هل يصمد تعاون روسيا وأميركا في الفضاء بعد خلافهما على الأرض؟

26 فبراير 2022
على متن محطة الفضاء الدولية حالياً روسيان وأربعة أميركيين وألماني (Getty)
+ الخط -

على الأرض، بلغ التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا ذروته إثر غزو أوكرانيا... لكن في الفضاء، يتشارك مواطنون روس وأميركيون الإقامة داخل محطة الفضاء الدولية، التي يتطلب تشغيلها تعاوناً بين البلدين لا يزال صامداً بوجه كل الاهتزازات الدبلوماسية.

غير أن تساؤلات تُطرح حالياً عما إذا كان هذا التعاون قابلاً للصمود أكثر، بعدما أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، الخميس، عن عقوبات ضد روسيا رداً على هجماتها العسكرية في أوكرانيا.

وقال بايدن إن هذه العقوبات "ستضر بصناعتهم في قطاع الفضاء وببرنامجهم الفضائي، وستضر بقدرتهم على بناء مركبات" فضائية.

ورداً على ذلك، اتهم مدير وكالة الفضاء الروسية ديمتري روغوزين، المعروف بتصريحاته الجدلية والمقرب من الكرملين، في تغريدات عبر تويتر، الولايات المتحدة بممارسة "ابتزاز"، والرغبة في "تدمير التعاون" في ما يخص محطة الفضاء الدولية.

ووجه سؤالاً لا يخلو من التهديد جاء فيه "من سينقذ محطة الفضاء الدولية من خروج من المدار خارج عن السيطرة ومن سقوط على الولايات المتحدة أو أوروبا؟" في حال الاستغناء عن الدور الروسي.

ويعتمد تصحيح مدار محطة الفضاء الدولية فعلياً على نظام الدفع الذي توفره المركبات الروسية، غير أن القسم الأميركي يوفر أيضاً وظائف حيوية ضرورية.

وأوضحت جولي باتارين جوسيك، التي وضعت كتاباً عن محطة الفضاء الدولية والمدرّسة السابقة في جامعة سانت بطرسبرغ الحكومية، لوكالة فرانس برس، أن هذا الاعتماد المتبادل اعتُمد بالأساس بهدف تفادي "الانزلاقات المرتبطة بالتطورات".

وأشارت باتارين جوسيك إلى أن موسكو ليست لديها أي مصلحة في قطع العلاقات في هذا المجال، وقالت "إذا ما انسحبت روسيا من محطة الفضاء الدولية، وهو أمر مستحيل نسبياً نظراً إلى الأطر القانونية التي تحكم البرنامج، فإن ذلك سيعني زوال البرامج الفضائية المأهولة".

استقلالية 

من جهتها، سعت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) إلى تدوير الزوايا، معلنة "مواصلة العمل مع الشركاء الدوليين"، بما في ذلك وكالة الفضاء الروسية (روسكوسموس)، "من أجل سلامة العمليات الحالية" لمحطة الفضاء الدولية.

وكتب يوزف أشباكر، المدير العام لوكالة الفضاء الأوروبية، وهي من الشركاء أيضاً في محطة الفضاء الدولية مع اليابان وكندا: "رغم النزاع الدائر، يبقى التعاون الفضائي المدني جسراً".

ولفتت باتارين جوسيك إلى أن رواد الفضاء الموجودين حالياً في المحطة المدارية، وهم روسيان وأربعة أميركيين وألماني، يدركون بالتأكيد التوترات الحالية، لكن تدريبهم علّمهم أن يظلوا واقعيين، ومعظمهم شديدو الحرص على البعد الدولي للبرنامج.

وليست هذه المرة الأولى التي يتسبب فيها الوضع الأوكراني في اضطرابات في قطاع الفضاء.

ففي عام 2014، بعد العقوبات الأميركية الأولى التي أعقبت ضم روسيا شبه جزيرة القرم، اقترح ديمتري روغوزين، الذي كان يشغل حينها منصب نائب رئيس الوزراء الروسي لشؤون الفضاء، أن تستخدم الولايات المتحدة "منصة لنقل روادها إلى محطة الفضاء الدولية".

في ذلك الوقت، لم يكن لدى الولايات المتحدة أي مركبات أميركية لنقل روادها إلى الفضاء، لذلك استخدموا صواريخ سويوز الروسية. في عام 2020، بعد أن أنهت أول رحلة لشركة "سبايس إكس" إلى محطة الفضاء الدولية هذا الاحتكار، قال رئيس الشركة إيلون ماسك، بشكل استفزازي: "المنصة تعمل جيداً"، كما دفعت هذه الحادثة روسيا إلى تنويع إمداداتها.

ورغم عقوبات 2014 التي استهدفت "الإلكترونيات الدقيقة" "ما زلنا نبني مركباتنا"، وفق ما ورد في تغريدة كتبها روغوزين أكد فيها أيضاً "أننا سنواصل بناءها من خلال إنشاء صناعة محلية للمكونات الضرورية ".

ولفتت جولي باتارين جوسيك إلى تخصيص جزء كبير من استراتيجية روغوزين الفضائية "للتمكين التدريجي لروسيا في هذه المجالات، تحديدا لوقف الحاجة إلى الواردات من الخارج". وأشارت إلى أن ذلك يعني وجود "صعوبة في وضع تقويم فوري" لعواقب العقوبات الجديدة.

إلى الصين در 

ويمكن أن تتمثل نتيجة أقل دراماتيكية من الوقف الكامل والفوري للتعاون في إلغاء تبادل رواد الفضاء الذي كان متصوراً في الخريف، وتكمن الفكرة في أن ينضم رائد فضاء روسي إلى محطة الفضاء الدولية على متن مركبة فضائية من صنع "سبايس إكس"، ورائد فضاء من وكالة ناسا على صاروخ سويوز، لكن موسكو لم توافق رسمياً على الفكرة بعد.

على نطاق أوسع، قد يعاني مستقبل محطة الفضاء الدولية على المدى الطويل من هذه الأزمة، وقال الأستاذ في معهد سياسة الفضاء بجامعة جورج واشنطن جون لوغسدون، لوكالة فرانس برس، إن "الوضع الحالي، ما لم يتم حله بسرعة، قد يؤثر على رغبة روسيا في الاستمرار في المشاركة، أو على استعداد أميركا لإبقائها معنية" بمحطة الفضاء الدولية.

وقالت الولايات المتحدة إنها تريد تمديد العمل بمحطة الفضاء الدولية حتى عام 2030، لكن روسيا ملتزمة حالياً حتى عام 2024 فقط، ورفضت موسكو المشاركة في برنامج Artemis الأميركي للعودة إلى سطح القمر، من ناحية أخرى، أعلنت أنها تريد بناء محطتها الفضائية الخاصة، فضلاً عن بناء محطة قمرية بالاشتراك مع الصين.

(فرانس برس)

المساهمون