سياسيون تونسيون ينددون بإيقاف معارضين: ممارسات غير مسبوقة لتكميم الأفواه

12 فبراير 2023
تعتيم على التهمة المنسوبة إلى الموقوفين (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

تتالت ردود الفعل في تونس بعد توقيف معارضين، منهم القيادي السابق في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي، والناشط السياسي بحزب التكتل خيام التركي، ورجل الأعمال كمال اللطيف، أمس السبت، ولا سيما لجهة الغموض والتعتيم على التهمة المنسوبة إليهم.

وفيما يتردد أن هذه التوقيفات بسبب شبهة الاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة والتآمر على أمن الدولة الداخلي وغيرها من التهم ذات العلاقة بأمن الدولة للبعض من الموقوفين على الأقل، أجمع المحامون على غموض هذه التوقيفات، في ظل عدم تمكنهم من لقاء موكليهم حتى كتابة هذه السطور، اليوم الأحد.

التوقيفات لا تخلو من الاستعراض

ورأى رئيس حزب التكتل، خليل الزاوية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هذه التوقيفات لا تخلو من استعراض، ودون أي توضيح من قبل السلطة".
 
وقال: "لا أحد يعلم لماذا تمت هذه التوقيفات"، مشيراً إلى أنها "شملت السياسي عبد الحميد الجلاصي والدبلوماسي السابق منصف عطية البالغ 80 عاماً، وأيضاً الناشط السياسي خيام التركي".

وتساءل الزاوية عن "أسباب التعتيم ومنع المحامين من الحضور، وهو ما يحصل في قضايا الإرهاب"، مبيناً أنه "لا يتصور أن هناك علاقة بين هذه الشخصيات والإرهاب، فسفير كمنصف عطية والجلاصي والتركي في أي إرهاب سيتورطون، وأغلبهم عرف بنشاطه السياسي والمدني؟".

ولفت إلى أن "هناك منعرجاً خطيراً في التعامل مع الوضع، حيث أصبحت تهمة التآمر على أمن الدولة تهمة سهلة، رغم أنها من أصعب التهم، فهي تعني مؤامرة ضد أمن الدولة، ومع ذلك لا تقدم السلطة أي توضيحات، وبالتالي هناك ريبة في ما يحصل".

وأمس السبت، أفادت جبهة الخلاص الوطني، في بيان، بأن "خيام التركي استدعي عدة مرات من قبل فرق أمنية في الآونة الأخيرة قصد استجوابه دون وجه قانوني حول مأدبة غداء نظمها في بيته على شرف عدد من المعارضين لانقلاب 25 يوليو/ تموز 2021".

ولاحظت جبهة الخلاص في بيانها أن "وكيل الجمهورية بالعاصمة، محمد المالكي، أخبر المحامين بعدم علمه بموضوع هذه القضية".

ممارسات غير مسبوقة

وأفاد عضو هيئة الدفاع عن الناشط السياسي خيام التركي، المحامي غازي الشواشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بأن "موكله أوقف عند الساعة الخامسة صباحاً، وحجز هاتفه وكأنه فارّ من العدالة في ممارسات غير مسبوقة".

وأردف أن "الإيقاف تمّ من أعوان بزيٍّ مدني، واقتيد إلى وجهة غير معلومة، وأنه باتصالهم بالنيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس وإلى حدود الواحدة بعد الظهر لا علم لها بالموضوع"، مشيراً إلى أن "لا معلومات لديها عن الجهة التي أوقفته والأسباب والقضية والتهمة الموجهة ضده".

ولفت الشواشي إلى أنه "أثيرَت تسريبات أنه موجود لدى فرقة القرجاني في قضية تتعلق بالتآمر على أمن الدولة، وبعد السؤال تم تأكيد وجوده ولكنهم منعوا من الاتصال به، وطُلب منهم الانتظار، وإلى غاية اليوم ينتظرون دون معرفة أي شيء".

وقال إنه "يبدو من خلال تزامن التوقيفات أنهم في القضية ذاتها، ولكن لا تأكيد لذلك".

وأشار المتحدث، في هذا الإطار إلى أنه "يتم الآن استعمال قانون الإرهاب لأنه يمنح لفرق الأبحاث 48 ساعة لعدم تمكين المحامين من زيارة الموقوف"، مضيفاً أنه "بحسب محامي رجل الأعمال كمال اللطيف، لم يتمكنوا أيضاً من زيارته، وكذلك الأمر ذاته لأشخاص آخرين أوقفوا في اليوم ذاته".

غير أنه رجح أن "تكون القضايا مختلفة، خاصة في ما يتعلق بخيام التركي وكمال اللطيف، لأن لا علاقة بين الرجلين ولا معرفة ولا صداقة"، مبيناً أن "اليوم هو يوم أحد، أي عطلة، ولا يمكنهم فعل شيء، ولذلك سينتظرون غداً الاثنين للاتصال بالنيابة العمومية، علّها تمدهم بمعطيات".

وأردف قائلاً: "الثابت أن التوقيفات التي تحصل هي دون علم القضاء، وأغلبها عشوائية، فالتركي لا علاقة له بالتآمر على أمن الدولة، ولم يتحمل مسؤولية في الدولة، لكنه معارض وبوجه مكشوف للنظام، وحاضر في عدة مسيرات وندوات، وربما يعاقب لأنه معارض".

وحول صحة الاجتماع الذي ضم عدة وجوه من المعارضة وحصل في بيت التركي، أفاد الشواشي بأن "هناك تسريبات لعدة شخصيات، من بينهم اسمه هو شخصياً، ومن حق المعارضة الاجتماع، وسبق أن اجتمعت في عدة فضاءات وأماكن".

وأضاف أن "من حقهم الاجتماع والتظاهر والتعبير، وهذا الحق لم يمنحه الرئيس قيس سعيّد، بل مكسب من مكاسب الثورة، وتضحيات الجرحى وما قدمه الشهداء وبعد تراكمات لعدة أجيال، ولا أحد بإمكانه انتزاع حقهم في المعارضة والتظاهر، لأنه حق دستوري وقانوني، ولا يوجد أي نص قانوني يجرّم لقاء واجتماع المعارضة".

وأشار إلى أن "التآمر على أمن الدولة أصبح تهمة تتواتر في عهد قيس سعيّد، وكل من يخالفه الرأي أو يعارضه، وهو ما حصل مع النواب في جلسة 30 مارس/ آذار عن بعد، حيث اتهموا بالتآمر وأغلب خطبه عن التآمر والتخوين".

وتابع: "رغم ذلك لم تثبت هذه التهمة على أي طرف، وأغلب هذه القضايا ملفقة ومفبركة، والغاية منها الترهيب وتخوين المعارضة".

تكميم أفواه المعارضين

وكان الحزب الجمهوري قد قال في بيان، أمس السبت، إن "اعتقال الناشط السياسي خيام التركي يأتي في ظرف تشتد فيه الأزمة السياسية والاقتصادية والمالية الخانقة التي لم تجد سلطة الأمر الواقع من سبيل لمواجهتها سوى التضييق على الحقوق والحريات وتوسيع دائرة استهداف المعارضين والنشطاء في محاولة الضغط عليهم وإسكات أصواتهم".

وعبّر الجمهوري عن "إدانته لحملة الاعتقالات وتضامنه مع خيام التركي"، مطالباً بإطلاق سراحه فوراً.

ودعا كل "القوى الديمقراطية والوطنية إلى رفع صوتها عالياً وتوحيد جهودها السياسية والميدانية لوقف هذا النزف الخطر وفتح طريق جدي أمام تونس والتونسيين يقوم على الحوار الجامع للخروج من هذه الأزمة وتأمين العودة إلى المسار الديمقراطي".

في الشأن، أكد الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، أن "هذه التوقيفات تنمّ عن حالة ضعف وتخبط من طرف السلطة نتيجة فشلها على كل الأصعدة الداخلية والخارجية، واستفحال الأزمة، وعزوف التونسيين عن الانخراط في المشروع السياسي".

وبيّن في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "السلطة عوض العمل على البحث عن حلول، فإنها تحاول تكميم أفواه معارضيها، واستعمال الوسائل الاستبدادية لذلك والتحريض عليهم. وهذا لن يغيّر من الأزمة بل سيعمقها".

وأوضح الشابي أن "هذه التوقيفات حصلت بعد يوم من بيان رئاسة الجمهورية لا يخلو من تحريض على المعارضين".

واعتبر أن "عنوان هذه الإيقاف سياسي، وهو محاولة لترهيب المعارضين، وهذا لن ينجح بعد الثورة، ولكن للأسف تونس مقبلة على أيام عصيبة بعد إعلان سعيّد معركته ضد الديمقراطية وضد الدستور وضد التعددية الحزبية والإعلام وضد النقابيين واتحاد الشغل".

ولفت المتحدث في المقابل إلى أن "السلطة في عزلة وليست المعارضة التي تتسع من أحزاب وحقوقيين وقضاة ومجتمع مدني بعد أن فتحت السلطة مواجهات معها".

وأشار إلى أن "الوضع لا يمكن أن يستمر، ولا بد من تكثيف الجهود لإنقاذ تونس ووضعها على سكة الإصلاح الديمقراطي".

وأردف قائلاً: "من غير المعقول أن يتحول المواطن إلى متهم، إلى أن يثبت براءته، وللأسف هناك محاولات لتجييش ما بقي من أنصار المسار، وهناك فرحة بقرارات سلب الحرية من الخصوم وسط حملات من السلخ الفيسبوكي".

وكشف أنه "تم الترويج لإيقافه هو شخصياً، فإدارة الدولة تتمّ بالسحل من طريق شبكات التواصل الاجتماعي".

وحول الرابط بين جلّ هذه التوقيفات، قال إن "العلاقة الوحيدة بينها هي الأزمة والتخبط والعشوائية فلا علاقة بين الموقوفين ولا رابط سوى استهداف المعارضين".

هروب إلى الأمام

من جهته، اعتبر المتحدث الرسمي باسم حركة النهضة عماد الخميري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "ما حصل مجرد هروب إلى الأمام من سلطة الانقلاب بدل مواجهة الواقع والأزمة التي تسبب فيها، وهي محاولة للتغطية على كل الملفات التي فشلت السلطة في إدارتها، سواء من خلال الاستشارة والاستفتاء أو الانتخابات".

وأوضح أنه "مع تعقد الأزمة الاجتماعية والاقتصادية في تونس فإن الهروب للأمام واستهداف الساحة السياسية ومكوناتها، وأداة من أجل إخافة التونسيين وصرف الأنظار عن المشاكل".

وأكد الخميري أن "هذه السياسة فاشلة لأنه سبق أن جربتها الأنظمة الاستبدادية ولم تكن ناجعة، ولم تقد إلى أي حل، بل قادت إلى مزيد من التأزم".

وحول إيقاف الجلاصي، قال إن "التوقيف لم يفاجئهم، لأنه منتظر استهداف كل صوت معارض للانقلاب"، مبيناً أن "عديد من الأصوات يتم الزج بها وكل من يعارض الانقلاب مستهدف".

وقال إنه "لو كان هناك ملف قضائي لأمكن الحديث عن رابط بين التوقيفات، ولكن ما يحصل لا علاقة له بالقضاء ولا بالعدالة".

وأشار إلى أن "هذه التوقيفات لها علاقة بالسياسة وإدارة السياسة بطرق أخرى بدل استماع السلطة إلى معارضيها وإلى صوت العقل، وهي تتهم المعارضة بالخيانة وبالاعتداء على أمن الدولة وهي تهمة قديمة بالية اعتادتها الأنظمة التي لا ترى في المعارضة سوى استهداف لمؤسسات الدولة رغم أنها جزء من الدولة ومدنية وسلمية وهي أحرص على حماية مؤسسات الدولة وكيانها من السقوط".

ولا تعتبر هذه التوقيفات الأولى، فقد تعهّد التحقيق العسكري بملاحقة نوّاب ائتلاف الكرامة في ما يعرف بقضية "المطار" التي أوقف على خلفيتها المحامي سيف الدين مخلوف وحكمت المحكمة العسكرية الجمعة بسجنه 7 أشهر في جلسة قاطعتها هيئة الدفاع ووصفتها بغير القانونية.

كذلك أثيرت عدة أبحاث بحقّ النائب السابق ورئيس حزب أمل وعمل ياسين العياري، وكذلك الصحافي عامر عيّاد، المتعلّقة بتصريحات وتدوينات تنتقد السلطة.

ومثلت عضو جبهة الخلاص والمعارضة شيماء عيسى أمام المحكمة الابتدائية العسكرية، أخيراً، بسبب تصريح إذاعي لها، اتهمت خلاله بتحريض العسكريين على عدم إطاعة الأمر، وإتيان أمر موحش ضد رئيس الدولة، وترويج ونشر أخبار وإشاعات كاذبة عبر الشبكات وأنظمة المعلومات والاتصال، بهدف الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني. وتقرّر الإبقاء عليها بحالة سراح.

كذلك، خضع الأمين العام السابق للتيار الديمقراطي غازي الشواشي للتحقيق في المحكمة الابتدائية ببن عروس، بسبب تصريح إذاعي، وتقرر الإبقاء عليه بحالة سراح أيضاً.

إيقاف قاضٍ معزول ورئيس سابق لمحكمة التعقيب 

على صعيد آخر، تمّ مساء اليوم الأحد، إيقاف القاضي المعزول ووكيل الجمهورية سابقاً، بشير العكرمي، إلى جانب الرئيس الأوّل الأسبق لمحكمة التعقيب، القاضي المُعفى، الطيّب راشد.

وأكد رئيس جمعية القضاة الشبان مراد المسعودي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن عائلة العكرمي، فورعودتها إلى المنزل، فوجئت بغيابه وببعثرة محتويات البيت.

وأضاف أن "العائلة لا تعلم شيئاً عن الجهة التي اقتادته إلى وجهة غير معلومة"، موضحاً أن هذا الإجراء تتخذه النيابة العمومية عادة، ولكن لا مبرر لذلك، خاصة أن لديه قضية تحقيقية منشورة وقد تمسك بالحصانة ولم يتم سماعه، ولا يمكن إيقاف شخص لم يتم سماعه".

وأضاف المسعودي أن "هذا الإجراء غير قانوني ويمس بمبدأ العدالة، وكأننا في قانون الغاب"، مؤكداً أن "العكرمي تم الزج به في قضية القياديين اليساريين، شكري بلعيد ومحمد البراهمي، رغم أنه قام بالإجراءات المطلوبة منه".

وكان مجلس القضاء العدلي قد أصدر في 13 يوليو/ تموز 2021 قراراً يقضي بإيقاف القاضي بشير العكرمي عن العمل وإحالة ملفّه على النيابة العمومية حيث كُلف العكرمي بصفته قاضي التحقيق في جريمة اغتيال السياسيين المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي منذ 2013، قبل أن يتولى سنة 2016 منصب وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية.

ولكن إثر شروع هيئة الدّفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمّد البراهمي في نشر تقرير تفقّدية وزارة العدل المتعلّق بالشكايات الواردة من رئيس محكمة التعقيب ووكيل الجمهورية السابق بشير العكرمي، تم النظر في شبهات جرائم فساد مالي وتستّر على الإرهاب.

وتم اليوم الأحد إيقاف الرئيس الأوّل الأسبق لمحكمة التعقيب والقاضي المُعفى الطيّب راشد، الذي يواجه تتبّعات قضائية ضدّه لدى القطب القضائي المالي بخصوص ملف يتعلّق بشبهات فساد مالي.