مصر تعود لمفاوضات أبوظبي بشأن سد النهضة

25 يونيو 2023
جنديان من إثيوبيا أمام السد، 2022 (ميناس وونديمو هايلو/الأناضول)
+ الخط -

في الوقت الذي تستعد فيه إثيوبيا للبدء في المرحلة الرابعة من ملء سد النهضة، كشفت مصادر دبلوماسية مصرية، مطلعة على التعامل مع ملف أزمة السد، عودة ما يعرف بـ"مسار أبوظبي".

ويتضمن المسار مفاوضات فنية بين ممثلي كل من مصر والسودان وإثيوبيا، بمشاركة مراقبين من دولة الإمارات التي ترعى تلك المفاوضات. وأوضحت المصادر، لـ"العربي الجديد"، أن "العودة لمسار أبوظبي كانت بدفع من المسؤولين في دولة الإمارات بعد تصاعد السجال بين القاهرة وأديس أبابا، عقب القمة العربية الأخيرة التي استضافتها المملكة العربية السعودية".

وأصدر مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، التي اختتمت أعمالها في 19 مايو/أيار الماضي بمدينة جدة السعودية، قراراً بشأن سد النهضة الإثيوبي، أكد خلاله أن "الأمن المائي لكل من مصر والسودان جزء لا يتجزأ من الأمن المائي العربي"، رافضاً أي عمل يمس بحقوقهما في مياه النيل. وعبّر المجلس عن "القلق الشديد إزاء استمرار تعثر المفاوضات في هذا الإطار بسبب المواقف التي تبنتها إثيوبيا".

وبحسب مصدر دبلوماسي مصري، فإن القاهرة "قبلت بعودة مسار أبوظبي في ظل حالة من الانسداد على مستوى الحلول السلمية للأزمة، وكذلك تعثر مسار ما يمكن تسميته بالحلول الأمنية". وأكد المصدر أن القاهرة "استجابت لدعوة أبوظبي التي جاءت في أعقاب القمة العربية، في ظل الانشغال الأميركي والدولي بأزمات أخرى في المنطقة".

مخاوف من تنازلات مصرية

في المقابل، عبّر دبلوماسي مصري آخر عن مخاوفه من "اضطرار الحكومة المصرية للقبول بحلول وخيارات، كانت ترفضها بشأن أزمة السد في أوقات ماضية تحت ضغط الأوضاع الداخلية، وحالة الاحتقان التي خلفتها الأزمة الاقتصادية". ولفت إلى أن "هناك مخاوف في الأوساط الدبلوماسية المصرية من القبول باتفاق هزيل برعاية أبوظبي".

مصدر دبلوماسي مصري: الوقت غير مناسب للتوقيع على اتفاقات جديدة تخص الأزمة

وأشار الدبلوماسي إلى أنه رغم شروع أديس أبابا في الخطوات الخاصة بالملء الرابع لخزان السد، إلا أن الوقت ليس مناسباً للتوقيع على أية وثائق أو اتفاقات جديدة تخص الأزمة، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، والخوف من تقديم الإدارة المصرية تنازلات من أجل الوصول إلى اتفاق وإعلانه أمام الرأي العام، بغض النظر عن ماهية هذا الاتفاق وقتها، بحسب قوله.

وأوضح أنه كما تم التوقيع على اتفاق المبادئ عام 2015 (وثيقة إعلان مبادئ وقعتها مصر والسودان وإثيوبيا) الذي منح إثيوبيا الشرعية الدولية من دون تقديمها أية تنازلات أو تعهدات بشأن الملاحظات المصرية، بحسب قوله، فإن أي اتفاق سيسبق الاستحقاق الانتخابي في مصر لن يقود إلى مراعاة المصلحة الكاملة لمصر. ودعا في الوقت نفسه إلى "مواصلة الضغط على أديس أبابا من أجل تعطيل عملية الملء".

وأشار الدبلوماسي المصري إلى أن ما يزيد من مخاوف تقديم مصر تنازلات في الوقت الحالي هو تغير الخطاب الرسمي، على لسان أعلى مستوى في الدولة وهو رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، الذي بدأ يشير إلى قبول القاهرة بحل وسط.

وفي الخامس من يونيو/حزيران الحالي، حث السيسي، خلال مؤتمر صحافي مع رئيس موريتانيا محمد ولد الشيخ الغزواني في قصر الاتحادية بالقاهرة، إثيوبيا على القبول بحل وسط لأزمة السد.

وقال إنه "شددنا على أهمية حث إثيوبيا على التحلي بالإرادة السياسية، للأخذ بأي من الحلول الوسطى، التي جرى طرحها على مائدة التفاوض، والتي تلبي مصالحها، من دون الافتئات على حقوق ومصالح دولتي المصب".

وكانت أبوظبي قد استقبلت، منذ منتصف العام الماضي ومطلع العام الحالي، نحو 6 جولات من المفاوضات الفنية بين متخصصين من مصر والسودان وإثيوبيا، لحضور مراقبين من الإمارات التي تتولى تلك الوساطة.

وجرى ذلك قبل أن يتخذ المسؤولون في القاهرة قراراً غير معلن في مارس/آذار الماضي، بعدم التعاطي مجدداً مع "مسار أبوظبي"، معتبرين أنه يمثل "مضيعة للوقت"، و"فرصة لأديس أبابا للمراوغة وكسب مزيد من الوقت في إطار النهج الذي تتبعه في ملء السد".

تجاهل دولي للقاهرة

وقال دبلوماسي مصري تحدث لـ"العربي الجديد" إن القاهرة "تواجه تجاهلاً من جانب القوى الدولية الفاعلة، رغم المطالب المتكررة بشأن ضرورة التدخل والضغط على أديس أبابا، من أجل إجبارها على العودة لمائدة المفاوضات السياسية، والتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل السد". وأوضح الدبلوماسي نفسه أن "كافة الجهود التي بُذلت أخيراً لم تأت بالتأثير الذي كان متوقعاً".

دبلوماسي مصري: الجهود التي بُذلت أخيراً لم تأت بالتأثير المتوقع

وأضاف أنه "رغم تنوع مستويات الوفود والاتصالات، سواء لدى الإدارة الأميركية أو الاتحاد الأوروبي، إلا أن الأمر لم يتحرك بالمستوى المنشود". ولفت إلى أن القاهرة "رغم إدراكها أن الدور الإماراتي، خلال الفترة الأخيرة، على صعيد أزمة سد النهضة، شابه الكثير من اللغط وعلامات الاستفهام بشأن انحيازه في أوقات كثيرة لأطروحات تتعارض مع المصالح المصرية، إلا أنها قبلت بالعودة مجدداً لأبوظبي، كون ذلك (الباب الوحيد المفتوح) في الوقت الحالي".

موقف مصر وإثيوبيا من استكمال بناء السد

من جهته، قال خبير هندسة السدود المصري محمد حافظ، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك بعض التساؤلات التي نسعى لاستيضاحها وفهمها في ظل المستجدات الأخيرة، أولها الموقف المصري الحالي من استكمال بناء السد، والتجاهل الإثيوبي". وأشار إلى أن "موقف مصر على المدى القصير، خصوصاً بعد نجاح إثيوبيا في الملء الرابع، سيكون هو (الشكوى) والذهاب لمجلس الأمن والضغط من خلال الدول الأوروبية على إثيوبيا".

وأضاف أن "هذا ما تعودنا عليه منذ الملء الأول. وتعلم إثيوبيا أعلى سقف للتحركات المصرية، ولهذا فهي لا تعبأ بأي رد فعل مصاحب للملء التدريجي لسد النهضة". وأوضح حافظ أنه على المدى البعيد، قد تضطر القاهرة للاستجابة بشكل كامل لإرادة أديس أبابا، وإقناع الشعب بجدوى شراء المياه الخام من إثيوبيا.

انعكاس الملء الرابع لسد النهضة على مصر

في غضون ذلك، تساءل حافظ عمّا سيشكله الملء الرابع من اختلاف، في وقت قال وزير الخارجية الإثيوبي ديميكي ميكونين إن الملء الأول والثاني والثالث للسد لم تتسبب بضرر.واعتبر حافظ أن "هناك جانبان لهذا السؤال، ففي السنوات الأربع الماضية، كان فيضان النيل الأزرق يأتي أكبر بكثير من الفيضان المتوسط، ولهذا شاهدنا وصول مياه الفيضان عام 2019 إلى سيناء وشاهدنا أيضاً فتح مفيض توشكي وقناطر إدفينا وفارسكور والنوبارية خلال فصل الفيضان أعوام 2020 و2021 و2022".

محمد حافظ: الرفض الإثيوبي رد فعل دبلوماسي طبيعي

أما من حيث حسن إدارة بحيرة ناصر (في السد العالي)، فقد لفت حافظ إلى أن مصر خسرت الكثير من المياه التي كان يمكن أن تخزنها البحيرة خلال سنوات الفيضان. وأشار حافظ إلى سوء إدارة عملية التخزين في البحيرة منذ عام 2015، وتحديداً عندما صرح السيسي بأن منسوبها يعد ضمن الأمن القومي ولن يسمح للإعلام المصري التحدث عنه، على خلفية تخفيض الحصة المقررة المفروض صرفها سنوياً للشعب المصري، والتي تقدر على الأقل بـ55.5 مليار متر مكعب، إلى أقل من ذلك خلال الأعوام من 2016 حتى 2018، على حد قوله.

وتساءل حافظ عن رفض إثيوبيا، في مايو الماضي، قرار جامعة الدول العربية الداعم لموقف مصر والسودان. وقال إن "هذا الرفض الإثيوبي ليس إلا رد فعل دبلوماسي طبيعي للاستخدام محلياً في إثيوبيا، ولكن العلاقات الإثيوبية – الخليجية هي أفضل من مثيلتها (بين مصر والخليج)".

المساهمون