"بريكس" تتوسع: مفاعيل سياسية لانضمام 6 دول جديدة من 3 قارات

25 اغسطس 2023
شي جين بينغ (يمين) ورامافوزا (وسط) ومودي في اليوم الختامي للقمة أمس (فرانس برس)
+ الخط -

حقّقت الصين، أمس الخميس، ضربةً موفقة، بحسب اعتباراتها، ومعها روسيا، بإعلان مجموعة "بريكس" الاقتصادية، التي تضم البلدين إلى جانب البرازيل والهند وجنوب أفريقيا، موافقتها على ضمّ 6 دول جديدة إلى المجموعة، للمرة الأولى منذ ولادة "بريكس" في العقد الأول من القرن الحالي، والتي لا تزال تعدّ مجموعة ناشئة. ويأتي إعلان الموافقة على توسيع "بريكس"، بعد نقاشات جدّية استمرت منذ يوم الاثنين الماضي، في جوهانسبرغ، جنوب أفريقيا، التي استضافت القمة الـ15 للمجموعة، وبإلحاح من الصين، التي كانت طلبت هذا التوسيع رسمياً العام الماضي.

كما يأتي الإعلان بعد الحديث عن اختلافات بوجهات النظر بين الدول الأعضاء وعدم رغبة برازيلية وهندية بتوسيع "بريكس"، لأسباب عدة، منها الخشية من استفزاز الولايات المتحدة، وخلق منصة أكبر لهيمنة الصين. كما يأتي الإعلان في ظروف عالمية شديدة الاضطراب والتبدل، حيث تواجه روسيا، العضو في "بريكس"، محاولة عزل دولية بسبب حربها على أوكرانيا، وعقوبات اقتصادية غير مسبوقة، فيما تشتد المنافسة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين.

ويرى مراقبون، أن توسيع المجموعة التي ولدت لتكون قوة مواجهة لأميركا، والنظام العالمي الذي يتصدره الغرب، قد يشكل الإنجاز الثاني الأهم لـ"بريكس"، بعد إنشائها "بنك التنمية الجديد"، الذي يستهدف تمويل مشاريع بنى تحتية في دول المجموعة، وغيرها، وجهة إقراض لـ"دول الجنوب" بعيداً عن شروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فيما من أهداف المجموعة أيضاً التخلص تدريجياً من هيمنة الدولار في تعاملاتها وصولاً لأن تكون لها عملة موحدة، على غرار الاتحاد الأوروبي. بينما تقول وجهة نظر أخرى، أن التوسيع "صمّم على قياس الصين"، وأن بلورة رؤية متجانسة لدور المجموعة كان يجب أن يسبق ذلك.

توسيع "بريكس": 6 دول جديدة

وأعلنت مجموعة "بريكس"، أمس الخميس، عن توسعها، وموافقتها على ضمّ 6 دول جديدة، للمرة الأولى منذ عقدها أول قمّة لها في عام 2009، بعد اجتماع غير رسمي لوزراء خارجيتها عقد على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، في عام 2006، وبعد سنوات قليلة من ابتكار كبير اقتصاديي مؤسسة "غولدمان ساكس" جيم أونيل اسمها.

لولا: لتنشيط التعاون فيما هناك خطر اندلاع حرب نووية

وكان أونيل تحدث في عام 2001، عن "بريك"، قبل أن تنضم جنوب أفريقيا إلى المجموعة في 2010، وتصبح "بريكس". وبعد نقاش مكثف في جوهانسبرغ، أعلنت المجموعة أمس، قرارها بالموافقة على ضمّ 6 دول جديدة من 3 قارات، هي السعودية والإمارات وإيران وإثيوبيا والأرجنتين ومصر، علماً أنها كانت أعلنت أن أكثر من 40 دولة، من بينها إندونيسيا وبوليفيا والأرجنتين وتركيا والبحرين والجزائر، كانت أبدت رغبتها بالانضمام، فيما تقدمت 20 دولة بطلب رسمي لهذا الهدف.

وأعلن رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، أمس، في اليوم الأخير من القمة، الموافقة على انضمام الدول الست، والتي يفترض أن تلتحق كاملة العضوية بالمجموعة الناشئة اعتباراً من الأول من يناير/كانون الثاني المقبل، مضيفاً أن "مجموعة بريكس تبدأ فصلاً جديداً في جهودها لبناء عالم عادل، وأكثر شمولية وازدهاراً".

وأوضح رامافوزا أن المجموعة التي تتخذ قراراتها بالإجماع، اتفقت على "المبادئ التوجيهية لعملية توسيع بريكس ومعاييرها وإجراءاتها". كما فتح رامافوزا الباب أمام انضمام دول أخرى، غير الست الجديدة التي تمّت الموافقة عليها، بقوله "لقد تمّ التوافق على المرحلة الأولى من التوسيع، وسوف تلحقها مراحل أخرى". وقال الرئيس الصيني شي جين بينغ إن "توسيع العضوية حدث تاريخي"، مضيفاً أن "التوسع يعد أيضاً نقطة انطلاق جديدة للتعاون بالنسبة لبريكس، فهو سيمنح آلية تعاون بريكس قوة جديدة وسيعزز قوة الدفع باتجاه السلام والتنمية في العالم".

خيبة من وعود العولمة

من جهته، قال الرئيس البرازيل لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، إن "وعود العولمة فشلت، لقد حان الوقت لإعادة تنشيط التعاون مع الدول النامية فيما هناك خطر اندلاع حرب نووية"، في إشارة إلى التوتر المتصاعد بين روسيا والغرب. وقال لولا إن التكتل اليوم أصبح يمثل التكتل 46 في المائة من سكان العالم وحصة أكبر من ناتجه الاقتصادي. وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي حضر القمة فيما شارك فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين افتراضياً، أن مجموعة "بريكس" لن تغيّر اسمها بعد التوسيع، موجهاً انتقادات سياسية عدة للولايات المتحدة والغرب. واعتبر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أن "الأعضاء الجدد سيعززون المنظمة ويعطون دفعة لجهودنا المشتركة".

وفي بيانهم الختامي، أمس، أيّد قادة "بريكس" إجراء إصلاحات في الأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن، من أجل إضفاء المزيد من الديمقراطية والفعالية على المنظمة. كما أعربوا عن "قلقهم بشأن استخدام التدابير أحادية الجانب التي تؤثر سلباً على الدول النامية". وأكد البيان تجديد الدول الأعضاء "التزامها بتعزيز وتحسين الحوكمة العالمية من خلال تشجيع نظام أكثر مرونة وفعالية وكفاءة، نظام دولي متعدد الأطراف ديمقراطي وخاضع للمساءلة".

وتوالى الترحيب من الدول التي قبلت عضويتها الكاملة في "بريكس". قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أمس، في بيان، إن بلاده تتطلع للعمل على "إعلاء صوت دول الجنوب إزاء مختلف القضايا والتحديات التنموية التي تواجهنا، بما يدعم حقوق ومصالح الدول النامية". وأضاف السيسي: "أثمن إعلان تجمع بريكس ونعتز بثقة دول التجمع كافة التي تربطنا بها علاقات وثيقة، ونتطلع للتعاون والتنسيق معها خلال الفترة المقبلة".

أيّد قادة "بريكس" إجراء إصلاحات في الأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن

بدوره، اعتبر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بحسب ما نقله عنه الإعلام الإيراني الرسمي، أن "انضمام إيران لمجموعة بريكس سيعزز معارضة التكتل للهيمنة الأميركية". كما رحّب المستشار السياسي لرئيسي بالانضمام، والذي وصفه في تعليق عبر منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، بأنه "نجاح استراتيجي" لسياسة طهران الخارجية. وكتب جمشيدي، إن "العضوية الدائمة في مجموعة الاقتصادات الناشئة العالمية، هي حدث تاريخي ونجاح استراتيجي للسياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية".

من جهته، رأى الرئيس الأرجنتيني، ألبرتو فرنانديز، أن "سيناريو جديدا" يفتح لبلاده مع عملية الانضمام، مضيفاً أن ذلك "سيكون فرصة عظيمة لتقوية الأمة"، التي تعيش أزمة اقتصادية خانقة مع انخفاض قيمة عملتها وجفاف الاحتياطات الخارجية والتضخم المرتفع. ولفت فرنانديز، إلى أن الأرجنتين "أرادت الانضمام إلى بريكس بسبب أهمية هذا التجمع الجيوسياسية والمالية خلال سياق دولي صعب". وأضاف: "ستعمل الأرجنتين لتكون محاوراً مهماً ووسيطا محتملا من أجل التوافق مع دول أخرى". كما رحّب الرئيس الإماراتي محمد بن زايد بالانضمام (بلاده عضو في بنك التنمية الجديد)، فيما وصف رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد الإعلان بـ"اللحظة العظيمة".

وأنشئت "بريكس"، قبل أكثر من 15 عاماً، في محاولة لتوجيه الديناميات الجيوسياسية في العالم، بعيداً عن الهيمنة الأحادية للغرب بعد انتهاء الحرب الباردة، وكمجموعة تطمح لأن يكون لها ثقلها السياسي ودورها في صناعة ورسم معالم السياسة الدولية، مثل مجموعة السبع الكبرى، وتوجيه العالم نحو نظام متعدد الأقطاب. وقلّلت الولايات المتحدة دائماً من شأن هذا الطموح، علماً أن لدى "بريكس" أسبابا منطقية له، وهي أنها تمثل ربع الاقتصاد العالمي وأكثر من ثلاثة مليارات نسمة.

منصة نفوذ للصين

وتأتي عملية الضمّ الجديدة، في وقت يشتد فيه الصراع الدولي بين روسيا والغرب، ويحتدم التنافس الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة، والذي يهيمن على معظم القضايا العالمية. ويرى مراقبون أن عملية الضمّ تفيد بشكل أساسي الصين، وتخلق لها منصة واسعة لفرض رؤيتها السياسية، وتعزيز نفوذها الاقتصادي. وكل الدول المنضمة حديثاً إلى المجموعة مشاركة في مشروع طريق الحرير الصيني. ورغم أن أجنداتها السياسية ليست متجانسة، بل حتى متضاربة أحياناً، إلا أنها تمثل خليطاً من المكانة السياسية والاقتصادية بحيث إنها تقدم ثقلاً سياسياً واقتصادياً للمجموعة، بقدر ما تأخذ منها، خصوصاً لناحية ثروتها في مجال الطاقة. والدول المنضمة أيضاً، مشاركة وعضوة في منصات دولية أخرى، منها مجلس التعاون الخليجي ومنظمة شنغهاي و"ميركوسور" (السوق المشتركة الجنوبية)، وحتى مجموعة العشرين، وتشكل أسواقها ملاذاً للتبادل التجاري التي تطمح جميع هذه الدول إلى توسعته.

رغم أن أجنداتها السياسية ليست متجانسة، بل حتى متضاربة أحياناً، إلا أن معظم الدول التي ستنضم للمجموعة تمثل خليطاً من المكانة السياسية والاقتصادية

وتحمل كل هذه الدول مزايا ويعتبر انضمام بعضها، قد جاء بطلب من الدول الأعضاء، للموافقة على أخرى. وقد حثّت البرازيل، على انضمام الأرجنتين، فيما يأتي انضمام إيران، لإرضاء روسيا خصوصا. وكانت طهران قد لجأت خصوصاً في السنوات الأخيرة، إلى المنظمات التي لا تضم دولاً غربية بهدف كسر عزلتها وتنشيط اقتصادها المنهك جراء العقوبات الغربية، كما انضمت إلى منظمة شنغهاي للتعاون، وهي كيان إقليمي تأسس في عام 2001، معززة علاقاتها مع الصين وروسيا كجزء من استراتيجية تعنى بدول الشرق. وتطمح معظم الدول التي انضمت، أو الراغبة بالانضمام، وهي ذات اقتصادات متفاوتة، للحصول على مزايا تفضيلية في علاقاتها التجارية مع الصين خصوصاً، وهو ما يمنح بكين منصة واسعة لتعزيز نفوذها في العالم، وتعتبر الرابح الأكبر من عملية التوسيع. بدورها، ترغب روسيا من وراء التوسيع، إثبات عدم عزلتها، وأنها قادرة على قيادة تجمع ذات ثقل بحجم "بريكس".

وأثبت مسار "بريكس"، تصميم المجموعة على التماسك، رغم اختلاف الأجندات السياسية للدول المنضوية فيها، وتفاوت قوتهم الاقتصادية. وبرز ذلك، في مسألة التوسع، مع الحديث عن اعتراضات برازيلية وهندية، علماً أن أي قرار تتخذه المجموعة يجب أن يكون بالإجماع. ووافقت الهند، على ضمّ الدول الجديدة للمجموعة، علماً أنها لم تضع شروطاً على ذلك، بل بدا رفضها توجساً من إرسال رسالة خاطئة للغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة التي تتمتع معها بعلاقات متقدمة، ومن هيمنة للصين التي تختلف معها نيودلهي استراتيجياً.

وتأتي عملية التوسيع، فيما ظلّ صنّاع القرار الغربيون، وإعلامهم، مشككين بجدوى "بريكس"، ومتنبئين بقرب انهيار هذه المجموعة، ما يضعها اليوم في اختبار صعب، لجهة قدرتها على فرض نفسها لاعباً قوياً على الساحتين الدولية السياسية والاقتصادية. وفي موازاة التشكيك، حاول الغرب أخيراً، لاسيما عبر مجموعة السبع الكبرى، استمالة "دول الجنوب"، ومحاكاة هواجسها، لكن ذلك لم يرق يوماً إلى خطاب الدول المنضوية في "بريكس". كما يبقى الاختبار الأقوى بعد عملية الانضمام، في الاختلافات السياسية العميقة أحياناً بين دول المجموعة، المؤسسة والجديدة، أخذاً بالاعتبار خصوصاً التصويت بالإجماع، وعلاقات بعض الدول القوية مع الولايات المتحدة، ومنها دول الجنوب اللاتيني، الذي يعتمد على الولايات المتحدة والصين، ويسعى للموازنة بينهما.

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)