انطلاق العد العكسي لرئاسيات أميركا: ترامب بمواجهة بايدن مجدداً

04 نوفمبر 2023
مصافحة بين ترامب وبايدن في يوم تنصيب الأول رئيساً، 20 يناير 2017 (جوناثان نيوتون/Getty)
+ الخط -

عشية بدء العد العكسي للانتخابات الرئاسية الأميركية، المقررة في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، تشهد حملة الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، مرحلة يمكن وصفها بـ"المجنونة"، لتضمنها العديد من العناصر المؤثرة، أهمها المحاكمات القضائية في دعاوى عدة، بعضها طاولت أولاده أيضاً، وغياب التنافس الجدّي بين المرشحين الجمهوريين المنافسين له، ومحاولاته في بناء مواقف سياسية حول الحرب الروسية على أوكرانيا والعدوان الإسرائيلي على غزة.

كما يراقب ترامب تعرّض منافسه المباشر، الرئيس الديمقراطي جو بايدن لنكسات عدة، منها ما هو داخلي مرتبط بمحاولة الجمهوريين عزله بسبب قضايا لاحقت نجله هانتر، ومنها ما هو خارجي متعلق بالغزو الروسي لأوكرانيا، وبالعدوان الإسرائيلي على غزة.

معارك ترامب القضائية

قبل 365 يوماً على توجّه عشرات ملايين الأميركيين إلى صناديق الاقتراع (شارك أكثر من 155 مليوناً منهم في انتخابات 2020)، يستعدّ ترامب لمعارك قضائية، نجح في إدماجها مع شعارات حملته الانتخابية، رغم أنها ستؤثر عليه في حال صدور حكم أي منها قبل يوم الانتخابات.

سيبدأ ترامب عملياً هذا العام الطويل، بالإدلاء بشهادته في قضية الاحتيال المدنية التي تستهدف "منظمة ترامب" في ولاية نيويورك، وذلك بعد غد الاثنين، وفي حال مثوله، فستكون المرة الأولى التي يدلي فيها بشهادته علناً في أي من القضايا المدنية والجنائية المختلفة التي يواجهها.

وكانت جلسات هذه القضية قد بدأت الأربعاء الماضي، مع استماع القاضي آرثر إنغورون إلى ابني ترامب، دونالد جونيور وإريك. وتكمن أهمية هذه القضية في أن خسارة ترامب لها، ستهدّد الاستثمارات العقارية لعائلته في نيويورك، خصوصاً أن ابنه دونالد جونيور أقرّ بأنه كان يوقع على البيانات المالية للمنظمة، رغم إشارته إلى اعتماده على خبرة المحاسبين في ما يتعلق بدقتها.


حذر ديمقراطيون البيت الأبيض من أن تعامل الرئيس الحالي مع العدوان الإسرائيلي على غزة قد يكلفه دعم أصوات عربية ومسلمة

 

مع العلم أن نجلي ترامب يتوليان منصب نائبي رئيس منظمة ترامب، التي تضم شبكة واسعة من الشركات تعنى بإدارة مبان سكنية وناطحات سحاب وفنادق فاخرة وملاعب غولف حول العالم.

وأعقبت شهادة دونالد جونيور شهادة شقيقه الأصغر إريك الذي واجه ضغطاً أكثر خلال استجوابه من جانب المحامي بمكتب المدعي العام في نيويورك، أندرو عامر.

وقال إريك في البداية "لا أعتقد أنني رأيت أو عملت على بيان عن الوضع المالي". لكن عامر أجبر إريك على التراجع عن أقواله بعد أن أبرز له رسالة بريد إلكتروني مؤرخة في أغسطس/آب 2013 يبلغه فيها أحد زملائه أنه "يعمل على إعداد ملاحظات عن البيان المالي السنوي للسيد ترامب" ويطلب معلومات عن وضع ملاعب الغولف. وقال إريك ترامب بصوت مرتفع "نحن منظمة عقارية ضخمة"، مضيفاً "بالتأكيد، لدينا بيانات مالية".

وكان اسم إيفانكا، ابنة ترامب، قد ورد كمتهمة في الدعوى التي رفعها الادعاء العام في نيويورك ضد ترامب وأولاده، قبل إسقاط التهم عنها لاحقاً، لكن رغم ذلك تلقت استدعاء أيضا للإدلاء بشهادتها. ومع أن إيفانكا قدمت استئنافاً لتأجيل شهادتها في الدعوى، غير أن محكمة استئناف رفضت طلبها مساء أول من الخميس، طالبة منها الإدلاء بشهادتها في القضية، الأربعاء المقبل.

ولا يواجه الرئيس السابق وأبناؤه خطر السجن في قضية الاحتيال التي رفعتها المدعية العامة في نيويورك ليتيشيا جيمس، لكنهم يواجهون احتمال فرض غرامات عليهم تصل قيمتها إلى 250 مليون دولار واحتمال عزلهم من إدارة الشركة العائلية.

وفي سلسلة منشورات على منصته "تروث سوشيال"، اتهم ترامب القاضي آرثر أنغورون الذي يتولى القضية بـ"القيام بأعمال قذرة لصالح الحزب الديمقراطي"، وذلك في تأكيد على جعل المحاكمات جزءاً من حملته الانتخابية.

محاكمات منتظرة في 2024

ولا تتوقف محاكمات ترامب على ذلك، إذ ستبدأ محاكمته في قضية الاعتداء على الكاتبة إي جان كارول في 16 يناير/كانون الثاني 2024، وفي 4 مارس/آذار 2024، يمثل ترامب أمام محكمة فيدرالية في واشنطن بتهمة محاولة قلب نتائج انتخابات 2020 الرئاسية، عبر اقتحام أنصاره الكونغرس في 6 يناير 2021. وفي 25 مارس 2024، تبدأ محاكمة الرئيس السابق في 34 تهمة جنائية متعلّقة بتزوير وثائق على صلة بدفع مبلغ للممثلة الإباحية ستورمي دانيالز مقابل التستّر على علاقة يعتقد أنها كانت قائمة بينهما. وفي 20 مايو/أيار 2024، تبدأ محاكمته في قضية الوثائق السرية التي عُثر عليها في منتجعه مارآلاغو في فلوريدا، في أغسطس/آب الماضي.

في خضمّ المعارك القضائية، يُفترض أن يشارك ترامب في محطات إلزامية في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، بدءاً بانتخابات ولاية آيوا في 15 يناير المقبل، التي تتزامن مع المحاكمة في قضية كارول.

أما محاكمته في قضية قلب النتائج الرئاسية فتسبق "الثلاثاء الكبير"، الذي ستُجرى فيه الانتخابات في 15 ولاية وإقليم واحد، وسيحسم بدرجة كبيرة الفائز ببطاقة الحزب الجمهوري لرئاسيات 2024.

ومن المقرر أن يعقد الحزب الجمهوري مؤتمره العام لتسمية مرشحه الرئاسي، في الفترة بين 15 يونيو/حزيران المقبل و18 منه، في ميلووكي ـ ويسكونسن.

ومع أن ترامب سعى إلى تأجيل المحاكمات إلى ما بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية، إلا أنه فشل في ذلك. غير أن محاميه ما زالوا يسعون إلى تأخير محاكمته في قلب نتائج انتخابات 2020، إلى ما بعد رئاسيات 2024، التي يمكن أن تمنح ترامب سلطة إنهاء أو تعطيل العديد من القضايا ضده، إذا عاد إلى البيت الأبيض.

وطلب فريق دفاعه الأربعاء الماضي، من القاضية تانيا تشوتكان، تأجيل هذه المحاكمة، وفقاً لصيغة أن "الرئيس محصّن من الملاحقة القضائية في أي إجراء اتخذه عندما كان رئيساً"، وذلك لأن اقتحام الكونغرس في 6 يناير 2021، حصل قبل انتهاء ولاية ترامب رسمياً في 20 يناير من العام نفسه.

كما طلب محامو ترامب أخيراً، من قاض في فلوريدا تأجيل المحاكمة في قضية الوثائق السرية إلى ما بعد انتخابات نوفمبر 2024. لكن ترامب يواجه أزمة أخرى، إذ أفادت محطة "أن بي سي نيوز"، بأن محاكمة لإبعاد ترامب عن حق الاقتراع في رئاسيات 2024، قد بدأت في ولاية مينيسوتا، مساء الخميس.

وجاء في الدعوى التي قدمتها "مجموعة الإصلاح الانتخابي حرية التعبير للناس" في الولاية، أن ترامب انتهك القسم 3 من التعديل الدستوري 14، الذي ينص على أنه لا يمكن لأي شخص "شارك في التمرد أو تمرّد" بعد أن أقسم اليمين لدعم الدستور والدفاع عنه، أن يشغل منصباً مجدداً. ورُفعت دعاوى مماثلة في وجه ترامب في ولايات كولورادو ونيو هامبشير وأريزونا وميشيغان.

وفي موازاة هذه المعارك القضائية، تراجع ترامب خطوات إلى الوراء في حديثه عن الملفات الخارجية، موجهاً تركيزه إلى الداخل، سواء باتجاه بايدن، أو باتجاه خصومه الجمهوريين. ولم يعد الرئيس السابق يدلي بتعليقات حول العدوان الإسرائيلي على غزة، بل شدّد على أنه "تحت قيادتي كان العالم مسالماً وهادئاً لأن أميركا كانت محترمة، أما مع جو بايدن، لديك فوضى وإراقة دماء وحرب ورعب وموت".

ويستفيد الرئيس السابق من اشتباكات خصومه الجمهوريين. وآخر هذه المشاهد النقاشات الساخنة التي تبادلها المرشحان، حاكم فلوريدا، رون ديسانتيس، والمندوبة الأميركية السابقة إلى الأمم المتحدة نيكي هيلي.

وتدنّى النقاش إلى درجة الحديث حول ما إذا كان ديسانتيس يرتدي أحذية للظهور بقامة أطول مما هو عليه، وذلك في تجمّع شعبي في هيوستن ـ تكساس، الخميس.

في الواقع يحقّ لترامب الإيمان بأنه سينال ترشيح الحزب الجمهوري. كل الاستطلاعات تشير إلى ذلك. فقد أظهر مؤشر "270 تو وين"، الذي نظّم استطلاعاً بين 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي و2 نوفمبر الحالي، حصول ترامب على 59.6 في المائة من نوايا الناخبين الجمهوريين، بينما حصل ديسانتيس على 13 في المائة وهيلي على 7.6 في المائة.


تنتظر ترامب 4 محاكمات أساسية بين يناير ومايو وسط ضعف منافسيه في مقارعته داخل الحزب الجمهوري

ومن المرشحين الجمهوريين أيضاً يبرز فيفيك راماسوامي، المحبوب من ترامب والموصوف بأنه "ترامب الثاني". ونال راماسوامي في هذا الاستفتاء، 5.6 في المائة من الأصوات. أما باقي أركان الحزب الجمهوري، فإن دوغ بورغوم وكريس كريستي وآسا هاتشينسون وتيم سكوت، لم يتجاوزوا الـ2.5 في المائة، في أفضل الأحوال لكل منهم.

يُظهر هذا الأمر أن ترامب يتجه لمعركة متكررة مع بايدن في 5 نوفمبر 2024، خصوصاً أن قائمة المرشحين الديمقراطيين لمنافسة بايدن، ما زالت ضيقة. وفي استطلاع لمؤشر "270 تو وين"، وأُجري بين 12 أكتوبر الماضي و30 منه، حصل الرئيس الحالي على 69.4 في المائة من أصوات القاعدة الديمقراطية، فيما نالت ماريان وليامسون 8.4 في المائة، ودين فيليبس 3.5 في المائة.

مشاكل بايدن

ومع أنه من البديهي تصوّر أن مشاكل ترامب القانونية تمهّد لبقاء بايدن في البيت الأبيض لولاية ثانية، غير أن الرئيس الأميركي يواجه تساؤلات عميقة، تحديداً بما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على غزة.

منذ بدء "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر الماضي، اتخذ بايدن موقفاً متشدداً في دعم إسرائيل، ومدّها بالمعونات العسكرية، وإجرائه الاتصالات بصورة شبه يومية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فضلاً عن زيارته إسرائيل في خضمّ العدوان على قطاع غزة.

منح بايدن للإسرائيليين حق قتل الفلسطينيين تحت شعار "حق الدفاع عن النفس"، معيداً التذكير بكلامه أنه "لو لم تكن هناك إسرائيل لعملنا على إقامتها". وتعامل بايدن مع القضية الفلسطينية يشكّل تهديداً انتخابياً له، خصوصاً في الولايات المتأرجحة، التي يبلغ فيها الفارق بين مرشحين رئاسيين، بضعة آلاف. وهي الولايات التي صوّتت له في انتخابات 2024. فقد حذر الديمقراطيون في ميشيغان البيت الأبيض من أن تعامل بايدن مع الصراع بين إسرائيل وحماس قد يكلفه دعم المجتمع العربي الأميركي، في ولاية لا يمكنه تحمّل خسارتها في رئاسيات 2024.

وتوجّه الرجل الثالث في الصفوف الديمقراطية بولاية ميشيغان، أبراهام آيفاش، بالقول: "التقينا اللجنة الوطنية الديمقراطية، وكنا واضحين في القول إن الإنسانية يجب أن تكون مهمة، وإلا فإنه سيكون هناك أصداء انتخابية لهذا". وتضم ميشيغان أكبر تجمع للأميركيين العرب في البلاد وأكثر من 310 آلاف من السكان هم من أصول شرق أوسطية أو شمال أفريقية.

ولا تقتصر مشاكل بايدن عند هذا الحدّ، فقد كشف نواب جمهوريون، خصوصاً بعد انتخاب مايك جونسون رئيساً لمجلس النواب أخيراً، أن "القرار وشيك بشأن عزل بايدن".  وتكمن أهمية ذلك في أن جونسون نفسه كان عمل في فريق الدفاع عن ترامب، خلال مواجهته محاولتي عزل خلال ولايته بين عامي 2017 و2021. وكشف جونسون الخميس أن الجمهوريين سيقررون "قريباً جداً" ما إذا كانوا سيعزلون بايدن بسبب التعاملات التجارية الخارجية لعائلته، مشدّداً على أن سلطتهم الدستورية "لا يمكن ممارستها لأغراض سياسية".

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)