عام على حكومة السوداني... ماذا تحقق من منهاج الحكومة العراقية؟

27 أكتوبر 2023
السوداني في البصرة، مارس الماضي (حسين فالح/فرانس برس)
+ الخط -

مرّ عام كامل على منح الثقة لحكومة محمد شياع السوداني من خلال البرلمان العراقي، بعد انسحاب التيار الصدري من العمل السياسي ومنح القوى المناوئة له فرصة تشكيل الحكومة، كاحتجاج على منعه من تشكيل "حكومة الأغلبية" التي أراد منها تشكيل جبهتين سياسيتين كبيرتين، الأولى تتمثل بالحكومة والأخرى تتمثل بالمعارضة.

ويرى مراقبون وناشطون أن حكومة السوداني لم تتمكن من تنفيذ إجراءات حقيقية وملموسة على الأرض، خصوصاً بشأن السلاح المنفلت، وإعادة النازحين لمدنهم وقراهم مثل جرف الصخر والعوجة، والفساد المالي المستشري في البلاد، وإخراج الفصائل من المدن والأحياء السكنية، وتراجع قيمة الدينار مقابل الدولار.

واكتفى رئيس الوزراء بتطبيق إصلاحات متعلقة بتعبيد الطرق وتوظيف أعداد هائلة من العاطلين عن العمل في مؤسسات الدولة، مع ملء أكثر من 700 ألف وظيفة خلال الفترة الماضية، رغم تحذيرات خبراء الاقتصاد من خطورة ذلك على موازنة الدولة وحجم الترهل الوظيفي الكبير الذي أصاب القطاع الحكومي في البلاد.

عام على حكومة السوداني

السوداني قال في كلمة أعقبت التصويت على حكومته في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2022، إن "جائحة الفساد التي أصابت جميع مفاصل الحياة هي أكثر فتكاً من وباء كورونا، وكانت السبب وراء العديد من المشاكل الاقتصادية، وإضعاف هيبة الدولة وزيادة الفقر والبطالة وسوء الخدمات.

وعليه سيتضمن برنامجنا سياسات وإجراءات حازمةً لمكافحة هذه الجائحة". وشدّد على "بناء اقتصادٍ عراقي قوي قادرٍ على تحقيق التغيير النوعي في الخدمات، وخلق فرص عمل كثيرة ويفسح أبواب الاستثمار على مصراعيها، كما يُسهمُ بتقوية أُسسِ تعاون مع دول العالم، مبنيةٍ على مبدأ المصالح المشتركة والاحترام المتبادل للسيادة".


محمد الصيهود: الحكومة الحالية قد تكون من أنجح الحكومات

كما أشار السوداني في كلمته، إلى أن "هناك أهمية لإعادة النازحين إلى مناطق سكناهم بعـد استكمال متطلبات العودة، والاهتمام أيضاً بحقوق الإنسان وتمكين المرأة، والعمل على بدء حملات حصر السلاح المنفلت بيد الدولة، ومحاسبة المتورطين بقتل العراقيين سواءً في التظاهرات الشعبية أو خلال المشاكل الأمنية".

واتفق السوداني مع مجموع الأحزاب الذين اختاروا المشاركة في الانتخابات، إلى جانب تحالف "قوى الإطار التنسيقي" الحاكم، على ما عُرف بـ"البرنامج السياسي"، مع طرح كل حزب مطالبه، بما في ذلك مطالب الأحزاب السنية التي تلخصت بملفات النازحين والمغيبين والمدن منزوعة السكان، وتعويض المتضررين ومحاسبة المتسببين بسقوط مدنهم بيد تنظيم "داعش".

من جهتها طالبت الأحزاب الكردية، بتنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي، الخاصة بالإدارة المشتركة في المناطق المشتركة، بالإضافة إلى حل الإشكالات المالية بين بغداد وأربيل، فيما اشترطت الأحزاب الشيعية موافقة الأكراد على إقرار قانون النفط والغاز، إلا أن كل ذلك لم يحصل.

وتضمنت ورقة الاتفاق السياسي 23 فقرة، لم يظهر معظمها للعراقيين من جرّاء الخلافات والتنصل السياسي عن تطبيقها، ناهيك عن تراكمات الفشل والتدهور الاقتصادي والبنيوي الذي ورثته حكومة السوداني من الحكومات السابقة، مع توسع وازدياد آثار المشاكل الخاصة بالدولار، لحقتها مشكلة الجفاف وندرة المياه، وعدم القدرة على مواجهة المليشيات المسلحة التي أخفت سلاحها خلال الأشهر الماضية، لكنها أخرجته من المخازن أخيراً، وأقدمت على استهداف القواعد الأميركية كرد فعل على الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة.

في السياق، قال عضو تحالف "الإطار التنسيقي"، النائب محمد الصيهود، إن "الحكومة الحالية قد تكون من أنجح الحكومات التي تقدمت كثيراً بملف الخدمات، لا سيما أن ائتلاف إدارة الدولة الذي يدعم الحكومة، يؤكد دائماً أن حكومة السوداني هي حكومة خدمات"، مشيراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة تمكنت من تثبيت شريحة المحاضرين المجانيين وعددهم أكثر من 300 ألف محاضر، إضافة إلى إنجاز نحو 400 مدرسة، والاهتمام بشريحة الشباب عبر مبادرة (ريادة) للتنمية والتشغيل، فضلاً عن إجراءات إرسال خمسة آلاف مبتعث للحصول على شهادات عليا من جامعات عالمية رصينة".

وأضاف الصيهود أن "الحكومة الحالية أنهت مشكلة التعيينات في الدولة العراقية من خلال توفير مئات الآلاف من الدرجات الوظيفية في مختلف المجالات، بضمنهم حملة الشهادات العليا والخريجون الأوائل المشمولون، وكذلك أصحاب المهن الصحية والصيادلة والأطباء وغيرهم".

وأكد أن "الحكومة الحالية تمكنت من تثبيت الاستقرار الأمني من خلال دعم القوات الأمنية بكافة تشكيلاتها وتقوية الجهود الاستخبارية في المناطق الرخوة أمنياً".

من جهته، أشار عضو تحالف "الفتح" عائد الهلالي، إلى أن "حكومة السوداني مدعومة من جميع الأحزاب المشاركة في السلطة، بالتالي فإن هذه الأحزاب اتفقت على إنجاح هذه الحكومة في سبيل المضي نحو تحقيق مطالب الشعب العراقي، وهذا لا يعني عدم وجود مجاميع حزبية تمارس مضايقات للحكومة من أجل الحصول على مكاسب شخصية وسياسية، لكن إرادة السوداني قوية لحد الآن".

محيي الأنصاري: البرنامج الحكومي لم يختلف عن البرامج السابقة، بل إنه الأسوأ

ومضى الهلالي بالقول إن "العراقيين لاحظوا خلال الأشهر الماضية التطور في مستوى الخدمات المقدمة من الحكومة، ومنها الكهرباء وتقدم في قطاعات أخرى منها الصحة والتربية والطرق والمناطق الزراعية وإصدار قوانين وإجراءات خاصة بالمناطق العشوائية"، معتبراً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "عدم تنفيذ بعض بنود الاتفاق السياسي الخاصة بالأحزاب السنية والكردية، تحتاج إلى هدوء سياسي وإجراء حوارات عميقة، لا سيما أنها بنود ضخمة ومعقدة".

السوداني لم يحقق أي وعود

لكن رئيس "حراك البيت العراقي" محيي الأنصاري، وصف حكومة السوداني، بـ"شبه الحكومة"، كونها نتجت عن صفقة حكم "مشبوهة"، بحسب تعبيره. وقال لـ"العربي الجديد"، إن "السوداني لم يستطع أن يحقق أي وعود أغرق بها برنامجه الحكومي، كما أن البرنامج لم يختلف عن البرامج السابقة، بل إنه الأسوأ، بسبب زيادة التضخم الاقتصادي في البلاد الناجم عن السياسة الاقتصادية المضطربة واستمرار عمليات غسل الأموال وتهريب العملة، الذي أصبح في أوجّه وأثّر بشكل مباشر على الحياة اليومية للعراقيين".

وأكمل الأنصاري أن "السوداني أثبت أن مساحة تأثيره لا تتعدى منصب مدير عام، بحسب وصف أحد أبرز قادة الإطار التنسيقي الذي يتحكم بالحكومة الحالية بكافة مفاصلها وقرارتها، الأمر الذي ألقى بظلاله على السلوك الحكومي الأحادي الذي ذهب باتجاه التضييق على الحريات العامة والتي تراجعت في البلاد لأدنى المستويات".

وتطرق إلى "الإجراءات البوليسية والترهيبية التي تمارسها مجمل السلطات في التعاطي مع الحياة العامة في العراق، وأن مرور عام على حكومة السوداني، أظهرت التصدع داخلها، لأنها بنيت على أحلام وأماني صعبة التحقق، وهذا ما اتضح في الخلافات العميقة التي حصلت مع القوى السياسية السنية والكردية".

بدوره، رأى الإعلامي والمراقب للشأن السياسي العراقي علي الخيال، أن "السوداني شخصياً، كان ينتقد كثيراً من يسميهم بالعجائز المتحكمين بالسلطة، ورموز تحالف الإطار التنسيقي، ومبدأ المحاصصة الحزبية والطائفية المتحكم بالدولة العراقية، وكذلك ينتقد وصول شخصيات غير متمكنة إلى مناصب مهمة في الدولة، لكن كل ذلك حصل في ظل حكومة السوداني".

واعتبر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "أبرز القضايا التي كان لا بد من إكمال المضي بها خلال هذا العام، هي حادثة سرقة القرن التي اتهم فيها المدعو نور زهير (التي سُرقت فيها أموال الأمانات الضريبية)، لكنه الملف أغلق في ظروف غامضة".

واستكمل الخيال حديثه، مشيراً إلى أن هناك "ملفات أخرى أهملت في ظل هذه الحكومة، من بينها الكشف عن قتلة المتظاهرين والناشطين، وللأسف فإن ضباطاً متهمون بهذا الملف، بعضهم اعترفوا بجرائمهم، لكن الحكومة أقدمت على ترقيتهم، وهذا خلاف القانون وتستر واضح على القتلة، في حين أن ضابطا معروفا كشف مجموعة فرقة الموت في البصرة، لكن الحكومة كافأته بإعفائه من المنصب".

وكشف أن "صحافيي العراق سجلوا في هذا العام أكبر عدد من انتهاكات حقوق الرأي والتعبير ومنع تغطية المؤتمرات، ولا ننسى أنه في ظل حكومة السوداني قُتل صانع المحتوى (نور بي أم) وضاع ملف التحقيق بالقضية، إضافة إلى اغتيال الصحافي علي محمود".

المساهمون