كيف ساهم الانقسام السياسي في مأساة فيضانات درنة الليبية؟

كيف ساهم الانقسام السياسي في مأساة فيضانات درنة الليبية؟

15 سبتمبر 2023
+ الخط -

تسبّبت الفوضى السائدة في ليبيا بعدم إيلاء البنى التحتية الحيوية الأهمية اللازمة، ما ساهم في انهيار سدّي درنة في الشرق نتيجة عاصفة وفي فيضانات مدمرة اجتاحت المدينة ومحيطها في بلد تتنافس فيه حكومتان على السلطة، ويشهد انقسامات عميقة، وفق محللين وسياسيين.

وتحكم ليبيا، التي دمرتها الانقسامات السياسية منذ سقوط معمر القذافي في العام 2011، حكومتان متنافستان، واحدة في طرابلس (غرب)، معترف بها من الأمم المتحدة ويقودها رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، وأخرى في الشرق، تابعة لمعسكر خليفة حفتر.

وتصاعدت وتيرة الخلافات السياسية مراراً وتكراراً وأفضت إلى قتال دامٍ مراراً. لكن منذ العام 2020، جرى احترام قرار وقف إطلاق النار إلى حد كبير.

ضربت العاصفة دانيال، الأحد، عدة مناطق في الشرق الليبي، لا سيما منطقة درنة، وهي مدينة ساحلية يبلغ عدد سكانها 100 ألف نسمة، ما تسبب في انهيار سدين، بُنيا في سبعينيات القرن الماضي، بسبب ضغط الأمطار الطوفانية، ما أدى إلى تشكل سيول جارفة وفيضانات أودت بالآلاف.

كما تسببت هذه الأمطار في تدمير أحياء بكاملها وجرفها نحو البحر الأبيض المتوسط.

وعلى الرغم من أن الكارثة وقعت في منطقة خاضعة لسيطرة المعسكر الشرقي، إلا أن الدبيبة، الذي يتخذ من الغرب مقرّا له، اعتبر، الخميس، أن ما حصل سببه "ما جرى تخطيطه في السبعينيات، والذي لم يعد كافيا اليوم، بالإضافة إلى الإهمال الزمني وآثار السنوات".

وقال خلال اجتماعه مع الوزراء والخبراء إن "هذه إحدى نتائج الخلافات والحروب والأموال التي ضاعت".

"قنبلة موقوتة"

يقول المحلل الليبي في "مؤسسة صادق" أنس القماطي، لوكالة "فرانس برس"، إنه بعد "سنوات من الإهمال، فإن عدم تخفيف ضغط مياه السد مع اقتراب العاصفة" كان بمثابة "قنبلة موقوتة".

ويعتبر أن "السلطات في الشرق، وخصوصا قوات الجيش الليبي، ارتكبت حسابات خاطئة مأساوية وإجرامية ولم تتحمل مسؤولياتها". ويلفت إلى أن قرار بلدية درنة بفرض حظر التجول مساء السبت تحسبا للعاصفة "لم يحم المواطنين، بل على العكس، حاصرهم".

إلى ذلك، قدّر رئيس المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة بيتيري تالاس أنه "كان من الممكن تجنب سقوط معظم الضحايا"، لافتا إلى الفوضى التي أنتجت غياب الاستقرار السياسي الذي تعاني منه ليبيا منذ سنوات.

وكان المهندس والأكاديمي الليبي عبد الونيس عاشور حذر، في دراسة نشرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، من "كارثة" ستحل بمدينة درنة إذا لم تبادر السلطات إلى صيانة سديها، سد "أبو منصور" بسعة 22,5 مليون متر مكعب، وسد "البلد" بسعة 1,5 مليون متر مكعب من المياه.

وعلى الرغم من ذلك التحذير، لم يتم تنفيذ أي صيانة في السدين، رغم أن صيانتهما مدرجة في الموازنة. كما أن ليبيا، التي تمتلك احتياطيات النفط الأكبر في أفريقيا، لا تشكو من نقص التمويل في ميزانيتها.

"الخط الفاصل"

لم تنجز أعمال الصيانة في هذه المنطقة كما في سائر أنحاء البلاد، وأهملت من قبل الحكومات المتعاقبة منذ العام 2011، كما كان الحال أيضًا في ظل نظام القذافي الذي صرف النظر عن درنة، معتبرا أنها مدينة متمردة عليه.

ويوضح القماطي: "إن حجم الأضرار المسجلة هو نتيجة مباشرة لإهمال السلطات في الشرق".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وطلب المجلس الرئاسي المنعقد في طرابلس من النائب العام فتح تحقيق في "هذه الكارثة" ومحاكمة كل من يشتبه في ارتكابه "أخطاء أو إهمالا" أدى إلى انهيار السدين والتسبب في كارثة.

وفي مواجهة حجم الدمار، وضعت الخلافات بين منطقتي الشرق والغرب جانبا وفُسح المجال أمام المد التضامني.

وفي مناطق في غرب وجنوب البلاد، يجرى تنظيم عمليات جمع التبرعات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فيما أعرب عدد من الممرضين والأطباء والمتطوعين عن رغبتهم في السفر إلى درنة من طريق مطار معيتيقة بطرابلس.

لكن الافتقار إلى التنسيق بين الحكومتين المتنافستين وغياب السلطة المركزية الواحدة يزيدان من تعقيد عملية تنظيم الإغاثة ووصولها في أقرب وقت.

ويرى الخبير المتخصص في الشؤون الليبية جليل حرشاوي أن "الانقسام بين الشرق والغرب سيستمر بشكل أو بآخر. وبطبيعة الحال، هذا الخط الفاصل ليس أمرا جيدا من الناحية اللوجستية ومن ناحية فاعلية" عمليات الإغاثة.

(فرانس برس)

ذات صلة

الصورة
فقدت أدوية أساسية في درنة رغم وصول إغاثات كثيرة (كريم صاهب/ فرانس برس)

مجتمع

يؤكد سكان في مدينة درنة المنكوبة بالفيضانات عدم قدرتهم على الحصول على أدوية، خاصة تلك التي للأمراض المزمنة بعدما كانت متوفرة في الأيام الأولى للكارثة
الصورة

منوعات

استيقظ من تبقى من أهل مدينة درنة الليبية، صباح الاثنين الماضي، على اختفاء أبرز المعالم التاريخية والثقافية في مدينتهم؛ إذ أضرّت السيول بـ1500 مبنى. هنا، أبرز هذه المعالم.
الصورة

منوعات

رأى الرئيس التونسي قيس سعيّد، أن اختيار اسم "دانيال" للعاصفة التي ضربت ليبيا المجاورة، يعكس "نفوذ الحركة الصهيونية العالمية"، بحسب ما جاء في مقطع مصوّر نشرته الرئاسة التونسية الثلاثاء.
الصورة
عمال بحث وإنقاذ في درنة في ليبيا (كريم صاحب/ فرانس برس)

مجتمع

بعد مرور أكثر من أسبوع على الفيضانات في شمال شرق ليبيا على خلفية العاصفة دانيال، لا سيّما تلك التي اجتاحت مدينة درنة، وتضاؤل فرص الوصول إلى ناجين، صار هاجس انتشار الأوبئة والأمراض يثير القلق.