تمكن الوسطاء المرسلون من الجيش المصري والمخابرات إلى المهجرين من مدينة رفح بمحافظة شمال سيناء شرقي البلاد، والذين اعتصموا على أطراف مدينتهم، يوم الجمعة 25 أغسطس/ آب الماضي، من إقناعهم بضرورة إنهاء اعتصامهم في مقابل عقد جلسة نقاش ومفاوضات في مقر الكتيبة 101 مع ممثلين من قوات الجيش والمخابرات الحربية وعدد من ممثلي المهجرين، وإعطائهم موعداً بالعودة إلى ديارهم مطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وكان مئات المهجرين المصريين من مدينة رفح قد أقاموا اعتصاماً مفتوحاً على أطراف مدينتهم، بعد رفض الجيش السماح لهم بالدخول إليها، فيما مر أكثر من ست سنوات على تهجيرهم تحت مظلة مكافحة الإرهاب. يأتي ذلك بعد طرد قوات الجيش المصري، مسنودة بمجموعات قبلية، تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش" قبل عام من سيناء، وبدء إجراءات تسليم أرض رفح لمستثمرين.
يُشار إلى أن أغلب المناطق التي يُمنع المواطنون من الدخول إليها تتبع لقبيلتَي الرميلات والسواركة، في حين أن القرى التي تتحدر منها قبيلة الترابين عاد إليها سكانها. وتشمل هذه القرى مناطق جنوب رفح والشيخ زويد، كالبرث ونجع شيبانة والعجراء. في المقابل، لا يزال سكان المقاطعة والخرافتين وجوز أبو رعد والظهير والوفاق والمطلة وبلعا وقرى ساحل البحر، ينتظرون قراراً بالعودة إلى ديارهم منذ سنوات.
مفاوضات لإنهاء اعتصام المهجرين في رفح
وأنهى مئات المهجرين المصريين من مدينة رفح، يوم الأحد الماضي، اعتصامهم الذي بدأوه يوم الجمعة 25 أغسطس الماضي، للمطالبة بالعودة إلى قراهم التي هُجروا منها قبل سنوات. ووفقاً لمصادر قبلية تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن قوات الجيش والمخابرات بعثت برسالة بواسطة عدد من مشايخ القبائل ونواب في مجلسي الشعب والشورى في سيناء مفادها أن إنهاء الاعتصام ضروري للدخول في مفاوضات.
وأضافت أن المفاوضات المزمع عقدها في مقر الكتيبة 101 في مدينة العريش والتي تضم قيادة الجيش المصري والمخابرات الحربية ستفضي إلى عودة المهجرين تدريجياً إلى قراهم بدءاً من مطلع أكتوبر المقبل.
وأوضحت المصادر أن الأهالي قبلوا كفالة المشايخ لوعود الجيش والمخابرات مدة 50 يوماً فقط، وهي الفترة اللازمة من وجهة نظر الجيش لـ"تطهير القرى من مخلفات الحرب على الإرهاب".
من جهته، كتب الشيخ جابر الصياح أبو يوسف الذي كان قائداً للاعتصام عبر صفحته على "فيسبوك": "كان اعتصاماً سلمياً قصيراً، لكن صداه مدوّ، ونتائجه الظاهرة قليلة، وخفاياه عميقة جداً". وأضاف: "كما كنت مخلصاً لكم في اعتصامكم المدوي، فلن أخذلكم في توصيل رسالتكم واضحة إلى كل مسؤول في مصر"، وقال: "بدأ العد التنازلي واقترب يوم الوعد، يوم العودة".
تحذير من عدم إيفاء الجيش المصري بوعوده
وفي السياق، قال الباحث المختص في شؤون سيناء مهند صبري في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الكرة حالياً هي في ملعب القوات المسلحة المصرية، فهي التي وعدت أهالي سيناء بالعودة إلى ديارهم بعد الانتهاء من الإرهاب، وبناءً على ذلك تحملوا العناء والدماء سواء بالخطأ أو على يد الجيش المصري، أو تنظيم "داعش"، على مدار عقد من الزمان وشاركوا في العمليات ضد التنظيم الإرهابي".
وحذر صبري من أنه في حال عدم تنفيذ هذا الوعد، أو تأخر عودة المهجرين، فإن المصائب ستحل على المنطقة، ما قد يؤدي إلى انتكاسة في الوضع القائم حالياً، خصوصاً في ظل وجود أزمة ثقة عامة في مصر، والتي تتضاعف في سيناء بسبب الوعود السابقة التي قطعتها الجهات الحكومية والقوات المسلحة ولم تنفذ شيئاً منها، بحسب قوله.
وأشار إلى أن "هناك كثيرين في سيناء يصعب عليهم تصديق الموعد الذي تم تحديده للعودة، وهو يوم 10 أكتوبر، للأسف الناس عندها أزمة فقدان ثقة شديدة".
مهند صبري: المهجرون لم يكونوا راغبين في فض الاعتصام
وأشار صبري إلى أن المواطنين المهجرين من رفح "لم يكونوا راغبين في فض الاعتصام؛ في ظل عدم تقديم القوات المسلحة أي مظاهر تدعو المواطنين إلى الثقة بوعودها". وأضاف: "شهدنا سلسلة من الإجراءات لمواجهة الاعتصام من خلال منع حاملي بطاقات رفح والشيخ زويد من الوصول إلى المنطقة، بإغلاق الكمائن، وقطع جزئي لشبكات الإنترنت والاتصال".
من جهته، قال الشيخ أبو سلمان عابد أحد مشايخ قبيلة الرميلات لـ"العربي الجديد"، إنه "في حال كان هناك تهرب من الوعود التي قطعتها القوات المسلحة على نفسها بعودة المواطنين إلى ديارهم مطلع أكتوبر المقبل، فإن هذا ينهي قدرة المشايخ والرموز على السيطرة على الأهالي بشكل قطعي".
وأوضح أن ذلك "يفتح الباب أمام دخول جماعي لآلاف المهجرين إلى قراهم ومدنهم، من دون انتظار إشارة السماح من القوات المسلحة، ما قد يدخل الطرفين في صِدام لا تحمد عقباه، وهذا ما أكده أهل الاعتصام لوفد المشايخ والنواب الذي حضر إلى خيمة الاعتصام قبل إنهائه الأحد الماضي".
أبو سلمان عابد: الموقف بات في أكثر مراحله خطورة
وأضاف أبو عابد أن "الموقف بات في أكثر مراحله خطورة، في ظل وجود غضب عارم في الشارع السيناوي من رفض عودة المواطنين لمنازلهم، برغم أن جزءا كبيرا منها خارج المساحة الجغرافية للمنطقة العازلة (في رفح على الشريط الحدودي مع قطاع غزة) التي تبلغ 5 كيلومترات".
كذلك أشار إلى أن سيناء تشهد "عدم وجود المسبب الرئيس المتعلق بالإرهاب ومخلفاته، وعدم إعطاء المواطنين تعويضاتهم طيلة السنوات الماضية، وتركهم في المحافظات والمدن الأخرى بلا مأوى أو مصدر دخل، في ظل تدمير المنازل والمزارع ومصادر الرزق التي كان يعتاش عليها المواطنون خلال سكنهم في رفح".