الانتخابات تعمّق خلاف الحكومة الباكستانية وعمران خان: حوار بلا نتيجة

الانتخابات تعمّق خلاف الحكومة الباكستانية وعمران خان: حوار بلا نتيجة

04 مايو 2023
باكستانية تتلقى مساعدة حكومية، إسلام أباد،31 مارس (فاروق نعيم/فرانس برس)
+ الخط -

لم يكن التحالف الحاكم في باكستان، في وارد التفكير بالجلوس على طاولة الحوار مع المعارضة، وتحديداً "حركة الإنصاف" بقيادة رئيس الوزراء السابق عمران خان، لو لم تأمر المحكمة العليا حكومة شهباز شريف أكثر من مرة بإجراء الانتخابات في إقليمي البنجاب وخيبربختونخوا قبل 14 مايو/أيار الحالي، مع منحها فرصة لكل من الحكومة والمعارضة للتحاور والاتفاق على موعد محدد للانتخابات، ما يجعل وحده المحكمة تتراجع عن قراراتها السابقة لتترك القرار النهائي للسياسيين.

هكذا، دفعت قرارات المحكمة العليا الباكستانية الحكومة للتفاوض مع المعارضة، وكانت الجماعة الإسلامية، وزعيمها سراج الحق، الوسيط بينها وبين حزب خان، وعيّن الطرفان لجنة للتفاوض، برئاسة وزير الاقتصاد إسحاق دار عن جانب الحكومة، بينما مثّل حزب خان فريق يترأسه وزير الخارجية السابق شاه محمود قرشي، نائب رئيس الحزب أيضاً. وأجريت حتى الآن ثلاث جولات من التفاوض آخرها في الثاني من الشهر الحالي، لم تخرج بنتائج حاسمة، سوى تأكيد استمرار عملية التفاوض للوصول إلى حل.

دفعت قرارات المحكمة العليا الباكستانية الحكومة للتفاوض مع المعارضة، من دون التوصل إلى نتيجة حتى الآن

وكان خان، الذي أطاح البرلمان حكومته في إبريل/نيسان 2022، نتيجة سحبه الثقة عنها، قد دفع جميع أعضاء حزبه للاستقالة من برلماني البنجاب وخيبربختونخوا، واللذين كان لـ"حركة الإنصاف" الأكثرية فيهما، ليُصار إلى حلّ البرلمانين. ودستورياً، لا بد من إجراء انتخابات تشريعية خلال 90 يوماً من تاريخ حلّ البرلمان، سواء الإقليمي والمركزي، لكن حكومة شهباز شريف ترفض ذلك خشية استغلال خان الوضع الحالي والفوز في الانتخابات مرة أخرى، وهو ما يتوقعه مراقبون.

من جهته، لجأ خان إلى المحكمة العليا التي أمرت الحكومة بإجراء الانتخابات قبل 14 مايو الحالي، وهو ما لا تزال الأخيرة ترفضه، وما يدفع إلى تفاقم الصراع بينها وبين المعارضة، وبين الحكومة والمؤسسة القضائية. وتتمثل العقبة الأساسية في وجه عملية التفاوض بين المعارضة والحكومة، في تمسك كل بموقفه وعدم استعداده للتنازل، ما يجعل فرص نجاح هذه المفاوضات هشة.

مفاوضات هشّة بين الحكومة الباكستانية والمعارضة

ورأى المحلل السياسي والإعلامي الباكستاني شاكر عباسي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المفاوضات حول انتخابات الإقليمين قد تستمر لكن فرص نجاحها هشّة للغاية، والسبب هو إصرار كل من الحكومة وحزب خان على موقفه، وكل له حججه: فالحكومة تقول إنها تنتظر حتى استكمال فترتها القانونية أي حتى أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وهي تعمل على تقديم الميزانية إلى البرلمان حتى ذلك الحين، مؤكدة أنه أمر ضروري للغاية خصوصاً في ظلّ الأجواء المعيشية الحرجة التي تشهدها باكستان. في المقابل، يؤكد حزب خان أنه من الضروري تطبيق أمر المحكمة العليا وكذا العمل وفق الدستور.

ولفت عباسي إلى أن المشكلة الأساسية تكمن في سعي كل طرف للحفاظ على مصالحه، في حين أن البلاد تمر بمرحلة صعبة اقتصادياً ومعيشياً، مشدداً على أن هذا الوضع يشكّل بحدّ ذاته ورقة قوية في يد "حركة الإنصاف"، إذ يستغل حزب خان الوضع المعيشي في البلاد لتحريك الشعب والشارع، علماً أن الشعب على أهبة الاستعداد للوقوف في وجه الحكومة بسبب الغلاء، وفق اعتقاده.

وكان خان قد أكد خلال كلمة ألقاها أمام مسيرة لأنصاره في مدينة لاهور (عاصمة محافظة البنجاب) في الأول من الشهر الحالي، أن الحكومة "ليست إلا مجموعة من المجرمين الضالعين في الفساد، فيما المواطن يدفع الثمن"، معرباً عن قناعته بأن الحكومة لا تريد إجراء الانتخابات وتنفيذ أمر المحكمة العليا، بل تسعى إلى شراء الوقت من أجل إخراجه وحزبه من الساحة السياسية.

لكنه أضاف: "لن نلين ولن نتنازل عن حقنا ومطالبنا، وأطلب من الحكومة مرة أخرى أن تعمل من أجل تطبيق القانون وإلا فإنها ستتحمل كلفة النتائج الوخيمة"، مهدداً بالاحتكام إلى الشارع. وشدّد خان على أن "لنا مطلب واحد وهو حلّ البرلمانات قبل 14 مايو والعمل لإجراء الانتخابات، وإذا لم يحصل ذلك، فسنعتمد جميع السبل للضغط على الحكومة وإطاحتها".

تشدّد المعارضة على ضرورة إجراء الانتخابات في إقليمي البنجاب وخيبربختونخوا قبل 14 مايو الحالي، فيما تقول الحكومة إن موعدها ليس قبل أكتوبر

وفي تعليق له، قال القيادي في "حركة الإنصاف" سمويل يعقوب بيلو، وهو عضو سابق في برلمان إقليم البنجاب، لـ"العربي الجديد"، إن حركة الإنصاف تسعى بكل ما أوتيت من قوة ومن نفوذ من أجل تطبيق القانون، لافتاً إلى أن المحكمة العليا هي التي تدير المؤسسة القضائية وقد قرّرت في ضوء الدستور أن تجرى الانتخابات في الإقليمين في 14 مايو. وأضاف: "نسعى من أجل ذلك بكل وسائلنا ولا تنازل عن مطلبنا مهما كان الثمن".

وحول مجريات المفاوضات، قال يعقوب بيلو إنها "ستستمر من أجل تطبيق أوامر المحكمة لكن إذا حاولت الحكومة استخدام المفاوضات من أجل إرجاء الانتخابات، حينها سننزل إلى الشارع ونضع القضية في يد الشعب، ليبت فيها".

في المقابل، قال وزير التخطيط في الحكومة الباكستانية، القيادي في حزب الرابطة الحاكم، أحسن إقبال، في تصريح صحافي في الأول من مايو الحالي، إن الانتخابات ستكون في موعدها، وهو شهر أكتوبر المقبل، معتبراً أن قرارات المحكمة العليا منحازة إلى حزب واحد، ما يجعل الحكومة غير مسؤولة عن تطبيقها، وفق قوله.

الأمر نفسه شدّد عليه القيادي في حزب الرابطة الحاكم أمجد هاشمي، بقوله في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الحل الوحيد للخروج من الأزمة السياسية الحالية هو إجراء الانتخابات في موعدها المحدد (أكتوبر) لأنه عملياً لا يمكن الذهاب إلى انتخابات قبل هذا الشهر، معلّلاً ذلك بـ"الميزانية التي لا تسمح، وهو ما أوضحته الحكومة، كما أن الأجواء الأمنية غير متاحة لإجراء الاستحقاق".

دور كبير للمؤسسة العسكرية

ويرى مراقبون أن المؤسسة العسكرية في باكستان تلعب دوراً كبيراً في إرجاء الانتخابات، فبعد وزارة الدفاع، أكد الجيش الباكستاني أنه لا يمكنه توفير قوات لتأمين الحماية اللازمة للانتخابات، بسبب الأوضاع الأمنية في البلاد.

وتعقيباً على ذلك، اعتبر المحلل السياسي الباكستاني أكاش أحمد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المؤسسة العسكرية أوضحت أنه ليس بإمكانها توفير الحماية اللازمة للانتخابات، وأن الأجواء الأمنية في البلاد غير مواتية لإجراء الانتخابات، معتبراً أن موقف المؤسسة العسكرية يقوّي موقف الحكومة وهو أصبح ورقة قوية في يدها من أجل إرجاء العملية وعدم الاكتراث لأوامر المحكمة العليا.

أكد الجيش عدم قدرته على  توفير قوات لتأمين الانتخابات

لكن وعلى الرغم من دعم المؤسسة العسكرية للحكومة، وتوجهها إزاء الانتخابات المؤيد لموقف الأخيرة، إلا أن تحديات أخرى لا تزال تمثل في وجه حكومة شهباز شريف، وتعقد موقفها من الإرجاء، من أبرزها الصراع مع المؤسسة القضائية المتمثل في تغاضي الحكومة عن الامتثال لأوامر المحكمة العليا ومحاولتها تقليص صلاحيات رئيس المحكمة العليا. فبعدما قرّر البرلمان الباكستاني التعديل الدستوري الذي يقلص صلاحيات رئيس المحكمة العليا، جاءت المحكمة العليا لتعلن وقف قرار البرلمان معتبرة أنه محاولة للتدخل في شؤونها، وهو صراع لم يُحسم بعد.

بالإضافة إلى ذلك، تمثل الخلافات الداخلية في التحالف الحاكم، فأعضاؤه ليسوا على موقف موحد حيال العديد من القضايا، ومنها إرجاء الانتخابات والتفاوض مع حزب عمران خان والتصالح مع المؤسسة القضائية. فجمعية علماء الإسلام، كبرى الأحزاب الدينية التي يتزعمها المولوي فضل الرحمن، رئيس "التحالف من أجل الديمقراطية"، ترفض تماماً المفاوضات مع عمران خان. من جهته، يبدي حزب الشعب الباكستاني بزعامة الرئيس السابق آصف علي زرداري موقفاً مرناً من المؤسسة القضائية، وهو لا يريد الانخراط في الصراع معها.

علاوة على ذلك كلّه، يشكّل الوضع المعيشي الصعب في باكستان، أكبر تحدٍ للحكومة، إذ تواصل العملة الباكستانية تدهورها مقابل الدولار، ما يزيد التضخم وارتفاع الأسعار، ويؤدي إلى شحّ في المواد الأولية، وهو ما تستغله المعارضة لتأليب الباكستانيين على الحكومة.