كمال لطيف: لا قرار حكومياً عراقياً بطلب تعويض لقصف مفاعل تموز

13 يونيو 2022
لطيف: انبعاثات الكربون هي التحدي الأكبر (العربي الجديد)
+ الخط -

يتصدّر ملف التلوث الإشعاعي في العراق اهتمام الشارع، خصوصاً في مدن البصرة وبغداد والفلوجة، إذ يعزو المسؤولون في وزارة الصحة ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان والتشوهات الولادية فيها إلى مخلّفات الحرب الأميركية على العراق عام 2003، والتي استُخدمت فيها أسلحة محرمة تحتوي على النابالم واليورانيوم وقنابل الفوسفور الأبيض.

وتسعى الحكومات العراقية المتعاقبة للتخلص من الدبابات المدمرة والقطع العسكرية الملوثة وبقايا المنشآت والمصانع التي استُهدفت في مناطق مختلفة من البلاد، ومنها البصرة وبغداد تحديداً، عبر طرق مختلفة، من بينها الدفن في مناطق عميقة بباطن الأرض بعيداً عن المدن المأهولة بالسكان، أو ما يعرف بالخزن الآمن بمواقع مختلفة جرى جانب منه بدعم من الأمم المتحدة.

ويكشف رئيس "الهيئة العراقية للسيطرة على المصادر المشعة" الدكتور كمال حسين لطيف، في حديث مع "العربي الجديد"، عن الآليات المتّبعة لمواجهة خطر التلوث الإشعاعي في البلاد، وآخر ما توصلت إليه بغداد في ملف قصف الاحتلال الإسرائيلي لمفاعل تموز النووي العراقي في السابع من يونيو/ حزيران 1981.

هناك لبس عند العراقيين حول الهيئة وصلاحياتها ودورها في ملف التلوث. كيف يمكن توضيح ذلك؟
الهيئة العراقية للسيطرة على المصادر المشعة تأسست سنة 2004 وترتبط برئاسة الوزراء بشكل مباشر ولا تتبع أي وزارة، بل إنها هيئة قائمة بذاتها، وعملها يركز على ملف المصادر المُشعة بالمجمل في البلاد.
ما هي المساحة المقدّرة حالياً للتلوث الإشعاعي في العراق؟
سابقاً كان هناك 36 موقعاً في العراق قُصفت فيها دبابات للجيش العراقي باليورانيوم المنضّب إبان الحرب الأميركية على العراق عام 2003 وطُهّرت وردم المُلوث، وأيضاً حدث قصف بالمادة ذاتها عام 1991. كما أن لدينا 2000 مصدر مشع مفقود عبارة عن صواعق قديمة، وجدنا غالبيتها، والباقي بحدود 300 صاعق ونعتقد أن عمرها الافتراضي انتهى ولم تعد تُشكّل خطراً. 

الخطر الأكبر على العراقيين ليس الاشعاعات الآن، بل التلوث بالمواد الكيميائية والنفطية

بصراحة الخطر الأكبر على العراقيين ليس الإشعاعات الآن، بل التلوث بالمواد الكيميائية والنفطية، وخصوصاً انبعاثات الكربون، وهذه تتطلب تقليلها بمشاريع تبدأ من تقليل الاعتماد على الوقود التقليدي في توليد الطاقة الكهربائية، ومواجهة هذا الخطر تتطلب إجراءات عملية وخططاً استراتيجية.
أين وصل ملف التخلص من بقايا مفاعل تموز النووي العراقي؟
تعرّض موقعان للقصف في منطقة التويثة جنوبي بغداد، الأول مفاعل تموز والثاني المفاعل الروسي، والأول نُظّف تماماً والثاني نحن على وشك طمره، ونسبة الإشعاع في داخله بالحد الطبيعي حالياً.

وماذا عن مشروع مقاضاة الاحتلال الإسرائيلي الذي كُشف عنه قبل سنوات؟
هناك قرار من مجلس الأمن بالرقم 487 أجاز للعراق طلب التعويض، لكن في زمن الرئيس السابق صدام حسين توقفت المطالبة والأسباب مجهولة. ومنذ عام 2012 هناك حراك وتم إعداد ملفات وحُدد فيها حجم الخسائر المادية العراقية، لكن لغاية الآن لا يوجد قرار حكومي بالذهاب نحو طلب التعويض، ونحن كفنيين وقع علينا دور إكمال الملف وإرساله إلى وزارة الخارجية لتتكفل بالموضوع. وهناك لجنة عليا في هذا الإطار وأنا عضو فيها ودرسنا الموضوع بشكل تفصيلي.
ما هو وضع البصرة البيئي والتلوث الإشعاعي فيها؟
في البصرة، جُمعت المواد الملوثة بسبب القصف الأميركي في الحرب 2003 داخل براميل وجرى التخلص منها، لكن ما حدث من تلوث جديد كان بسبب معمل للحديد والصلب في البصرة، فخلال عملية صهر الحديد (المستعمل) حدث احتراق لمصدر مشع هو "سيزيوم 37" وعلى إثره تلوث المعمل. تمت إزالة جميع المواد الملوثة ووضعها في براميل ونُقلت إلى خارج المكان.
ما حجم المساحة المُطهّرة من الملوثات الإشعاعية بعد الحرب 2003؟
طهّرنا محافظات بأكملها، وهي الديوانية والبصرة وميسان وذي قار والأنبار التي تمثل ثلث مساحة العراق، وإن ظهرت مصادر مشعة نتعامل معها بسرعة. عملنا يتم بأحدث التقنيات ولدينا عجلتان من نوع MDS تكشفان المصدر المشع على مسافة 200 متر ونجوب بهما جميع أنحاء العراق، خصوصاً المناطق الصناعية أو من خلال الإبلاغ عن احتمالية وجود مصادر مُشِعة، خصوصاً مواقع ما يسمى بـ"السكراب" أي الخردوات وبقايا السيارات ومخلّفات الحديد.
دوماً ما نسمع عن تفتيش وتدقيق على مواقع "السكراب" في العراق. ما السبب؟
نشدد على الصناعيين والمتعاملين مع "السكراب" بألا يستخدموه من دون فحص، ونحن مستعدون لفحصه مهما كانت كمياته. حدثت أكثر من مشكلة تم فيها تسجيل حالات تعرُّض للإشعاع بسبب هذا الأمر، خصوصاً أن "السكراب" يكون أحياناً في مناطق سكنية. ونجد في "السكراب" مواد فيها إشعاعات نووية، ولا سيما "الصاعقات القديمة"، والتعامل يكون بسرعة كبيرة مثل مناطق المصانع في محافظتي كركوك والبصرة، ويتم التعامل مع الموضوع بطرق حديثة حالياً.

جُمعت المواد الملوثة بسبب القصف الأميركي في 2003 على البصرة داخل براميل وجرى التخلّص منها

وجّهنا أكثر من خطاب إلى الوزارات المعنية، خصوصاً وزارة الصناعة، بشأن هذا الأمر، ونفضّل أن يكون جميع "سكراب" العراق تحت إدارة وزارة الصناعة ولدينا تعاون معها في هذا الجانب. وللأسف البعض منها يُباع في المزاد وتتسرب إلى الأهالي وتحدث إصابات بالسرطان جرائه.

كيف تُنقل المواد المشعة التي يتم التحرز عليها إلى أماكن آمنة؟
تشكّلت لجنة لتنفيذ قرار رقم 18 لسنة 2022 الخاص بإجلاء المواد الخطرة، واللجنة تبحث عن المواد المشعة والخطرة في الوزارات والموانئ. بالنسبة للموانئ تم تصنيفها إلى صنفين، الأول هو المواد الكيميائية وقد أتلفت من قبل دائرة إتلاف المواد الكيميائية، والمخلفات الحربية التابعة لوزارة العلوم والتكنولوجيا التي ألحقت بوزارة التعليم العالي، فيما تُنقل المواد النووية والمشعة إلى المخازن المسيطر عليها. وصراحةً لم نجد أي مواد نووية في الموانئ.
هل أفراد فرق المتخصصين بالتعامل مع المواد المشعة جميعهم عراقيون، وكيف يُدربون؟
نعم جميعهم عراقيون ودرجتهم العلمية تصل إلى بروفسور، ويُدرّبون على أعلى مستوى من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وسنوياً نرسل العشرات من كوادرنا لغرض التدريب وهم يتمتعون بكفاءة عالية وتتنوع تخصصاتهم ما بين فيزيائية وكيميائية ونووية.
قبل أشهر عقد مستشار الأمن القومي العراقي اجتماعاً لمناقشة ملف المصادر المشعة والمواد الخطرة، ما الأسباب التي استدعت عقد اجتماع رفيع المستوى كهذا؟
وردت معلومات عن استيراد 150 كيلوغراماً من اليورانيوم المنضّب، والاجتماع جرى للاستفسار عن كيفية استخدام هذه الكمية وهل ثمة مخاطر بسببها. أجبناهم بأن المستورد هو "يورانيوم 238"، وهذا نسبة إشعاعه قليلة جداً، ويُستخدم كمادة حجز في أجهزة "أكس راي" للفحوصات الطبية، وجلبنا 7 عبوات منه ووزنها يصل إلى 150 كيلوغراماً مجتمعة والمادة المشعة فيه عمرها لا يتجاوز الثلاثة أشهر وبعدها تتوقف فاعليتها وتُعاد إلى بلد المصدر، وانتهى الأمر.

لم نجد أي مواد نووية في الموانئ العراقية

ما هو التحدي الأكبر بيئياً الذي يواجه العراق اليوم بعد ملف الاشعاعات؟
انبعاثات الكربون هي التحدي الأكبر، الكربون هو كلمة السر في التغير المناخي وسببه المباشر، إذ إنه يرتفع لطبقات الجو ككتلة حارة، وهذه الكتلة تؤثر وتمنع تكوين السحب والأمطار. ويمتد الأمر إلى دول مجاورة كإيران وتركيا، وهو ناتج عن قلة المساحات الخضراء وشح المياه وحرق النفط عبر محطات توليد الطاقة الكهربائية. وعليه يجب التوجه لتوسيع المساحات المزروعة باستثمار المياه الجوفية، ولدينا نوعان منها، الأول نافع وهو المياه الجوفية الحلوة وتشكل 16 في المائة وهي غير متجددة، والثانية المالحة بنسبة 84 في المائة وهي متجددة.
هل تعوّلون على مشاريع الطاقة النظيفة التي يجرى الحديث عنها كبدائل؟
وقّع العراق 3 عقود في هذا المجال لتوليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية. الأول مع شركة توتال الفرنسية بطاقة 1000 ميغاوات ويمكن تنفيذه بأكثر من محطة. والثاني مع شركة مصدر الإماراتية لتنفيذ 3 محطات بطاقة 1000 ميغاوات. والثالث مع شركة باور تشاينا الصينية بقدرة 750 ميغاوات. وجميعها من المفترض أن تدخل الخدمة وتربط بالشبكة الوطنية عام 2025، وبتقديرنا أن الأفضل إجراء تعاقدات بهذا الحجم. اقترحنا بدايةً إنشاء محطة واحدة بطاقة 500 ميغاوات ونتابع عملها لمدة سنة لمعرفة مستوى الكفاءة، لأن الحرارة العالية في العراق تؤثر على استغلال الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء.

المساهمون