الديمقراطية الأفريقية على الطريقة الفرنسية

04 سبتمبر 2023
اعتبرت كولونا أن ما حصل في النيجر "إنكار للديمقراطية" (الأناضول)
+ الخط -

لا تتساوى الانقلابات في المعيار الفرنسي، فهناك انقلاب ترضاه وتدعمه، وانقلاب ترفضه وتندد به. أما الدستور والمؤسسات والانتخابات والشرعية فهي مهمة عندها حيناً وغير ذات بال حيناً آخر.

الأسبوع الماضي، اعتبرت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، أن ما حصل في النيجر "إنكار للديمقراطية"، وأكدت أن "باريس ستواصل دعم النظام الدستوري، حتى وإن تردد آخرون".

ورأت كولونا، في تصريح إعلامي، أن "الأحداث الأخيرة في النيجر تؤكد أن المؤسسات الديمقراطية مهمة والانقلابيين سيفشلون"، مشددة على أنه "لا يوجد انقلابيون ديمقراطيون". نعم هكذا قالت، لا يوجد انقلابيون ديمقراطيون، من دون أن يرفّ لها جفن، أو تتذكر لوهلة صغيرة أن هناك بلداً اسمه تونس لا يبتعد عن النيجر كثيراً، حصل فيه ما يشبه قتل المؤسسات الدستورية، ووُضع رئيس برلمانه المنتخب شرعياً ودستورياً في السجن، ويُعتقل فيه سياسيون وإعلاميون ومدونون.

لكن ليست فرنسا وحدها، فالجزائر، الشقيقة الكبرى كما يسميها التونسيون، لا تلتفت شرقاً إلى جارتها تونس، بينما تطرح مبادرة سياسية لحل الأزمة في النيجر، وتتضمن "استعادة المسار الدستوري" في غضون ستة أشهر، بقيادة شخصية مدنية متوافق عليها.

يتساءل عدد من أشقاء الجزائر في تونس، لماذا لم تبادر بطرح وساطة في الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد، والعودة إلى المسار الدستوري كما في النيجر، وقد سبق أن فعلت، ونجحت، عندما جمعت الباجي قايد السبسي وراشد الغنوشي وقرّبت بينهما، وكانت سبباً رئيسياً في التوصل إلى نزع فتيل الأزمة في البلاد.

لكن الغرابة لا تقف عند هذه المواقف فقط، فقد ذُهل تونسيون، للمرة الثانية بعد انقلاب النيجر، من بيان وزارة الخارجية التونسية من الانقلاب في الغابون، فقد ذكر أن "تونس تؤكد أهمية الاحتكام للقانون واستعادة النظام الدستوري، وتدعو جميع الأطراف الغابونية إلى ضبط النفس وإعلاء المصلحة الوطنية العليا حفاظاً على أمن واستقرار وسلامة هذا البلد". نعم تدعو تونس إلى استعادة النظام الدستوري.

وحديث الغرابة لا يتوقف، وكم يحتاج المتابع إلى صبر خرافي لتحمّل كل هذا العذاب. فقد تابع تونسيون، الأسبوع الماضي، حديث الوزير الأسبق محمد عبو، الذي كان أبرز مشجعي الرئيس قيس سعيّد على تفعيل الفصل 80، على مدى أشهر من الزمن، وهو يدعو اليوم إلى إسقاطه. وعلى الرغم من أن في هذا شجاعة تُحسب لعبّو في محاولة إصلاح خطأ جسيم، فإنّها تبيّن كم أن النخبة التونسية كانت قصيرة النظر، وتُدفّع اليوم شعبَها ثمن ذلك.

المساهمون