تونس: العدالة الانتقالية تستجوب مسؤولين من نظام بن علي

18 ابريل 2022
لا تزال الاتهامات تواجه بالإنكار (Getty)
+ الخط -

نظرت الدائرة الجنائية المتخصصة في قضايا العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية في تونس، اليوم الإثنين، في ملف شهداء وجرحى الثورة أيام 12 و13 و14 يناير/كانون الثاني 2011 بتونس العاصمة.

وتمت دعوة قيادات أمنية ورموز من نظام بن علي حينها، وتوجيه لائحة من الاتهامات لهم. 

وشهدت جلسة اليوم حضور مدير الأمن الرئاسي علي السرياطي، وآخر وزير داخلية في حكم بن علي، أحمد فريعة، وعدة قيادات أمنية، كمدير عام الأمن العمومي لطفي الزواري، ومدير عام الأمن الوطني عادي التويري، ومتفقد عام وزارة الداخلية محمد الزيتوني، ولم يحضر المنسوب له الانتهاك مدير عام وحدات التدخل، جلال بودريقة.

وبحسب لائحة الاتّهام التي تمّت تلاوتها من قبل الدائرة الجنائية المتخصّصة في العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بتونس، فقد تم التأكيد على مقتل 132 مدنيا بعد إطلاق الرصاص عليهم أيّام الثورة في 12 و13 و14 يناير 2011.

وقال مدير عام الأمن الوطني عادل التويري، خلال تقديم إفادته أمام المحكمة اليوم، إنه شغل خطة مدير عام للأمن الوطني، وكانت مهمّته تتمثّل في التنسيق بين مختلف الإدارات العامّة، وخاصة الإدارة العامّة للأمن العمومي والمصالح المختصّة والمصالح الفنيّة والمصالح المشتركة ووحدات التدخّل والتفقديّة العامّة، مضيفا أنه يوم 14 يناير/كانون الثاني 2011، وبتعليمات من الرئيس المخلوع بن علي،  تولّى الجيش زمام الأمور وذلك تحت إشراف رئيس أركان جيش البرّ، رشيد عمّار.

وأضاف التويري أنه بناءً على التعليمات الجديدة فلم يعد بإمكانه، كمدير عام للأمن الوطني، فتح تحقيقات ومتابعة أسباب سقوط القتلى خلال الأيّام الأولى من الثورة.

ولفت إلى أنه تقابل مع بن علي وكان مرفوقا بآمر الحرس الوطني محمّد أمين العابد، ووزير الداخلية رفيق الحاج قاسم، حيث لم تدم المقابلة أكثر من 15 دقيقة، وأعلمهم بأنّه سيجري حركة في سِلك السفراء، وتناول اللقاء أيضا موضوع الشباب العاطل عن العمل والبطالة، مؤكدا أن "اللقاء لم يتطرّق إلى موضوع العُمَد ودفع الرشاوى خلافا لما ورد في لائحة الاتّهام".

وبيّن أنه بالنسبة إلى اجتماع 9 يناير 2011، والذي كان ضمن خلية الأزمة بوزارة الداخلية، فقد حضرت عدة قيادات ومن أعلى مستوى، وهم وزير الداخلية أحمد فريعة، ووزير الدفاع رضا قريرة، والأمين العام للتجمّع محمّد الغرياني، وآمر الحرس الوطني محمّد أمين العابد، والمتفقّد العام للحرس الوطني، ورئيس أركان جيش البحر، ورئيس أركان جيش الطيران حينها.

وأفاد أنه ليس له أيّ علاقة مباشرة بالأمنيين على الميدان، وأنّ سقوط قتلى كان نتيجة أعمال فرديّة بسبب تحوّل المظاهرات، التي تكون في البداية سلميّة، وقد تتحوّل في ما بعد إلى احتجاجات عنيفة، موضحا أنّ إطلاق الرصاص الحيّ قد يكون صادرا عن مجموعات إرهابية، مضيفا أن الاجتماع ضبط خطّة عمل لمواجهة تصاعد نسق المظاهرات والتنسيق في ما يتعلّق بالانتشار الأمني والعسكري وتأطير التجمّع حينها للشباب وذلك خلال الاحتجاجات.

من المعطيات الجديدة والهامة ما كشفه مدير الأمن الوطني عادل التويري حول مكالمة وزيرة الخارجية الفرنسية لمحمد الغنوشي ليلة 14 يناير

وأشار إلى أن مدير الأمن الرئاسي، علي السرياطي، اقترح في الاجتماع تغيير لباس الأمنيين بلباس الحرس الوطني والذي يشبه بدرجة كبيرة لباس الجيش الوطني للحد من منسوب التوتّر، وخاصة من قبل المواطنين، تجاه الأمن، ولكنّ رئيس أركان البر رشيد عمّار رفض ذلك.

ونفى التويري ما نسب إليه من القتل العمد ومحاولة القتل العمد. 

وكشف التويري أن الوزير الأول، محمد الغنوشي، تلقى اتصالا من قبل وزيرة الخارجية الفرنسية عبر مكالمة هاتفية حوالى الساعة العاشرة ليلا، وذلك يوم 14 يناير 2011، مبينا أن مكالمة محمد الغنّوشي مع وزيرة الخارجية الفرنسية ميشال آليو ماري دامت ما بين 4 أو 5 دقائق، وأن محمد الغنّوشي أمر المديرين العامين في وزارة الداخلية بالمغادرة وبقي في مكتب وزير الداخلية، مع وزير الداخلية أحمد فريعة ووزير الدفاع رضا قريرة، ورئيس أركان جيش البر رشيد عمّار، ومدير المخابرات العسكريّة أحمد شابير.

وقال وزير الداخلية في عهد بن علي أحمد فريعة إنّه تلقّى التعليمات عبر الهاتف من بن علي مباشرة، في ما يتعلّق بتكليف رشيد عمّار بالإشراف على القاعة المركزيّة في وزارة الداخلية والتنسيق بين قوّات الأمن والجيش الوطني، مضيفا أن بن علي أعلمه بأنّ رشيد عمّار سيتولّى التنسيق في العمليّات الجارية والإشراف على قاعة العمليّات المركزيّة بوزارة الداخلية.

وأكد المحامي عبد الرؤوف العيادي، مباشرة بعد خروجه من قاعة الجلسة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هناك تغيرا في نسق حضور المنسوب لهم الانتهاك ورموز نظام بن علي"، مبينا أن "هذا الأمر إيجابي لكي تأخذ العدالة الانتقالية مجراها بعد سنوات من التعطيل"، مشيرا إلى أن "من المعطيات الجديدة والهامة ما كشفه مدير الأمن الوطني عادل التويري حول مكالمة وزيرة الخارجية الفرنسية لمحمد الغنوشي ليلة 14 يناير، وهو ما يبرز المتابعة الفرنسية لما كان يحصل في تونس في ذلك اليوم، ولكن لم يتم الكشف عن كل شيء فهناك تكتم على بعض التفاصيل".

وبين أن "البعض يدعي عدم تذكر بعض التفاصيل، وهذا مجانب للحقيقة، وتملص من كشف مزيد المعطيات".

وقال أحد متابعي الجلسة، والمهتم بملف العدالة الانتقالية، والنائب السابق بالمجلس الوطني التأسيسي عن حركة النهضة، نجيب مراد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "حضور قيادات أمنية وعدد من المنسوب لهم الانتهاك مهم جدا مقارنة بالجلسات السابقة، ويعود ذلك إلى بطاقات الجلب الصادرة من القضاء والتأمين على الأملاك، الأمر الذي أجبرهم على الحضور، والمهم ليس العقاب والأحكام التي ستسلط بقدر كشف حقيقة ما حصل وتحقيق العدالة وإعادة كتابة التاريخ".

وأضاف أن "الجديد والمهم بالنسبة إليه في جلسة اليوم هو الحديث عن اتصال وزيرة الخارجية الفرنسية، فرغم أن المكالمة ليلا تبدو مريبة ولم يتم الكشف عن محتواها، ولكن قد تكون هناك توصيات فرنسية لمحمد الغنوشي". 

وطلب محامو المنسوب لهم الانتهاك التأخير لمزيد من الاطلاع على ملف القضية وإعداد وسائل الدفاع اللازمة، وقررت المحكمة تأجيل الجلسة إلى 7 يوليو/تموز القادم.