الحكومة السودانية: 4 ملفات تحسم مصيرها

10 فبراير 2021
على الحكومة احتواء الغضب الشعبي المتزايد (أشرف شاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

ستجد الحكومة السودانية الجديدة، نفسها في مواجهة جملة من التعقيدات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية في المرحلة المقبلة، من الصعب عليها تجاوزها في الوقت القريب، على الرغم من حالة التفاؤل لدى كثيرين. وسمى رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، أول من أمس الإثنين، 25 وزيراً في الحكومة الجديدة، توزعت حصصها بين شركاء الحكم الثلاثة؛ تحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير" الذي حصل على 17 وزارة حاز منها حزب "الأمة" القومي وحده على 6 وزارات، والحركات المسلحة التي انضمت للحكم أخيراً بعد توقيع اتفاق السلام، وحصلت على 7 وزارات، والمكون العسكري الذي احتفظ بوزارتي الدفاع والداخلية. فيما تم تأجيل تسمية وزير للتربية والتعليم لإجراء مزيد من المشاورات، نتيجة خلافات حول من يتولى هذه الحقيبة داخل مكونات "الجبهة الثورية".

تحالف "الحرية والتغيير" هو الرابح الأكبر في الحكومة

وبكل الحسابات، يكون تحالف "الحرية والتغيير"، هو الرابح الأكبر من تلك القسمة الحكومية، باحتفاظه أولاً بمرشحه عبد الله حمدوك في منصب رئيس الوزراء، بعدما كانت تسربت دعوات خجولة غير علنية لتغييره، لا سيما من قبل بعض تيارات الجبهة الثورية، وبعض أعضاء المكون العسكري. كما حصل تحالف "الحرية والتغيير" الذي قاد الحراك الثوري ضدّ نظام الرئيس السابق عمر البشير، على أكبر نصيب من الوزارات، بإسناد 17 وزارة له، أبرزها وزارات الخارجية والصناعة والطاقة والإعلام والاتصالات. وما يلفت الانتباه عكس الحكومة السابقة، أنّ التحالف رشّح للحكومة الجديدة، قياداته الحزبية بدلاً من الكفاءات كما حصل في الحكومة السابقة. ففي وزارة الخارجية مثلاً، عينت مريم الصادق المهدي، نائبة رئيس حزب "الأمة" القومي، والمرشحة لخلافة والدها الراحل الصادق المهدي على رأس الحزب، في منصب وزيرة الخارجية، فيما اختير الأمين العام لحزب "المؤتمر السوداني"، لمنصب وزير شؤون رئاسة مجلس الوزراء، والقيادي في الحزب ذاته، إبراهيم الشيخ، في منصب وزير الصناعة. كما حافظ تحالف "الحرية والتغيير" على كامل عضويته في مجلس السيادة الانتقالي، علماً بأنّ لديه خمسة أعضاء في هذا المجلس.
وبالنسبة لـ"الجبهة الثورية"، وهي تحالف لحركات تمردت على نظام البشير، ودخلت الحكم بعد توقيعها اتفاق سلام مع الحكومة الانتقالية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فقد حصلت على 7 وزارات و3 أعضاء في مجلس السيادة، وكان نصيب "حركة العدل والمساواة" هو الأوفر، بتعيين رئيسها، جبريل إبراهيم، في منصب وزير المالية والتخطيط الاقتصادي، والناطق باسم الحركة معتصم محمد صالح، وزيراً للرعاية الاجتماعية. كما أنه وحسب ما رشح من معلومات، ستحصل الحركة على منصب وزير دولة بوزارة الخارجية، ومنصب نائب مدير جهاز الأمن والمخابرات.

أما المكون العسكري، فاحتفظ طبقاً للوثيقة الدستورية بحقيبتي الدفاع والخارجية، إذ أُبقي على وزير الدفاع الفريق ياسين إبراهيم في منصبه، فيما استبدل وزير الداخلية، الفريق الطريفي إدريس، بالفريق عز الدين الشيخ، المدير العام للشرطة السودانية، وهي خطوة لم يجد لها المراقبون تفسيراً.
وبمجرد الإعلان عن الحكومة الجديدة، شرع المراقبون في إبراز حجم التحديات التي ستواجهها، وأولها الضائقة الاقتصادية والمعيشية المتمثلة في ندرة السلع الضرورية وغلائها، مثل الخبز والوقود، والارتفاع اليومي في أسعار السلع والخدمات. هذا غير شحّ موارد الدولة من النقد الأجنبي، وتدهور قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية الأخرى، وارتفاع نسبة التضخم إلى أكثر من 250 في المائة. وتراهن الحكومة للحد من هذا التدهور الاقتصادي على حصولها على دعم من الدول ومؤسسات التمويل الدولية، فضلاً عن تنمية الموارد الذاتية، إذ أعلن حمدوك صراحة نيته ضخّ ما يزيد عن 400 مليون دولار، وهو المبلغ الذي يتوقع حصول الحكومة عليه من الخارج، في زيادة الإنتاج النفطي، وكذلك تأهيل المشاريع الزراعية.

هناك تحديات عديدة على المستوى الأمني

هناك كذلك تحديات على المستوى الأمني، خصوصاً بعدما واجهت البلاد في الفترة الأخيرة أحداثاً دامية، منها النزاعات القبلية المتكررة، لا سيما شرق وغرب البلاد، والتي أودت بحياة المئات. كما يشهد السودان تفلتات أمنية، برزت أخيراً في مدينتي الأبيض (غرب) والقضارف (شرق)، إذ شهدت المدينتان، حالات نهب وسلب وتخريب للممتلكات العامة. كما تستمر الاحتجاجات الشعبية بإغلاق الطرق الداخلية أو طرق المرور السريع. وفي السياق، شهدت مدينة نيالا، مركز ولاية جنوب دارفور، غرب البلاد، أمس، محاولات سلب ونهب، تصدت لها الشرطة. وبدأت الأحداث بخروج تظاهرة في المدينة، لليوم الثامن على التوالي، احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية وغلاء أسعار الخبز، قبل أن يحاول المحتجون دخول أكبر أسواق المدينة.
وما يزيد المشهد الأمني قتامة، التوترات على الحدود الشرقية مع إثيوبيا، وذلك بعد أن بدأ الجيش السوداني، منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عملياته العسكرية في المنطقة، لاسترداد أراضي منطقة الفشقة الكبرى والصغرى والتي يقول إنّ عصابات مدعومة من إثيوبيا تسيطر عليها منذ العام 1995. وليس مستبعداً أن تتوسع تلك التوترات إلى حرب بين البلدين، على الرغم من تأكيد كل من الخرطوم وأديس أبابا عدم رغبتهما في الدخول في حرب. وبحال حدث هذا السيناريو، فإنه سيؤدي لتبعات كارثية إضافية على الوضع الكلي للبلاد.
قد لا تكون التعقيدات الأمنية من مسؤولية الحكومة وحدها، ذلك لأنه حسب الاتفاق السياسي بين العسكر والمدنيين في أغسطس/آب 2019، فإنّ مسؤولية الأمن إلى حدّ كبير هي في يد المكون العسكري المسيطر على الجيش والشرطة وقوات الدعم السريع وجهاز المخابرات. وفي كثير من الأحداث الأمنية، توجه الانتقادات للمكوّن العسكري، ويتهم بالتراخي في التعاطي مع الأحداث الأمنية، بهدف إحراج الحكومة المدنية، خصوصاً إذا ما توترت العلاقة بين العسكر والمدنيين.

لن تجد الحكومة الطريق مفروشاً بالورود على المستوى السياسي

سياسياً، لن تجد الحكومة الطريق مفروشاً بالورود، حتى من أقرب المقرّبين، ذلك لأن شركاء الحكم الثلاثة؛ "الحرية والتغيير" و"الجبهة الثورية" والمكون العسكري، بينهم خلافات عديدة، وداخل كل مكون تباينات وتقاطعات داخلية، ربما تشغلهم عن توفير الغطاء والدعم السياسي للحكومة، تماماً كما حدث بالنسبة لحكومة حمدوك الأولى.
كذلك، تواجه الحكومة على المستوى السياسي، معارضة شرسة من جانب حزب الرئيس المعزول عمر البشير، "المؤتمر الوطني"، الذي بدأ في تحريك قواعده في تظاهرات شبه يومية. هذا غير التيارات الإسلامية القريبة من "المؤتمر الوطني"، والتي لديها مواقفها وتحفظاتها على العديد من التوجهات الحكومية، خصوصاً في ما يتعلق بالتطبيع مع إسرائيل، والتوجه نحو فصل الدين عن الدولة، والتعديلات على القوانين ذات الصبغة الدينية، أو التغيير في المناهج الدراسية. كما ستصطدم الحكومة بغضب الشارع العريض غير المسيّس، احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.

وفي ظلّ هذه التحديات والمصاعب، من المنتظر أن تجتمع الحكومة في القريب العاجل، حسب حمدوك، لإقرار برنامج متفق عليه، حدد رئيس الوزراء ملامحه، ولا سيما في ما يتعلق بإكمال عملية السلام مع الحركات المتمردة التي لا تزال بعيدة عن الحكومة الانتقالية. والحديث هنا تحديداً عن حركة "تحرير السودان" بقيادة عبد الواحد محمد نور، و"الحركة الشعبية لتحرير السودان" بقيادة عبد العزيز، وهما من أكثر الحركات تأثيراً على الأرض، إذ تحوز الأولى على قاعدة شعبية عريضة خصوصاً في دارفور، فيما تحوز الثانية أيضاً على قاعدة شعبية في جنوب كردفان وقوة عسكرية ضخمة ميدانياً.
ويعطي البرنامج الحكومي كذلك أولوية قصوى لحلحلة الضائقة المعيشية، والاستمرار في العمل على تطوير علاقات السودان الخارجية، ولا سيما مع مؤسسات التمويل الدولية، بما يضمن الحصول على قروض ومنح وإعفاء من الديون، وتهيئة المناخ للشركات العالمية للاستثمار في البلاد. ولا يجهل البرنامج، أهمية إصلاح مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، ومعالجة الاختلالات الأمنية المتكررة، مع إكمال هياكل السلطة الانتقالية، بداية بالمجلس التشريعي، وتعيين ولاة جدد وتشكيل المفوضيات المستقلة، وتحقيق العدالة الانتقالية، والالتزام بمبدأ عدم الإفلات من العقاب.

عبد الحميد: نسبة التفاؤل أعلى هذه المرة مما كانت عليه مع تشكيل الحكومة السابقة

في السياق، يقول مقرر المجلس المركزي لـ"الحرية والتغيير"، كمال بولاد، إن الحكومة الجديدة "جاءت نتيجة لتوافق سياسي عريض، والفرصة أمامها كبيرة لتحمّل مسؤوليتها التاريخية للعبور بالبلاد إلى بر الأمان"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "أهم ما يميّز التشكيل الحكومي الجديد، هو أنّ القوى السياسية دفعت هذه المرة بكوادرها وقيادات الصفوف الأمامية فيها، لتولي حقائب وزارية، ما يفرض عليها بذل جهد أكبر للعمل وتحقيق الإنجازات".
ويشير بولاد إلى أنّ "هناك شبه اتفاق على برنامج شامل لحلحة القضايا المعيشية والأمنية والسياسية، وتجاوز كل المطبات أمام التحول الديمقراطي، وذلك حتى تصل البلاد إلى مرحلة صندوق الاقتراع، الذي يعدّ البداية الحقيقية للتحول الديمقراطي"، مشدداً على "أهمية وضع سياسات واضحة ومستعجلة في البداية لوقف التدهور الأمني والمعيشي".
أما المحلل السياسي عبد الماجد عبد الحميد، فيرى أنّ "نسبة التفاؤل أعلى نسبياً هذه المرة مما كانت عليه مع تشكيل الحكومة السابقة، ذلك لأن معظم أطراف الحكم وصلت لقناعة بأهمية الاتفاق والتوافق على الحد الأدنى من البرامج، لمواجهة الأزمات بصورة جدية". ويضيف في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "يتعيّن على كل الأطراف الإقليمية والدولية أن تدرك أنّ زرع القلاقل في طريق الحكومة الجديدة، يعني تماماً القضاء على التجربة الديمقراطية الناشئة، وفتح المجال أمام تفتت السودان وتحوله إلى جزر مناطقية وقبلية، وهذا لن يكون بأي حال من الأحوال من مصلحة أي من الأطراف الإقليمية والدولية". ويستبعد عبد الحميد دخول الحكومة في مصالحة مع النظام السابق لأنّ ذلك "سيفقدها قواعد وكيانات وقوى صنعت الثورة"، موضحاً أنّ "المصالحة إن فكرت فيها الحكومة، فينبغي أن تكون شاملة ولا يُعنى بها النظام السابق وحده".

المساهمون