خلايا "داعش" تضرب مجدداً في البادية السورية

خلايا "داعش" تضرب مجدداً في البادية السورية

03 يناير 2024
عنصر لقوات النظام بريف حمص بتخوم البادية، 2017 (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

شنّت خلايا تنظيم "داعش"، في أول أيام العام الجديد، هجوماً واسعاً على قوات النظام السوري في بادية دير الزور في الشرق السوري، في رسالة واضحة مفادها أن التنظيم لا يزال المتحكم الفعلي بهذه البادية مترامية الأطراف، وأنه قادر على توجيه الضربات في الزمان الذي يحدده.

هجوم لـ"داعش" في البادية السورية

وذكرت شبكات إخبارية محلية أن خلايا "داعش" التي نفًذت الهجوم، أول من أمس الاثنين، انسحبت مساء الاثنين من المواقع التي سيطرت عليها، بعد اشتباكات مع قوات النظام في بادية بلدتيّ التبني ومعدان بريف دير الزور الغربي، مؤكدة مقتل وإصابة العشرات من عناصر هذه القوات، ومشيرة إلى أن التنظيم استولى على سيارة (كيا) مثبَّت عليها مدفع 57 ملليمترا، مع ذخيرته، ودمّر 3 سيارات عسكرية رباعية الدفع (بيك آب).

وبيّنت شبكة "نهر ميديا"، أن الهجوم استهدف عدة نقاط عسكرية للفرقة 17 التابعة لقوات النظام، مشيرة إلى أن الأخيرة دفعت بتعزيزات عسكرية من قرى وبلدات ريف دير الزور الغربي، إلى محاور الاشتباك.

فراس علاوي: هناك تغيير على مستوى قيادات "داعش"، والتي ربما تود إثبات قدرتها وفاعليتها

من جهته، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن الهجوم المباغت الذي شنّه "داعش" من عمق البادية السورية، على مواقع وتجمعات قوات النظام ومليشيا الدفاع الوطني، في بادية التبني، أسفر عن مقتل 9 من قوات النظام وعناصر هذه المليشيا التي تضم مسلحين محليين، وإصابة أكثر من 20 آخرين. وبحسب المرصد، أسفرت الاشتباكات عن مقتل أحد حراس قوافل النفط من مليشيا "القاطرجي" (مليشيا محلية تحمي قوافل النفط المهرب من شمال شرق سورية)، وإصابة 3 آخرين.

وما تزال خلايا "داعش" تنشط في البادية السورية مترامية الأطراف، حيث تشن بين وقت وآخر هجمات مباغتة على قوات النظام والمليشيات الإيرانية والمحلية التي تساندها في أرياف دير الزور والرقة وحمص. ويُعتقد بأن خلايا التنظيم تتخذ من الهضاب والجبال في البادية أماكن تخفٍ وتمركز وتنطلق منها لشنّ الهجمات بين وقت وآخر والتي تصل أحياناً إلى أطراف دير الزور.

وتؤكد المعطيات والوقائع الميدانية، أن "داعش" هو المتحكم الفعلي في البادية السورية، خصوصاً في الليل، وهو القادر على توجيه ضربات لقوات النظام والمليشيات التي تساندها في المكان والزمان الذي يحدده. وكان "داعش" لجأ إلى البادية مع اشتداد الهجمات عليه في سورية والعراق، والتي انتهت مطلع عام 2019، مع السيطرة على جيب الباغوز في ريف ديرالزور الشرقي آخر معقل للتنظيم، من قبل "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) بدعم واسع من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

ويستغل التنظيم تقلبات الطقس في الشتاء لشنّ هجمات على قوات النظام التي حاولت في عديد من المرات خلال السنوات الماضية، الحد من هذه الهجمات من خلال حملات متلاحقة إلا أنها فشلت.

البادية السورية... منطقة نفوذ لـ"داعش"

وقال مدير مركز "الشرق نيوز"، فراس علاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن هناك تغييراً على مستوى القيادات في تنظيم "داعش"، مضيفاً أنه "ربما تود هذه القيادات إثبات قدرتها وفاعليتها من خلال شنّ هجمات واسعة على قوات النظام والمليشيات التي تساندها خصوصاً في بادية دير الزور الواسعة".

وبيّن علاوي أن هذه البادية "منطقة نفوذ للتنظيم ما يعني أن الروس والإيرانيين غير قادرين على إنهاء وجوده"، موضحاً أن التنظيم "يشن هجمات عبر عدد قليل من العناصر بأسلحة فردية ومتوسطة يستقلون دراجات نارية، يسيطرون على الهدف لمدة قصيرة ويكسبون أسلحة وذخائر، ثم ينسحبون".

من جهته، رأى المحلل العسكري رشيد حوراني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "تنظيم داعش استغل تعزيز المليشيات الإيرانية لوجودها في الجنوب السوري وما نجم عنه من فراغ مؤقت في شرق سورية لتنفيذ عمليات ضد قوات النظام في البادية السورية".

رشيد حوراني: داعش استغل تعزيز المليشيات الإيرانية لوجودها في الجنوب السوري وما تركه من فراغ

وتعتبر البادية السورية نطاق عمل ونشاط للجانب الروسي، ولم يسبق لطيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة أن شنّ أي عملية فيها، على الرغم من أنه يتمركز في قاعدة التنف التي تتوسط بوادي سورية والعراق والأردن. ويشن الطيران الروسي أحياناً هجمات على خلايا التنظيم إلا أنه لم يستطع الحيلولة دون نشاط التنظيم الذي ينشط في محيط الطرق التي تستخدمها قوات النظام والمليشيات الإيرانية التي تتخذ من مدينة تدمر مركزاً رئيسياً لها في قلب البادية، حيث تتمركز وحدات من مليشيات عدة منها "فاطميون" و"زينبيون".

وتشكّل البادية نحو نصف مساحة سورية، وتمتد من ريف السويداء وريف دمشق وريفي حماة وحمص غرباً إلى الحدود السورية العراقية شرقاً، ومن الحدود السورية الأردنية جنوباً إلى أطراف محافظتي الرقة ودير الزور شمالاً. وتقع مساحة من البادية تُعرف باسم منطقة الـ55 تحت سيطرة فصائل تابعة للمعارضة، تتلقى دعماً من التحالف الدولي الذي يتخذ من منطقة التنف على الحدود السورية العراقية قاعدة له. ويمنع التحالف الدولي أي قوات غير صديقة من الاقتراب من القاعدة بعمق 55 كيلومتراً، من أجل حمايتها من أي هجمات يمكن أن تشنها مليشيات إيرانية أو فلول "داعش".

وتعد البادية مهمة لجميع الأطراف الفاعلة، كونها تضم العديد من حقول وآبار الغاز، منها حقل الشاعر، وهو أكبر حقل للغاز في البلاد، واستعادته قوات النظام من تنظيم "داعش" في عام 2017. كما تضم البادية السورية حقول فوسفات، تعد ثروة لا تقل أهمية عن الغاز، وقد وضعت روسيا يدها عليها في عام 2018 عبر اتفاقية مع حكومة النظام السوري. وتعتبر البادية السورية ذات أهمية فائقة للجانب الإيراني أيضاً، كونها تقع في منتصف الممر البرّي الآتي من إيران مروراً بالعراق وسورية وصولاً إلى لبنان.

المساهمون