حددت الحكومة العراقية، اليوم السبت، موعداً للاحتفال بمئوية الدولة العراقية الذي سيشهد فعاليات مختلفة تجسد الأحداث التي مرت بها البلاد بعد مرور قرن على تأسيس الدولة العراقية عام 1921.
وبحسب بيان حكومي سابق فقد تم إكمال جميع الاستعدادات للاحتفال بالمئوية الذي سيتضمن عدة فعاليات، منها عرض فيلم عن الذكرى، وعروض فنية وثقافية مختلفة. واعتبر البيان أن الاحتفال هو للتأكيد أن العراق بدأ قبل 100 عام عهد جديد بعد نضاله ضد الاحتلال البريطاني.
ومرّ العراق خلال هذه الفترة بأحداث تاريخية مهمة لم تؤثر عليه وحده فقط، بل على عموم دول المنطقة، إذ لم يكن عام 1921، عقب ثورة 1920 ضد الاحتلال البريطاني، إيذاناً بإعلان دولة العراق وتوحيد ولاياته كالموصل والبصرة وبغداد تحت إدارة مركزية واحدة فقط، بل كان بمثابة إعادة تأسيس هوية كاملة لبلاد الرافدين.
شهد العراق محطات لم تؤثر عليه فقط بل على المنطقة عموماً
ومرّت البلاد بسلسلة من التقلبات الكبيرة من الملكية إلى الجمهورية، مروراً بحقبات التيارات القومية والشيوعية والبعثية، وآخرها الأحزاب الإسلامية التي تحكم البلاد منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003.
وشهدت البلاد أحداثاً وحروباً طاحنة أتت في مجملها على الملايين من سكانها، بدءاً بالانقلاب العسكري في عام 1958 الذي أطاح بالنظام الملكي، ثم وقع انقلاب آخر في عام 1963، وتلاه آخر مماثل في عام 1968.
ثلاث حروب طاحنة
وغرق العراق بثلاث حروب طاحنة. الأولى مع إيران (1980-1988)، ثم مع الولايات المتحدة وحلفائها عقب غزوه الكويت عام 1991، وآخرها حرب عام 2003 التي نتج عنها احتلال العراق من قبل الأميركيين وتغيير شكل النظام السياسي. وأعقب ذلك انهيارات أمنية وهزات سياسية وآثار اجتماعية ضخمة ما تزال اثارها حاضرة حتى اليوم.
وتتزامن ذكرى المئوية مع حدثين مهمين. الأول خروج القوات الأجنبية القتالية من العراق في موعدٍ أقصاه 31 ديسمبر/كانون الأول الحالي. والثاني الانسداد السياسي الذي أعقب نتائج الانتخابات التي جرت في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد رفض بعض القوى الخاسرة نتائج العملية الانتخابية.
وعلى عكس الدول الأخرى، يفتقر العراق لتوثيق كامل ودقيق لكل الحقب والأحداث التي مرّ بها، إذ إن أعمال النهب والسلب والحرق التي رافقت كل الأحداث جعلت الكثير من الحلقات مفقودة أو بحاجة إلى أجوبة عن أسئلة ونقاط محل شك وتحليل.
السياسي والنائب السابق في البرلمان العراقي، عباس الزاملي، قال إن العراق مر بظروف صعبة خلال الـ 100 عام التي تلت تأسيس الدولة، شهدت تحولات جذرية في طبيعة النظام السياسي الذي تحول من الملكي إلى الجمهوري ثم إلى البرلماني.
ولفت في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن البلاد مرت بتقلبات كثيرة أبرزها الاحتلال الأميركي، مبيناً أن العراق وعلى الرغم من كل ما مر به من ظروف، إلا أنه ما يزال يستقطب أنظار العالم بسبب ما يتميز به من موقع جغرافي مهم جداً، وما يمتلكه من حضارة وتاريخ عريق، وما لديه من تأثير إقليمي ودولي.
وتابع "أنظارنا تتجه نحو ذكرى المئوية التي نأمل أن تمثل انطلاقة جديدة باتجاه بناء العراق والحفاظ على تاريخه وإنهاء النزاعات والصراعات الإثنية"، مشدّداً على ضرورة تجاوز المشاكل من خلال قبول الآخر والتعايش السلمي، في ظل وجود نظام ديمقراطي يضمن حق التعبير عن الرأي والمشاركة السياسية.
وحذّر الزاملي من استمرار الصراعات السياسية التي تفجّرت بعد الاعلان عن نتائج الانتخابات، قائلاً "إذا شهدنا تطورات سياسية خطيرة فإن ذلك يؤثر على طبيعة وشكل النظام السياسي".
فشل في إدارة الدولة بعد الاحتلال الأميركي
ويعاب على الطبقة السياسية الحاكمة فشلها في إدارة الدولة بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، والعمل بالتعاون لمع قوات الاحتلال على حل وتفكيك جميع مؤسسات الدولة التي بنيت في عهد الرئيس الراحل صدام حسين.
وقال أستاذ التاريخ في جامعة بغداد علي الزيدي لـ "العربي الجديد" إن الصراعات السياسية ليست جديدة في العراق، الذي مر بثورات وحروب وأزمات سياسية كبيرة خلال قرن من عمر الدولة العراقية، مستدركاً "إلا أن الصراعات الحالية التي تشهدها البلاد أخطر من سابقاتها كونها تعتاش على بث روح التفرقة وتنمية الولاءات الفرعية على حساب الانتماء الوطني".
ورأى أن للعراق تجارب في النهوض بعد كل انتكاسة، غير أن الأوضاع الحالية مختلفة، ولا وجود لمؤشرات على تجاوز الأزمات السياسية المتراكمة بسبب الفساد والمحسوبية والفشل في إدارة مؤسسات الدولة.
القيادي في "الجبهة التركمانية" أرشد الصالحي قال في حديث لـ "العربي الجديد": "نتشرف بأن لدينا دولة أعادت تنظيم نفسها قبل 100 عام"، معتبراً أن "علينا ألا ننسى أننا طيلة قرن شاهدنا دماء تسيل مع تعاقب الحكومات".
تشهد البلاد حالياً انسحاباً للقوات القتالية الأجنبية منها
وأضاف "بعد 100 عام من عمر الدولة ينبغي أن نرى عراقاً لا تُنتهك فيه حقوق البشر، وتتم فيه مراعاة حقوق جميع المكونات الشعب العراقي، ويؤمن فيه الجميع بالوحدة الجغرافية للدولة، بدلاً عن التقسيمات العرقية الحديثة التي استجدت بعد 2003"، مؤكداً أن العراق يجب أن يكون خالياً أيضاً من الإرهاب والفساد.
وشدّد الصالحي على ضرورة إعادة الحسابات، والابتعاد عن تشكيل حكومة محاصصة جديدة، متسائلاً: "هل تمتلك القوى السياسية رؤية استراتيجية لإنقاذ العراق؟ أم أننا سنذهب الى حكومة محاصصة توافقية بامتياز؟".
وأضاف "سنتخلص من حالة عدم الاستقرار السياسي إذا تمكنا من فرض الإرادة العراقية على الإرادات الأخرى التي تهيمن على مقدرات البلاد"، داعياً إلى التخلص من الولاءات الفرعية للطوائف والأحزاب والعشائر لأنها ستؤدي إلى انهيار البلاد".
وأشار إلى أن "الطبقة السياسية الحالية بحاجة إلى تحديث استراتيجيتها بدلاً عن التكتيكات الوقتية"، ناصحاً القوى السياسية بالجلوس على طاولة مستديرة واحدة لتحديد مستقبل العراق. وتابع "نحن أمام مستقبل مجهول إذا لم نُعد حساباتنا"، لافتاً إلى أن النظام السياسي الحالي بحاجة إلى عقد سياسي حقيقي وليس توافقي.
ونشرت وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع) تقريراً أشارت فيه إلى المناسبة بكونها "بداية بناء الدولة العراقية"، مؤكدة أن "مرحلة تولي الملك فيصل الأول لعرش العراق بداية بناء الدولة العراقية، إذ يرجع الفضل إليه في وضع اللبنة الأولى لمؤسسات الدولة، التي لا تزال تعمل بقوانين وأنظمة تعود للعهد الملكي".
واعتبرت الوكالة في تقريرها أن "هذا ما يجعل أغلبية المهتمين بتاريخ الدولة العراقية تطلق على الملك فيصل الأول لقب (مؤسس الدولة العراقية)، ومن بين أبرز الإنجازات التي تحققت في عهده هي الاستقلال عن الاحتلال البريطاني ونجاحه في دخول العراق في منظمة عصبة الأمم في عام 1932".