العراق: "داعش" يستغل التأزم السياسي لتوتير الوضع الأمني

العراق: "داعش" يستغل التأزم السياسي لتوتير الوضع الأمني

29 أكتوبر 2021
لم تتمكن القوات الأمنية من وقف انتقام المليشيات (Getty)
+ الخط -

أثارت أعمال العنف التي شهدتها محافظة ديالى، شرقي العراق، والحدودية مع إيران، مخاوف جدية لدى قوى سياسية ومراقبين من ارتداد الأزمة الحالية التي خلّفتها نتائج الانتخابات على المشهد الأمني في البلاد.
وجاءت هذه الأحداث بالتزامن مع حالة الجمود في الأزمة السياسية، وعدم نجاح خطوات المفوضية بإعادة فتح أكثر من ألفي محطة اقتراع واحتسابها يدوياً، في إقناع القوى التي تعرضت لخسارة كبيرة بالانتخابات، وهي التحالفات والقوائم المقربة من طهران، متمثلة بالفصائل المسلحة وتحالف "الفتح" وائتلاف "دولة القانون" و"تيار الحكمة" و"العقد الوطني"، وتحالف "النصر".

يتجه الكاظمي للإعلان عن قرارات بشأن الملف الأمني في ديالى ومناطق بصلاح الدين وشمال بغداد

وشهدت بلدة المقدادية ذات الخليط المتعدد، شمال شرقي ديالى، اعتداءً إرهابياً لمسلحي تنظيم "داعش"، استهدف قرية تقطنها عشيرة بني تميم، مخلفاً 14 قتيلاً وأكثر من 15 جريحاً، قبل أن تقوم مليشيات مسلحة، تستقل عربات تابعة لـ"الحشد الشعبي"، باقتحام قرية نهر الإمام المجاورة لها، بدعوى أن الإرهابيين قدموا منها ونفذوا هجومهم، وقامت بعمليات إعدام ميدانية لرجال ونساء داخل منازلهم، بلغت حصيلتها لغاية الآن 12 شخصاً، بينهم سيدتان، كما أحرقت مركزاً صحياً ومسجداً وعدة منازل. وقد ترتب على هذا الأمر موجة نزوح واسعة من القرية إلى مناطق مجاورة، من دون أن تتمكن قوات الجيش والشرطة من إيقاف رد فعل المليشيات الانتقامي، الذي طاول بساتين القرية ومحطة المياه الوحيدة فيها. ولم تتوقف الهجمات عند محافظة ديالى، إذ نفذ مسلحو "داعش" هجوماً على ثكنة للجيش العراقي في محافظة صلاح الدين واستولوا عليها، مع تسجيل عدة ضحايا من أفراد الجيش.
يأتي ذلك في وقت تواصل فيه قوات الأمن حالة التأهب في العاصمة بغداد، وخصوصاً قرب المنطقة الخضراء ومطار بغداد الدولي. وامتدت الإجراءات الأمنية إلى قرب مقر مجلس القضاء الأعلى، ليلة أمس الأول الأربعاء، بعد تنظيم أتباع القوى الخاسرة في الانتخابات تظاهرات أمام مبنى مجلس القضاء في خطوة تصعيدية جديدة.

ويتخوف مسؤولون في الحكومة العراقية وسياسيون من استغلال الاعتداءات الإرهابية المتصاعدة التي تحصل في البلاد منذ أيام، من قِبل الفصائل المسلحة الحليفة لإيران، التي أخفقت في الحصول على نتائج جيدة في هذه الانتخابات، والتي تواصل تصعيد خطابها الرافض للنتائج والمهاجم للحكومة ومفوضية الانتخابات وبعثة الأمم المتحدة.

وتوعد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بملاحقة منفذي جريمة المقدادية. وقال في بيان صدر عن مكتبه: "جرّب الإرهابيون فعلنا. نفي بما أقسمنا، سنطاردهم أينما فرّوا، داخل العراق وخارجه، وجريمة المقدادية بحق شعبنا لن تمر من دون قصاص". وبحسب مصادر أمنية وحكومية عراقية في بغداد، فإن الكاظمي يتجه للإعلان عن قرارات عسكرية جديدة ستصدر قريباً بشأن الملف الأمني في ديالى ومناطق أخرى من صلاح الدين وشمال بغداد، لسحب البساط من تحت أقدام فصائل مسلحة تمتلك أجنحة سياسية أخفقت في الحصول على نتائج ملموسة بالانتخابات، وهي الأطراف المتورطة بالعنف الطائفي الأخير في ديالى، وأبرزها مليشيات "بدر"، و"عصائب أهل الحق"، و"كتائب حزب الله".
وقال مسؤول حكومي في بغداد، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "الإجراءات تهدف لمنع استغلال الملف الأمني من قبل تلك الأطراف، أو تصعيده بردود فعل انتقامية للتغطية على خسارتها في الانتخابات"، متهماً فصائل مسلحة وصفها بـ"الولائية" (في إشارة إلى ارتباطها بإيران)، بمحاولة "استغلال نشاطات تنظيم داعش لترحيل سكان بعض القرى والسيطرة على الأراضي، وهو ما يسعى الكاظمي إلى منعه".

في السياق، أكد رئيس مجلس قضاء المقدادية عدنان التميمي، وهي المدينة التي شهدت التوتر الأمني الدامي، أن "المشاكل السياسية والفساد في المؤسسات العسكرية والأمنية في محافظة ديالى، والصراعات الحزبية على المناصب في ديالى وبغداد، كلها أسباب تؤدي في النهاية إلى تراجع الأمن في المناطق الساخنة". وأوضح، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الاعتداء الذي تعرضت له قرية الرشاد أدى إلى مقتل مواطنين أبرياء، كما أدى حالياً إلى نزوح الأهالي من قرية نهر الإمام القريبة من القرية المستهدفة، حيث أقدمت مجموعات مسلحة على انتهاكات إنسانية واسعة في القرية، وعلى إجبار الأهالي على ترك منازلهم. وأقدمت أيضاً على حرق البساتين بحجة تطهير الأراضي التي يتوقع أن يكون عناصر (داعش) موجودين فيها. وهذه الخروقات والمشاكل الأمنية تتسبب بها جماعات مسلحة، وهي تسعى إلى تأجيج الخطاب الطائفي. لكن في ديالى هناك عقلاء سيمنعون أي عودة إلى مرحلة الطائفية".

اعتبر أحمد حقي أن القوى الخاسرة بالانتخابات مستفيدة من التوتر الأمني الحالي

لكن الناشط في التيار المدني العراقي أحمد حقي، قال إن القوى الخاسرة تستفيد من التوتر الأمني الحالي. وأضاف، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أنها "تحاول الخروج من أزمة خسارتها في الانتخابات بافتعال أزمة أخرى في الشارع، بعدما أدركت أن نتائج الانتخابات ماضية وأن إلغاءها بات مستحيلاً، والاحتجاجات التي تقوم بها غير مجدية حالياً". ووصف موقف حكومة الكاظمي بأنه ضعيف، وأنها أخفقت في حماية المدنيين من هجمات المليشيات، كما أخفقت في حماية المدنيين من هجمات "داعش".
من جهته، أشار عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان السابق بدر الزيادي إلى أن "داعش لم ينته في العراق، وهو يعمل على حرب استنزاف دائمة في المناطق العراقية جرّاء بعض الإخفاقات الأمنية من جهة، وامتناع الأهالي عن مساعدته، وأخيراً بات يعمل على تأجيج الطائفية في البلاد". وأضاف: "خاطبت لجنة الأمن والدفاع البرلمانية مراراً الحكومة بهذا الشأن، وتحدثنا عن ضرورة دعم بعض مناطق ديالى وكركوك وصلاح الدين وغرب الموصل بقوات الجيش حصراً، لكن ما حصل من دعم لم يكن بمستوى الطموح". وتوقع، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "يسعى التنظيم إلى اختراق أي ثغرة، سواء كانت أمنية أو سياسية أو اجتماعية في المناطق الساخنة، لذلك لا بد من خطط أمنية جديدة لمنع الإرهاب وإنقاذ الأهالي من الخطاب الطائفي".

أما الخبير الأمني العراقي أحمد الشريفي، فلفت إلى أن ما تبقّى من عناصر تنظيم "داعش" باتوا "يلعبون على أوتار حساسة جداً في العراق، ولا سيما الورقة الطائفية"، وقال إن "التنظيم الإرهابي يراقب الأوضاع في البلاد، خصوصاً الحالية التي تشهد فراغات سياسية واضطرابات حزبية ومراحل انتقالية تمر بها معظم مفاصل الحكومة، لذلك يقوم باستهدافات يظن أنه سيحقق من خلالها غايات محددة، لكنها لا تؤكد غير أن التنظيم يعاني على مستويات كثيرة، منها التمويل والتسليح".

أحمد الشريفي: ما تبقّى من عناصر "داعش" باتوا يلعبون على أوتار حساسة جداً في العراق

ورأى الشريفي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "داعش يهاجم بعض قرى محافظة ديالى ذات الخليط المتعدد، بهدف إذكاء الطائفية"، مضيفاً أن "المرحلة الحساسة والقلقة في الوضع السياسي العراقي تساهم بخلق توتر إضافي في المناطق المهددة أمنياً، والعمل الإرهابي الذي حدث في المقدادية يجب أن يدفع لمنع أي محاولات من قبل (داعش) أو أطراف محلية لبث الروح في الخطاب الطائفي الميت، عبر تعزيز أمني سريع واعتماد تقنيات حديثة في العمل الاستخباري، إضافة إلى تدعيم الثقة والعلاقات مع العشائر في القرى والمناطق التي تتعرض لهجمات إرهابية". وأشار إلى أن "هناك ضرورة لحل أزمة التداخل الأمنية بين الحشود المسلحة من جهة، وقوات الجيش والشرطة، وإجراء عمليات بحث وتطهير للبساتين وملاحقة ما تبقى من عناصر التنظيم".

المساهمون