الوثائق السرية في أميركا... وتداعيات سوء حفظها وتسريبها

11 ابريل 2023
يستمرّ التحقيق في مصدر التسريبات (Getty)
+ الخط -

مرة أخرى، تنفجر في واشنطن أزمة تسريب وثائق سرية تتعلق بأمن الدولة وعمل استخباراتها، وتثير في الوقت نفسه حساسيات وإرباكاً للولايات المتحدة مع بعض حلفائها.

خطورة هذه الوثائق أنها صادرة عن البنتاغون، والأخطر أنها تتعلق بحرب أوكرانيا التي لا تقوى إدارة الرئيس جو بايدن على تحمّل عواقب كشف جوانب دقيقة من تقديراتها بشأن بعض حقائقها ونقاطها الرخوة.

ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي التي جرى التسريب عبرها بشكل متناثر وتدريجي، بقي "مصدره غير مؤكد"، في وقت تُجرى تحقيقات مشتركة في وزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات وغيرهما من الجهات المعنية، لتحديده. حتى اللحظة، لم يُعرف بعد حجم الوثائق المسربة، إذ إنّ معظمها "غير واضح" حتى الآن، ولو أنّ التقديرات ترجّح أن يكون الاختراق "أصغر" مما يُعتقد. لكن ذلك لا يقلل من الخشية بأن تكون الوثائق على درجة عالية من "الأهمية والحساسية".

ويبدو من ملامح الصدمة في ردود المسؤولين، أنّ الوثائق تحتوي على "تقييمات البنتاغون" للوضع الميداني على الجبهة الأوكرانية، ونقاط ضعفها، وبالتحديد على صعيد إمدادات "الذخيرة والدفاعات الجوية"، بما أثار شكوك وزارة الدفاع الأميركية بإمكانية "نجاح هجوم الربيع" الذي تنوي القوات الأوكرانية البدء فيه قريباً، حسب بعض التقارير التي ذكرت أنّ الوثائق تشير في هذا المجال إلى "الطرق" التي توسلتها الجهات الاستخباراتية الأميركية لجمع معلوماتها العسكرية في هذا الخصوص.

وهذه مسألة دقيقة، إذ إنّ الكشف عنها يفضح طرق الحصول عليها، وربما يعرّض أشخاصها للخطر، إذا كانت قد اعتمدت على العنصر البشري في جمعها، خصوصاً ما ذُكر لناحية "الاختراق الأميركي للقوات الروسية، وبما مكّن أحياناً من تحذير القوات الأوكرانية مسبقاً من هجمات روسية قادمة في المكان والزمان المحددين".

ولا يقلّ إحراجاً أنّ الوثائق حملت معلومات أيضاً عن حلفاء كانوا موضع تجسس، مثل إسرائيل (الحديث عن أن الموساد دفع باتجاه دعم التظاهرات ضد حكومة بنيامين نتنياهو)، وكوريا الجنوبية (لتزويد أوكرانيا بالذخائر)، ومصر التي تعمل على "تزويد موسكو بالقذائف الصاروخية"، حسب ما ذكرته "واشنطن بوست" الإثنين. فهذه معلومات محرجة، والأهم أنها مكلفة أمنياً، واستخباراتياً، وإن ذهبت بعض الكتابات الروسية إلى حدّ التحذير من المبالغة في قراءة قصة الوثائق هذه، التي "قد تكون جزءاً من حملة تضليل" يقوم بها البنتاغون.

لكن واشنطن ردت على الموضوع بشيء من الارتباك والشعور بالانكشاف. المتحدث باسم الخارجية أبدى، الإثنين، الكثير من التحفظ والحذر في رده على الأسئلة. امتنع عن الخوض في التفاصيل، ورفض تأكيد أو نفي ما تردد عن الموضوع، بحجة أنه صار في عهدة "وزارة العدل، التي فتحت تحقيقاً جزائياً بشأنه"، فضلاً عن التحقيقات التي تقوم بها الجهات التي كانت معنية بالملف، ولا يُستبعد أن تتجه الشكوك نحوها، وهذا أمر طبيعي، حيث إن ما تكشّف بدا وكأنه جاء في إطار عملية "الإحاطة" التي تقوم بها هذه الجهات من المختصين، لوضع "القيادات العسكرية في الوزارة مثل رئيس الأركان" في صورة آخر المعلومات. الاحتمال الثاني أن يكون مصدر الاختراق استخباراتياً خارجياً، وربما كان ذلك وراء حالة الصدمة في التعامل مع هذا التطور.

وفي كل حال، هذه ليست المرة الأولى التي تبرز فيها مشكلة فضح وثائق سرية، إما بالتسريب وإما في حفظها. معظم الإدارات عرفتها بهذه الصورة أو تلك، وإن بدرجات، لذا أثارت الكثير من الجدل في الكونغرس الذي سنّ قانون السرية في 1980. مع ذلك، بقيت السرية مستباحة بصورة أو بأخرى، وكان آخر فصولها مع الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي نقل صناديق من الوثائق السرية إلى مقر إقامته في فلوريدا بعد نهاية رئاسته، ما تسبّب له بإشكال مع القانون، قد يؤدي إلى إدانته جزائياً.

كذلك، تم العثور على وثائق في منزل نائب ترامب، مايك بنس، وأيضاً في مرأب منزل الرئيس بايدن. ويعود ذلك إلى وجود مشاكل في عملية تبويب الوثائق، وتوضيبها، ومكان حفظها، فضلاً عن الوصاية عليها والعناية بضبطها. فالقانون تشوبه نواقص من هذه النواحي، وحتى على صعيد المدة الزمنية للسرية؛ فمنها ما يُفرج عنها بعد مضي 30 سنة عليها، وأخرى بعد 50 سنة، وغيرها أكثر، مثل بقايا أسرار مقتل الرئيس السابق جون كينيدي، والتي ما زالت قيد الحفظ حتى الآن.

وثائق البنتاغون هذه لم يمضِ عليها سوى شهرين، قبل أن يجري تسريبها، والمؤذي فيها توقيتها، خصوصاً بالنسبة لإدارة بايدن، التي استنفرت كل إمكاناتها لتمسك برأس الخيط في هذه العملية المحرجة لها، في لحظة تعاني من شعور بانتكاس جيو-سياسي، لاسيما في الشرق الأوسط.

المساهمون