الجزائر... مواطن أم مخبر؟

الجزائر... مواطن أم مخبر؟

15 مارس 2023
بن قرينة في العاصمة الجزائرية، مايو 2021 (بلال بن سالم/Getty)
+ الخط -

أسوأ ما في المناكفة السياسية أنها تستدرج المسؤول إلى لعبة الخطاب، إذ دعا عبد القادر بن قرينة، رئيس حركة البناء الوطني، وهو حزب إسلامي جزائري، بصراحة بالغة، الجزائريين إلى العمل كخبارجية (مخبرين) لدى الأجهزة الأمنية والجيش ومؤسسات الدولة كافة.

مثل هذا الخطاب يعيد إنتاج نماذج من الأحزاب العربية التي كانت لصيقة بالمعنى الأمني (البعث العراقي والدستوري في تونس)، ويقود إلى مناخ "حرب الكل ضد الكل"، بل يربك كثيراً المؤسسات القائمة على الأدوار السياسية والأمنية والقضائية، لأن من أساليب التشويش والإجهاد الأمني إغراق المؤسسات في كم هائل من البلاغات والتقارير والأخبار، لكل منها دوافع وغايات.

عندما سقط العراق في عام 2003، وجدت على قارعات الطرق والشوارع تقارير كان يكتبها جار عن جاره، وتاجر عن تاجر، وطالب عن أستاذ، ونادل عن فنان، كان كل ذلك تحت العنوان نفسه "حماية الوطن من الأعداء".

ومع ذلك لم يصمد العراق كثيراً، ليس لأن المحتلين كانوا أكثر عدة وعدداً، ولكن لأن معنى المواطنة كان مغيباً في العراق، فكان كل مواطن إما مشروع سجين إلى أن يثبت العكس، أو مشروع مخبر إلى أن يجازى.

مشروع واحد يجب أن يكون هو المشروع الأساس للدولة والحزب في الجزائر، وهو المواطنة، وحينها لا تحتاج الدولة إلى مخبرين بالمعنى الذي يطرحه رئيس الحزب الإسلامي، سيكون كل شيء في مكانه بالشكل الصحيح، عندها يصبح المواطن واثقاً بالقانون ومقتنعاً بالمؤسسات، وسيؤدي دوره الواجب، وتصبح الصحافة الحرة ضوءاً مسلطاً على الفساد والانحرافات، من دون توجيه أو ابتزاز.

وتصبح العدالة المستقلة أيضاً قائمة بالعدل من دون ضغط، والمسؤولية مهما كانت طبيعتها وظيفة وليست نفوذاً، ويصبح البرلمان رقابة ناجزة لا امتيازاً، وتتحرر الأجهزة نفسها من كل توظيف.

شاهد الجزائريون خلال سنوات خلت كيف كان قادة أحزاب ونقابيين، ورؤساء حكومات ووزراء، وقادة أجهزة أمنية ومدراء صحف، يوزعون صكوك الوطنية ويحذرون من "أعداء الأمة" ومن "المتآمرين"، قبل أن تنكشف الوقائع الفاضحة، ويكتشف الجميع أن هؤلاء كانوا أكبر المتآمرين على البلد (عشرات المسؤولين السياسيين والعسكريين في السجون)، وهم أكثر من ساهم في الخراب السياسي والفساد والمالي.

وظهر أن من كانوا يتهمون المعارضين لمجرد موقف سياسي، كانوا أكبر المخربين للبلد، وأكثر "المخبرين" الذين سلموا مقدرات البلد للخارج. السياسي الذي لا يضبط خطابه ولا يختار مفرداته، تختار له مفرداته مكانه الصحيح.