهر الفرات)"، ليدعو بهجلي إثر ذلك إلى "توقيف عملية السلام مع العمال الكردستاني نهائياً"، في مزايدة بارزة على "العدالة والتنمية"، والذي جمّدها.

أصوات جديدة

في سياق متصل، ارتفع عديد الكتلة الناخبة لأكثر من 229 ألف صوت، سينتخبون للمرة الأولى، علماً أن عدد الناخبين في الانتخابات السابقة كان 53.765.231 مليون ناخب. بدورها، شهدت مشاركة المغتربين في الممثليات التركية ارتفاعاً ملحوظاً أيضاً، في الوقت الذي قد تحسم فيه بضعة آلاف من الأصوات مستقبل "العدالة والتنمية" ومصير الحكومة التركية العتيدة برمّتها.

ولا يُمكن الحكم بشكل واضح على ميول الأصوات الجديدة، على الرغم من تأكيد صاحب شركة "أندي أر" للأبحاث واستطلاعات الرأي، فاروق أجار، لـ"العربي الجديد"، بأن "هذه الأصوات ستؤدي دوراً مهماً في النتائج المقبلة". ويضيف أنه "على الرغم من أن أعداد الناخبين الجدد غير قادرة على إيصال أي من الأحزاب إلى الحكم، أو جعل أي منها يتجاوز العتبة البرلمانية، إلا أن دورها سيكون مهماً للغاية في هذه الانتخابات".

ويتابع أنه "على سبيل المثال، إن العدالة والتنمية يسعى للتفرّد بالحكم مجدداً، وهو في مرحلة حرجة، يحتاج خلالها لكل صوت، وتُشكّل نسبة الأصوات الجديدة 0.7 في المائة تقريباً من الكتلة الناخبة. لذلك لا تمكن الاستهانة بهذه النسبة، وإن كان الميل العام للشباب ليس لحزب العدالة والتنمية أو الشعب الجمهوري، بل للشعوب الديمقراطي والحركة القومية".

الأمر الذي لا يتفق معه أستاذ العلوم السياسية، إرسين كالايجي أوغلو، والذي يقول لـ"العربي الجديد" إن "الشباب بشكل عام لا يشاركون كثيراً في الاقتراع، تحديداً أولئك الذين تقلّ أعمارهم عن العشرين عاماً. بالتالي فإن جزءاً مهماً منهم لن يقترع، وأكثر من ذلك، إن لم تقم الأحزاب بتحفيزهم على المشاركة، فلا أعتقد بأن أياً من الأصوات الجديدة ستشارك أصلاً". الأمر الذي ترجمه "العدالة والتنمية"، أخيراً، بالتركيز في الحملة الانتخابية على المنح الجامعية والمساعدات الخاصة بالطلبة الجامعيين والشباب بالعموم.

في غضون ذلك، أعلنت "الهيئة العليا للانتخابات" عن ارتفاع ملحوظ في مشاركة المغتربين في الخارج، والذي يصل المقيّد منهم، أي ممن يحقّ لهم التصويت، إلى 2.898 مليون ناخب، وذلك بعد أن شهدت الانتخابات الرئاسية في أغسطس/ آب 2014 أول مشاركة للمغتربين. وبينما ستبقى الصناديق الاقتراع المتواجدة في البوابات الحدودية والمطارات مفتوحة حتى الساعة الخامسة من ظهر اليوم بالتوقيت المحلي، اقترع في التمثيليات الدبلوماسية التركية في الخارج 1.267 مليون ناخب، بنسبة اقتراع وصلت إلى 43.7 في المائة، بزيادة قدرها 8.7 في المائة عن نسبة المشاركة الاغترابية في الانتخابات السابقة، والتي وصلت إلى 35 في المائة.

اقرأ أيضاً: عشية الانتخابات التركية... لا صوت يعلو فوق المزايدات القومية

المساهمون