تكررت بشكل مكثف في النرويج، بعد انفجار خطي الغاز الروسيين، نورد ستريم 1 و2 في بحر البلطيق، طلعات طائرات مسيّرة مجهولة المصدر فوق مناطق تعتبرها أوسلو "مهمة"، وممتدة من أقصى الشمال إلى الوسط، وفوق مطارات الساحل الغربي إلى بحر الشمال، حيث تنتشر منصات استخراج النفط والغاز.
واضطر رئيس حكومة يسار الوسط، يوناس غار ستورا، إلى الخروج في مؤتمر صحافي قبل ظهر اليوم الأربعاء، ليتحدث عن تلك الحوادث، وآخرها صباح اليوم فوق مطار بيرغن، مؤكداً أنه "لن يسمح للروس بتطيير مسيّرات في النرويج". وشدد ستورا على أنه "من غير المقبول بتاتاً أن تقوم خدمة استخبارات أجنبية بتحليق طائراتها بدون طيار فوق المطارات النرويجية".
ويُعدّ هذا التصريح المرة الأولى التي توجه فيها أصابع الاتهام رسمياً نحو عملاء للاستخبارات الروسية، بعد سلسلة طويلة من رصد تكثيف تحليق الطائرات في البلد، وفوق مناطق حساسة في البلد الجار السويد.
أوسلو، التي تنتمي إلى حلف شمال الأطلسي وليست عضواً في الاتحاد الأوروبي، لم تمنع كبقية دول القارة تحليق السائحين الروس طائراتهم في سماء البلاد، وهو ما أتاح، وفقاً لمراقبين محليين، استمرار تدفق البعض عبر الحدود البرية الشمالية بحجة ممارسة تلك الهواية.
وقبل نحو أسبوع، وعلى ضوء تصاعد التوتر والانتشار العسكري غير المسبوق في أقصى الشمال النرويجي بمحاذاة حدود روسيا، جرى توقيف رجل روسي كان يحاول تهريب مسيّرتين وعدد من الأقراص الصلبة المخزن عليها أنشطة المسيرات وغيرها، وسط تكتم أمني بعد استلام جهاز الاستخبارات النرويجية للقضية.
وتعيد هذه الأوضاع بشكل واضح أجواء الحرب الباردة بين روسيا والغرب، على امتداد منطقة الدائرة القطبية الشمالية، مروراً ببحر الشمال ونحو البلطيق، حيث تزداد الأنشطة الروسية التي يعتبرها البعض "استعراض قوة"، كنشر قاذفات استراتيجية في مطار روسي لا يبعد عن الحدود النرويجية والفنلندية الشمالية سوى عشرات الكيلومترات.
والجديد هذه المرة أن الحكومة النرويجية لم تتردد للمرة الأولى، بعد سلسلة من الحوادث، في التلميح إلى وجود دور للاستخبارات الروسية الخارجية في تحليق طائرات بدون طيار حول المطارات وفوق المنشآت الهامة، بما فيها النفطية والغازية.
وعلى الرغم من أن رئيس الحكومة في أوسلو طمأن شعبه الأربعاء بأنه لا خطر يتهدد بشكل مباشر البلاد، إلا أنه اعتبر أن "الوضع خطير".
اعتقال نجل أحد المقربين من بوتين
وبالتزامن مع المؤتمر الصحافي، أكد الأمن النرويجي أنه جرى اعتقال مواطن روسي في هامرفيست، بحسب ما نشرت "داغبلاديت" النرويجية. ويُعتبر الاعتقال الذي جرى اليوم هو السابع من نوعه خلال الأسابيع الأخيرة.
وكشفت المصادر الأمنية للصحيفة أن الموقوف في الـ47 من عمره، وهو يحمل جنسية مزدوجة، بريطانية-روسية، وقد ضُبط وهو يقوم بتحليق طائرته فوق سفالبارد (جزء من الأرخبيل النرويجي في المتجمد الشمالي).
وسرّبت المصادر لـ"داغبلاديت" أن الرجل الموقوف هو نجل أحد رجال الأعمال المتحالفين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبأن رجل الأعمال هذا موضوع على قائمة العقوبات التي فُرضت بعد ضم شبه جزيرة القرم في 2014.
جهاز الاستخبارات النرويجي "بي إس تي"، بحسب مصادره لصحيفة "في غي"، ليس لديه شك بأن ما يجري "جزء من أعمال استخباراتية روسية تتعلق بما يجري في أوكرانيا". وتنقل الصحافة المحلية أن التركيز الروسي على النرويج، في الحدود المشتركة مع روسيا وفنلندا أقصى الشمال، يتعلق أيضاً بنشاط عسكري متزايد من قبل الأطلسي من ناحية، والجانب الروسي في المقابل.
ويزداد التوجس النرويجي من الأنشطة الروسية، بعد أن جرى استهداف نورد ستريم 1 و2، والخشية على الأنابيب الممتدة من بحر الشمال نحو أوروبا، وآخرها "أنابيب البلطيق" نحو بولندا وعبر المياه الدنماركية.
ويتعاون النرويجيون والدنماركيون بشكل وثيق على مستوى الأمن والدفاع (بالإضافة إلى فنلندا والسويد بانتظار حسم عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو) تحت مظلة الحلف الأطلسي، لتعزيز أمن خطوط الطاقة من جهة، ومن جهة ثانية مراقبة التحركات العسكرية الروسية المنطلقة من جيب كالينينغراد الروسي على البلطيق نحو بحر الشمال، وتزايد الانتشار بأسلحة استراتيجية روسية في الدائرة القطبية الشمالية.
وكل ذلك لا يجري بعيداً عن الحليف الأميركي، الذي بات منتشراً بشكل أكبر مما كان عليه طلية العقود الثلاثة الماضية بعد انتهاء الحرب الباردة، إلى جانب تعاون أعمق مع دول البلطيق، التي يزداد فيها التواجد العسكري من مجموعة دول الشمال بتنسيق أميركي وغربي.