انتخابات حاسمة في السويد: سياسات الهجرة أولوية عند الناخبين

11 سبتمبر 2022
إعلانات انتخابية في استوكهولم، الخميس الماضي (جوناثان ناكستراند/فرانس برس)
+ الخط -

يتوجه السويديون اليوم الأحد (نحو 7.5 ملايين ناخب من أصل 10.7 ملايين نسمة) إلى صناديق الاقتراع لانتخاب أعضاء برلمانهم المكون من 349 عضواً، ويُطلق عليه محلياً اسم "ريكسداغ"، فضلاً عن انتخاب أعضاء مجالس البلديات والأقاليم.

وعلى عكس انتخابات 2018، برزت حالة اصطفاف غير مسبوقة بين مختلف الأجنحة السياسية في السويد، وتقارب لافت حيال بعض القضايا، تحديداً تلك المتعلقة بتصدّر العنف وجرائم العصابات المنظمة، أولويات الشارع.

شارع كان في السابق أكثر حذراً في تقبّل الخطاب المباشر عن المهاجرين وعصابات الضواحي، التي يرغب اليمين المتشدد ويمين الوسط في إدراج توسّع جرائمها في خانة "تراخي" حكومة يسار الوسط "الاجتماعي الديمقراطي" خلال السنوات الثماني الأخيرة من حكمها.

أولويات الناخبين

ويحتل مفهوم "القانون والنظام" ومسألة المهاجرين، أولوية اختيارات الناخبين للحزب الذي سيصوّتون له، في مقابل تراجع قضايا الرفاهية والرعاية إلى درجة متأخرة على سلّم الأولويات.

وشنّ معسكر اليمين، خصوصاً حزبي "المسيحي الديمقراطي" و"ديمقراطيو السويد" (اليميني المتشدد)، هجوماً عنيفاً على رئيسة حكومة يسار الوسط، ماغدالينا أندرسون، في المناظرات التلفزيونية مساء الخميس الماضي، على اعتبار أن سياسات حزبها للهجرة والدمج ساهمت في تحوّل السويد إلى "مرتع للعصابات".

والمناقشة العلنية لحياة المواطنين من أصول مهاجرة ولاجئة، وبعضهم مرشح على قوائم بعض الأحزاب، المحلية والبرلمانية، هي السابقة الأبرز منذ أن استقبلت السويد في ستينيات القرن الماضي مهاجرين من دول أخرى، بما فيها جاليات عربية كبيرة، كيدٍ عاملة. ثم توالت عليها موجات لجوء، أكبرها دفعة واحدة في عام 2015، مع وصول أكثر من 163 ألف لاجئ، بمن فيهم السوريون والفلسطينيون.

وهذا النقاش العلني يعتبر "كسراً للمحظور"، كما يوصف محلياً، إذ كان يصعب في السابق أن تشير المؤسسات الحكومية والإعلامية إلى جنسية الأشخاص أو إثنيتهم، بينما أخيراً، ومع ازدياد وتيرة النقاش حول "المجتمعات الموازية" وغياب اللغة السويدية عن الضواحي، بات السجال يتجاوز ما باشرته الجارة الإسكندنافية الأخرى، الدنمارك.

وبالفعل، يتخذ بعض أقطاب معسكر اليمين من تجربة التشدد الدنماركي نموذجاً لفرض "هدم تجمعات سكنية"، باعتبارها "غيتو"، لتوزيع السكان المهاجرين للعيش داخل المجتمع السويدي "وليس على الهامش".

ملامح شعبوية لخطاب "الحزب الاجتماعي الديمقراطي" الحاكم لمنع تحوّل اليمين المتشدد إلى بيضة قبان
 

ويستغل اليمين المتشدد وجود تلك التجمعات لتسويق خطاب مفاده أن "وجود تجمعات منغلقة يُعد تمييزاً وفصلاً عنصرياً"، ويرفض بشكل قاطع ما كان سائداً في السويد من "تعددية ثقافية"، مطالباً أيضاً بوقف ما يسمى "التصحيح السياسي والثقافي" في البلد.

صحيح أن هذه الزاوية الإسكندنافية تعيش تداعيات حرب أوكرانيا، على المستويين الأمني ـ الدفاعي والاقتصادي، وسط جهود كبيرة لحكومة يسار الوسط لإبقاء الأضواء مسلطة على دولة الرفاهية، بما يشمل تخفيف أعباء التضخم على المواطنين ورفع مستويات القطاع الصحي والخدمي ـ الاجتماعي، مع إجراء مناقشات تتعلق بالسياسات الدفاعية، إلا أن هيمنة العنف والهجرة على أجندات الأحزاب يعيد السويد إلى حالة العجز التي ساهمت في تأخير تشكيل حكومة لأكثر من 3 أشهر بعد انتخابات 2018.

واستغل زعيم "ديمقراطيو السويد"، جيمي أوكسون، الحصيلة الثقيلة لضحايا عمليات إطلاق النار في مختلف المدن السويدية (47 ضحية، مع زيادة عمليات إطلاق النار بنسبة 67 في المائة عن عام 2021) على يد عصابات المخدرات المتنافسة في الضواحي وبعض المدن الصغيرة، ليرفع رصيد حزبه في الاستطلاعات من 17 في المائة إلى نحو 20 في المائة.

وهو ما يضعه في المرتبة الثانية برلمانياً، متصدراً معسكر اليمين ويمين الوسط، خلف "الاجتماعي الديمقراطي" العريق، الأكثر تشكيلاً للحكومات منذ عام 1899. وعلى الرغم من محاولات اليسار ويسار الوسط تحويل الرأي العام إلى قضايا تقليدية أخرى مهمة للناخبين، كنظام الرعاية والرفاهية، لسحب المبادرة من معسكري يمين الوسط والمتشدد بخصوص سياسات الهجرة والاندماج، يبدو أن هذين المعسكرين استطاعا فرضها في مجادلات الحملات الانتخابية.

بشكل عملي، استطاع "ديمقراطيو السويد"، المعروف اختصاراً بـ"أس دي"، استغلال فرصة ذهاب حزب "الاعتدال" بزعامة أولف كريسترسون، الساعي لرئاسة الحكومة المقبلة، نحو جعل الهجرة على رأس أولوياته، لجرّ ناخبي الأجنحة اليمينية نحوه والتأثير على بعض مواقف يسار الوسط.

في المقابل، يطالب "أس دي" منذ سنوات بانتهاج سياسة متشددة حيال ذوي الأصول المهاجرة، وهو أصلاً حزب مصنف على أنه "معاد للمهاجرين"، ويعتبر أنه "من دون سياسة هجرة صارمة ستكون السويد أمام أربع سنوات مدمرة".

ويرى مراقبون محليون في استوكهولم، بمن فيهم سوزانا بيرغسون، تحوّلاً في خطاب "الاجتماعي الديمقراطي" الحاكم، يقترب بعض الشيء من الخطاب الشعبوي، خشية تحول الشعبويين بالفعل إلى "بيضة قبان" البرلمان العتيد.

بيرغسون وغيرها على التلفزة السويدية، وجدوا أن تصريحات ماغدالينا أندرسون الأخيرة عن رفض بلادها وجود "مقديشو مصغرة" في مدنها، توصيفاً لاكتظاظ بعض الضواحي بمهاجرين، يعدّ تحولاً لافتاً في معسكر يسار الوسط.

كذلك يظهر اضطرار "الاعتدال" الليبرالي إلى مجاراة "ديمقراطيو السويد" بصورة غير مسبوقة. فزعيم الحزب، كريسترسون، رفع منسوب خطابه النقدي لسياسات بلده في مجال اللجوء والهجرة، عازياً ذلك إلى فشل يسار الوسط في سياسة الدمج.

وبالتالي، فإن اقتراب يمين الوسط من الخطاب المتشدد ساهم، بحسب مراقبي حركة التنقل بين ناخبي الأحزاب السويدية، في انتقال نحو 3 في المائة من الليبراليين (تراجع إلى نحو 17 في المائة) إلى حزب "ديمقراطيو السويد".

ويعتبر كريسترسون مرشح المعارضة البرجوازية للحكم، وهو يرى أن السويد في مواجهة صعبة مع مجرمي العصابات، ويطالب بتبني البرلمان المقبل لسياسات أكثر تشدّداً حيال الهجرة والدمج.

وإلى ذلك، فإن المعارضة البرجوازية بأكملها تواجه معضلة مصيرية مع منح الاستطلاعات اليمين المتشدد نحو 20 في المائة، لأنها لن تستطيع الحكم من دون أصواتهم، وفي الوقت نفسه ستجد نفسها مضطرة إلى التراجع عن وعودها السابقة، كبقية أحزاب البرلمان، تحديداً في موضوع عدم منح "ديمقراطيو السويد"، وجيمي أوكسون خصوصاً، أي نفوذ أو تأثير على سياساتها.

ويعني ذلك أن معسكر يمين الوسط قد يعاني انقسامات، نتيجة تلميحات بعض أقطابه، خصوصاً "المسيحي الديمقراطي" و"الاعتدال"، إلى إمكانية الاعتماد على أصوات المتشددين.

وهو من المفترض أن يصبّ في مصلحة يسار الوسط "الاجتماعي الديمقراطي"، وإعادة أندرسون لقيادة الحكومة المقبلة، خصوصاً أن الحزب رفع منسوب خطابه النقدي لسياسات البلد في مجال الهجرة خلال العقود الماضية، في الفترة الأخيرة.

مع العلم أن طريقة تشكيل الحكومات السويدية لا تتطلب سوى ألا يصوت 175 نائباً ضد منحها الثقة، إذ يكفي امتناع البعض عن التصويت لتشكيلها، وهو ما يمكن أن يعزز حظوظ طرفي المعادلة، تحديداً مع ترجيح الاستطلاعات تقارب كتلتي يسار ويسار الوسط مع اليمين ويمين الوسط، وتحذير الأخير من الاعتماد على أصوات المتشددين، بما يصب في مصلحة أندرسون.

وبحسب استطلاع مشترك للرأي، أجرته صحيفة "سفينسكا داغبلادت" ومركز "سيفو"، ونُشر أول من أمس الجمعة، فإن "الكتلة الحمراء"، أي معسكر يسار ويسار الوسط، تحصل على النتائج التالية: ينال "الاجتماعي الديمقراطي" (يسار الوسط) 100 مقعد من أصل 349، بحصوله على نحو 30.3 في المائة من الأصوات. ويحصل حزب "اليسار" (يساري اشتراكي وشيوعي سابق) على 7.8 في المائة. أما حزب "الوسط" (يسار الوسط منذ عام 2019) فينال نحو 7.1 في المائة. بدوره، يحصل حزب "الخضر" (المحسوب على اليسار التقليدي) على نحو 4.5 في المائة.

المناقشة العلنية لحياة المواطنين هي الظاهرة الأبرز منذ بدء استقبال المهاجرين في الستينيات
 

في المقابل، فإن نتائج "الكتلة الزرقاء"، أي معسكر اليمين واليمين الوسط، ستكون كالتالي: "ديمقراطيو السويد" (الشعبوي) يحصل على نحو 21 في المائة من الأصوات. وينال "الاعتدال" (اليمين الوسط وأقرب إلى الليبرالي) على نحو 17 في المائة. أما "المسيحي الديمقراطي" (يمين وسط محافظ ويتمسك بقيم الأسرة والدين) فيحصل على نحو 6 في المائة. بدوره، يحصل "الليبرالي" (يمين وسط تقليدي) على نحو 5.2 في المائة من الأصوات.

مع العلم أن تشكيل حزب سياسي في السويد لا يتطلب أكثر من جمع 1500 توقيع. ولكن بما أن عتبة الحسم تبلغ 4 في المائة، فمن النادر دخول الأحزاب الجديدة إلى البرلمان، بل تعمل تلك الأحزاب على مستوى الانتخابات المحلية أكثر (كالأقاليم والبلديات)، لأن عتبة الحسم فيها 2 في المائة.

والأغلبية تختار القوائم الحزبية، ونحو 20 في المائة من الناخبين، كمعدّل، يصوتون بشكل شخصي للمرشحين، وبلغت هذه النسبة 24 في المائة في انتخابات عام 2018.

تداعيات النتائج المحتملة

ونتائج انتخابات اليوم، إذا صحّت الاستطلاعات وقراءات الخبراء المحليين، قد تذهب باستوكهولم إلى وضع غير مريح لكلا معسكري يسار ويمين الوسط.

فعلى الجانب الأول، يبدو حزب "اليسار" متشدّداً في مواقفه من تشكيل أندرسون للحكومة المقبلة، وتشترط أحزاب أخرى في ذات المعسكر على ألا يحصل الحزب على تأثير في برامج الحكومة، تحديداً سياسات الرعاية والاقتصاد والبيئة والتحول الأخضر أو الهجرة وغيرها من قضايا. وهو ما يشترطه على الأقل "حزب الوسط"، الذي أدى في السنوات الأخيرة دور المرجح لتشكيل الحكومات بعيداً عن الاستقطاب.

وعلى ضفة "البرجوازيين" ومرشحهم لرئاسة الحكومة أولف كريسترسون، لا تبدو الأمور أسهل. فمثلما لدى يسار الوسط رغبة في تهميش "اليسار المتطرف"، كما يوصف حزب "اليسار"، يبدو يمين الوسط في وضع معقد، نتيجة أن كريسترسون ترك الباب موارباً للاعتماد على أصوات "ديمقراطيو السويد"، وانتقد "الليبرالي"، علماً أنه من دون أصواته سيُصعّب من تشكيله أي حكومة.

أما في حال مُنح اليمين المتشدد تأثيراً ونفوذاً، خصوصاً بالنسبة لسياسات السويد مع الهجرة، فيُمكن أن يؤدي إلى تشظّي المعسكر، وبالتالي تدخل استوكهولم مجدداً في مرحلة تكليف رئيس البرلمان المقبل ماغدالينا أندرسون لمحاولة تشكيل حكومة. وإذا عجزت عن ذلك تُعاد الكرة إلى ملعب يمين الوسط.

في كل الأحوال، استوكهولم، وفقاً لمؤشرات السجال وتوقع النتائج، ستكون أمام مفاوضات صعبة. فالشعبويون مرتاحون لما حققوه، ليس فقط على مستوى صناديق الاقتراع، بل على فرض خطاب غير مسبوق عن المهاجرين، وجعلهم أولوية في الانتخابات ونقاشات المجتمع والأحزاب، وسيسعون بكل تأكيد لفرض أنفسهم على البرلمان الجديد.

وعلى الرغم من أنه ليس سهلاً على زعيمة يسار الوسط، أندرسون، التوفيق بين زعيمة "الوسط"، أني لوف، وزعيمة "اليسار"، نوشي دادغوستار، مع اشتراط الأولى إقصاء اليساريين عن أية حكومة جديدة. بالطبع لدى السويديين مشاغل أخرى كثيرة، ومن بينها وأهمها، إلى جانب الجريمة المنظمة، زيادة نسب عدم المساواة والانحدار الهائل في الرفاهية، كما عبّر الناخبون في الحملات الانتخابية.