تايوان... حسابات أميركية وصينية دقيقة لتفادي مغامرة عسكرية

تايوان... حسابات أميركية وصينية دقيقة لتفادي مغامرة عسكرية

22 يوليو 2022
لم ينف مكتب بيلوسي أو يؤكد إمكانية زيارتها لتايوان (Getty)
+ الخط -

اعتبرت الاستخبارات الأميركية، أول من أمس الأربعاء، أن الصين لا تزال عازمة على غزو تايوان، التي تعتبرها جزءاً من أراضيها، لكنها أعادت حساباتها حول توقيت الغزو، بسبب الفشل الاستراتيجي للمغامرة الروسية في أوكرانيا. وجاء هذا التقييم، على لسان مدير وكالة الاستخبارات المركزية "سي أي إيه"، وليامز بيرنز، فيما تتركز الأنظار على مضيق تايوان، الذي يحدّد إلى حدّ بعيد مستقبل العلاقات الأميركية الصينية، وما إذا كانت ستظل في إطار المنافسة الاستراتيجية المحمومة، أم ستنتقل إلى مراحل أكثر خطورة، وصولاً إلى الحرب الباردة والقاسية، وحتى المواجهة العسكرية المباشرة.

وأصبحت المسألة التايوانية في قلب التوتر الأميركي الصيني خلال الأشهر الماضية، مع تصاعد التحركات الصينية العسكرية، لا سيما الجوية، التي تعتبر مهدّدة لتايوان، والاستعراضات المتزايدة للبحرية الأميركية في مضيق تايوان، للتأكيد على "دولية" مياهه، وهو ما تعتبره الصين تهديداً لأمنها وسيادتها.

في غضون ذلك، يترقب الطرفان، الأميركي والصيني، كلّ من جهته، تطور مواقف وتحركات الطرف الآخر، منها نوعية الأسلحة التي توردها الولايات المتحدة لتايوان، والتبدلات التي تطرأ على التزام واشنطن بسياسة الصين الواحدة، وطبيعة التحالفات في المنطقة، فيما يسعى الرئيس الأميركي جو بايدن، حتى اللحظة، إلى التمسك بخط تواصل مع الصين، ورئيسها شي جين بينغ، الذي يحتاج إلى تعاونه في المسألة الروسية.

تايوان... تحذيرات أميركية صينية وتصعيد في المضيق

ولم يعد يمضي يوم تقريباً، منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي، من دون أن تشتعل جبهة مضيق تايوان بالتصريحات والتحذيرات، التي تصدر بالتناوب، بين بكين وتايبيه وواشنطن، بعدما أعاد الغزو الروسي تسليط الضوء على وضع الجزيرة التي يتعهد الحزب الشيوعي الحاكم في بكين باستعادتها، فيما تكثف الولايات المتحدة رفدها بالسلاح.

اعتبرت "سي آي إيه" أن الصين أعادت حساباتها بشأن غزو الجزيرة بعد الفشل الروسي في أوكرانيا

وأبدى الغرب، وخصوصاً واشنطن، مع بداية الاجتياح الروسي لأوكرانيا، خشيته من أن يكون الغزو قد فتح شهية الصين على غزو مماثل للجزيرة، لكن مع تقدم الحرب الروسية، من دون أي انتصار واضح لموسكو، أعاد الأميركيون تقييم الوضع في مضيق تايوان. وبحسب "سي آي إيه"، فإن الصين أعادت حساباتها بشأن الجزيرة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الحرب الروسية لم تنل من عزم الصين على غزو تايوان، بل جعلت بكين تفكّر أكثر في التوقيت.

وأكد بيرنز أمس، في كلمة له خلال "منتدى آسبن الأمني" في ولاية كولورادو في الغرب الأميركي، أن الدروس التي استقتها الصين من غزو روسيا لأوكرانيا لم تنل من عزمها على غزو تايوان، بل جعلتها تعيد حساباتها بشأن "متى" و"كيف" ستفعل ذلك. وقال بيرنز: "يبدو لنا أن الحرب (الروسية) لا تؤثّر حقّاً في مسألة ما إذا كانت القيادة الصينية قد تختار استخدام القوة ضد تايوان في السنوات القليلة المقبلة، بل متى وكيف ستفعل ذلك".

وقلّل المسؤول الأميركي من شأن التكهنات التي ترجّح إمكانية أن يتخذ الرئيس الصيني قراراً بغزو تايوان في وقت لاحق من هذا العام، وتحديداً بعد اجتماع مهم للحزب الشيوعي الصيني. لكن بيرنز اعتبر أن "مثل هذه المخاطر تتزايد مع  اقتراب هذا العقد من نهايته". ورجّح الدبلوماسي الأميركي السابق، أن تكون بكين "منزعجة" من المسار الذي سلكته الحرب في أوكرانيا، واصفاً غزو روسيا لهذا البلد بأنه "فشل استراتيجي" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي اعتقد أنّ بإمكان قواته أن تنتصر على كييف في غضون أسبوع واحد.

وبالنسبة لبيرنز، فإن أحد الدروس التي استخلصتها بكين من ذلك هو أنه "لا يمكنك أن تحقق انتصارات سريعة وحاسمة"، إذا لم تُلق بثقل عسكري كافٍ في المعركة. وأعرب عن اعتقاده بأن "الدرس الذي يتعلمه القادة والعسكريون الصينيون هو ضرورة حشد قوة مهيمنة كثيراً" لتحقيق الانتصار. كما شدّد على أهمية "السيطرة على الفضاء المعلوماتي" والاستعداد لعقوبات اقتصادية محتملة. وعلى غرار مسؤولين أميركيين آخرين، أكد بيرنز أن الصين، وإن كانت تدعم روسيا لفظياً، فهي لا تقدم لها دعماً عسكرياً في حربها في أوكرانيا.

وجاء كلام بيرنز، أمس، فيما كان السفير الصيني لدى الولايات المتحدة تشين غانغ، قد أكد خلال المنتدى الأمني نفسه، أن بلاده "لا تزال تدعم عملية سلمية لإعادة توحيد" الجزيرة مع الصيني. وأضاف غانغ: "لا نزاع، لا حرب: هذا هو أهم اتفاق بين الصين والولايات المتحدة"، مبدياً في الوقت ذاته أسفه لأن الولايات المتحدة "تتراجع" تدريجياً عن سياستها القائمة على الاعتراف بدولة صينية واحدة تمثلها بكين. وشدّد السفير الصيني على أنه "فقط من خلال الالتزام الصارم بسياسة صين واحدة، والوقوف معاً صفاً واحداً في رفض استقلال تايوان، يمكن أن نصل إلى إعادة توحيد سلمية".

وتراقب الصين تطور الموقف الأميركي من الجزيرة، الذي تعتبره استفزازياً، بالتوازي مع ارتفاع وتيرة التحركات العسكرية الأميركية في المنطقة المائية التي ترفض الصين اعتبارها مياهاً دولية. ويوم الثلاثاء الماضي، أعلنت البحرية الأميركية أن المدمرة "يو إس إس بينفولد" أبحرت عبر مضيق تايوان في عبور روتيني خارج المياه الإقليمية لأي دولة ساحلية، فيما تواصل الولايات المتحدة التركيز على عمليتها لـ"حرية الملاحة" في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه بين الصين وعدد من دول المنطقة.

زيارة بيلوسي ونصيحة الجيش

وبالإضافة إلى كل ذلك، تنظر الصين بعين الريبة إلى الزيارات المتواصلة، التي يجريها سياسيون ومسؤولون أميركيون، حاليون وسابقون، إلى تايوان. وعاد الحديث في الأيام الأخيرة، عبر الإعلام الأميركي، عن زيارة مرتقبة لرئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، إلى تايوان، في شهر أغسطس/آب المقبل (والذي يصادف فيه عيد تأسيس جيش التحرير الشعبي الصيني).

وجاء الحديث عن زيارة بيلوسي المحتملة إلى تايوان، في وقت يقوم به مارك إسبر، وهو وزير الدفاع الأميركي السابق في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، إلى تايوان. وربط متابعون للشأن الصيني، الزيارة، خصوصاً، بملف تسليح الجزيرة، على اعتبار أن إسبر يمثل مصالح المجمع العسكري الأميركي، وحزب الجمهوريين، الذي يطالب بتعزيز بيع تايوان الأسلحة الاستراتيجية التي تحتاجها لصدّ أي هجوم صيني محتمل.

وتبدو هذه المسألة بالغة الأهمية، من منظور تتبع تطور الأوضاع بين طرفي الأزمة الرئيسيين، الصين والولايات المتحدة. وحطّ إسبر في الجزيرة، بعد أيام قليلة من موافقة إدارة الرئيس جو بايدن على صفقة أسلحة تقنية ومعدات دعم عسكري لتايوان، بقيمة 108 ملايين دولار، هي الخامسة في عهد بايدن، بينما تضمنت مبيعات الأسلحة لتايوان في عهد ترامب، أسلحة ثقيلة وأكثر أهمية.

بكين: الولايات المتحدة تتراجع تدريجياً عن سياستها القائمة على الاعتراف بدولة صينية واحدة

ويثير هذا الأمر تذمراً مكبوتاً لدى قادة تايوان، وسط خشية تتزايد في قلب الجزيرة من اجتياح محتمل لها قد تقدم عليه الصين في أي لحظة. وقال إسبر أمس الخميس، إنه سينقل إلى واشنطن المخاوف التي عبّرت عنها تايوان خلال زيارته، حول سرعة إتمام صفقات الأسلحة مع الولايات المتحدة، والحاجة إلى الوصول أكثر إلى أسلحة مثل الصواريخ المحمولة، كصواريخ جافلين المضادة للدبابات. علماً أن تايوان تحدثت من قبل عن مشاكل تواجهها في تزويدها بأسلحة طالبت بها، منها صواريخ ستينغر وأخرى مضادة للطائرات.

وكان بايدن قد أثار غضب الصين في أواخر مايو/أيار الماضي، حين قال إن بلاده لن تتوانى عن التدخل عسكرياً للدفاع عن تايوان، إذا ما شنت الصين هجوماً عسكرياً ضدها. لكن بايدن عاد ليؤكد أن سياسة "الغموض الإستراتيجي" التي تتبعها بلاده إزاء هذا الملف لم تتغير، وهي سياسة تقوم على الاعتراف دبلوماسياً بالبر الصيني والالتزام في الوقت نفسه بإمداد تايوان بالأسلحة للدفاع عن نفسها.
وفيما يتحضر الرئيس الأميركي لإجراء محادثة هاتفية مع نظيره الصيني خلال الأيام الـ10 المقبلة، وهو ما كان مهّد له لقاء وزير خارجيته أنتوني بلينكن بنظيره الصين وانغ يي في اجتماعات مجموعة الـ20 في بالي الإندونيسية (9 يوليو/تموز الحالي)، أبدى بايدن، أمس، موقفاً بدا وكأنه اعتراض على التسريبات التي تتحدث عن زيارة مرتقبة لبيلوسي إلى تايوان.

وكانت أخبار سابقة قد تحدثت عن زيارة كانت تنوي بيلوسي إجراءها لتايوان، في إبريل/نيسان الماضي، لكن الزيارة لم تحصل، فيما أعلنت رئيسة مجلس النواب الأميركي في ذلك الوقت إصابتها بفيروس كورونا. وقال بايدن أمس للصحافيين، إنه "يعتزم" إجراء محادثة مع شي خلال الأيام الـ10 المقبلة، لكنه أضاف أن المؤسسة العسكرية الأميركية لا تدعم أن تقوم بيلوسي بزيارة تايوان خلال الصيف الحالي. وقال بايدن: "المؤسسة العسكرية لا ترى أنها فكرة جيدة في الوقت الحاضر، لكني لست متأكداً ما هو الوضع حالياً".

نقل إسبر قلق تايوان من بطء توريد الجزيرة بالأسلحة الثقيلة والصواريخ الاستراتيجية

وتُعدّ بيلوسي القيادية الثانية في الترتيب السياسي الأميركي، بعد الرئيس، وإذا ما زارت تايوان، فستكون الأولى من نوعها، منذ 1997، حين زار رئيس مجلس النواب آنذاك نيوت غنغريتش تايوان. وكانت صحيفة "فاينانشال تايمز" قد ذكرت الثلاثاء أن بيلوسي تعتزم زيارة تايوان في أغسطس، خلال جولة ستقودها أيضاً إلى سنغافورة واليابان وماليزيا وإندونيسيا. ورفض مكتب بيلوسي تأكيد أمر الزيارة لـ"واشنطن بوست"، أو نفيها لأسباب أمنية.

لكن الخارجية الصينية حذّرت الثلاثاء، من أي زيارة محتملة لبيلوسي إلى الجزيرة، معتبرة على لسان المتحدث باسمها، زاو ليجيان، أنها "ستؤثر بشكل جدّي وسلبي على الأسس السياسية للعلاقات الأميركية الصينية"، مضيفاً أن بلاده سترد بإجراءات صارمة.

ولا يخفي الأميركيون منذ فترة، قلقهم من احتمال غزو الصين لتايوان، نظراً خصوصاً إلى أن المسألة تحمل بعداً قومياً شديد الحساسية بالنسبة لبكين، وهي على سلّم أولويات أجندة الرئيس شي جينبينغ، إذا ما أراد التمديد لرئاسته، على اعتبار ذلك أيضاً من ضمن "إرثه الشخصي". وكان قائد القوات الأميركية السابق بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، الأدميرال فيليب دافيدسون، قد توقع العام الماضي، أن تحاول الصين السيطرة على تايوان بالقوة خلال السنوات الست المقبلة.

من جهتها، رأت مجلة "فورين أفيرز" في مقال لأندرو ناتان، نشر في يونيو/حزيران الماضي، أن الخشية من هجوم قريب للصين على تايوان، ليس في محله، معتبراً أن سياسة الصين بشأن هذه المسألة لطالما تميزت بأنها تعتمد على الصبر الاستراتيجي. كما لفت إلى أن الحرب الروسية قد عزّزت الاعتقاد في بكين أن عليها أن تلعب "اللعبة الطويلة" بقضية تايوان.
(العربي الجديد)

 

المساهمون