إلغاء وزارة الشؤون المحلية من حكومة بودن يثير تساؤلات في تونس

إلغاء وزارة الشؤون المحلية والبيئة من حكومة بودن يثير تساؤلات في تونس

13 أكتوبر 2021
رئيسة الوزراء التونسية نجلاء بودن (Getty)
+ الخط -

أثار إلغاء الشؤون المحلية والبيئة من التشكيلة الحكومية الجديدة في تونس لنجلاء بودن تساؤلات كثيرة بشأن مستقبل السلطة المحلية وسط مخاوف من انتكاسة المسار. 

وزادت صعوبات استكمال إرساء دعائم اللامركزية في تونس بعد الإجراءات "الاستثنائية" التي أعلنها الرئيس قيس سعيّد في 25 يوليو/تموز، فعلاوة على عثرات البلديات المنتخبة وارتباكها أصلاً، جاء هذا القرار ليعكّر الوضع أكثر.

وتستأنف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس هذا الأسبوع عملية انتخاب 7 بلديات تم حلّها أخيراً بسبب الخلافات داخلها. وشهدت تونس حلّ نحو 32 مجلساً بلدياً من جملة 350 بلدية، منذ أول انتخابات بلدية بعد الثورة في مايو/أيار 2018.

وأكد نائب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر، لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، أنه "بعد صدور الأمر الرئاسي عدد 117 في 22 سبتمبر/أيلول الماضي، وبعد قرارات 25 يوليو/تموز، فإنّ الصورة أصبحت غير واضحة في ما يتعلق بمستقبل مسار اللامركزية"، متسائلاً عن "مواصلة البناء الهرمي من عدمه، حسب ما ينظمه الباب السابع من الدستور الذي يؤسس للسلطة المحلية من خلال البلديات والمجالس الجهوية ومجالس الأقاليم وصولاً إلى المحلس الأعلى للجماعات المحلية".

وفسّر بوعسكر قائلاً إنّ "كل شيء وارد بالعودة إلى البند 5 من الأمر 117 الذي يتيح إدخال تعديلات تشريعية على القوانين من خلال إصدار مراسيم تغير البناء الهرمي للسلطة المحلية الواردة في الدستور والمعتمدة حالياً".

وحول تعثر مسار اللامركزية بعد 25 يوليو/تموز، قال بوعسكر: "في الحقيقة العثرات موجودة منذ 2018، كما أنّ استكمال بناء السلطة اللامركزية وتفعيل الباب 7 من الدستور كان مفترضاً وممكناً منذ سنوات 2019 و2020 من خلال انتخاب المجالس الجهوية ومجالس الأقاليم"، مبيّناً أنّ "هذا البناء يحتاج وقتاً".

وأوضح أنّ "السلطة التنفيذية لم تصدر الأوامر الترتيبية والتطبيقية من أجل استكمال انتخاب هذه المجالس، إلى جانب اقتراح قانون ينظم السلطة اللامحورية (على المستوى الجهوي) لتنظيم العلاقات والصلاحيات بين المحافظات والمجالس الجهوية المنتخبة".

ورجّح بوعسكر أن يعود الإشراف على البلديات واقتراح المبادرات المتعلقة بالسلطات المحلية إلى وزارة الداخلية، بعد إلغاء وزارة الشؤون المحلية والبيئة من حكومة بودن.

وحول تأثير إلغاء هذه الوزارة على استكمال مسار اللامركزية، بيّن بوعسكر أنّ "هذا القرار سياسي ويهم السلطة التنفيذية"، مشيراً إلى أنّ "هيئة الانتخابات ليست لديها علاقة مباشرة بهذه الوزارة في ما يتعلق بالمهام الانتخابية الموكولة إليها".

رجّح بوعسكر أن يعود الإشراف على البلديات واقتراح المبادرات المتعلقة بالسلطات المحلية إلى وزارة الداخلية، بعد إلغاء وزارة الشؤون المحلية والبيئة من حكومة بودن

وفي السياق، قال نائب رئيس هيئة الانتخابات أنه "تمّ في ظرف 3 سنوات حلّ 32 مجلساً بلدياً بسبب الاستقالات الجماعية، في مقابل إنجاز 23 انتخابات جزئية (إعادة انتخاب البلديات المنحلة) ومن المرتقب إنجاز 7 انتخابات بلدية جزئية قريباً". 

وعزا نائب رئيس هيئة الانتخابات أسباب انحلال المجالس البلدية بالأساس إلى الاستقالات الجماعية لأعضاء المجالس البلدية (النصف +1) إثر خلافات داخلية، ويتم توجيه هذه الاستقالات إلى محافظ الجهة الذي يتولّى، حسب مجلة الجماعات المحلية بعد انقضاء أسبوعين، إعلام هيئة الانتخابات بالانحلال، وهي تتولى في ظرف 3 أشهر تنظيم الانتخابات الجزئية".

وبيّن أنّ الكلفة الإجمالية لـ23 انتخابات جزئية قد قدرت بــ1.2 مليون دينار تونسي (الدولار = نحو 3 دنانير).

إلى ذلك أثار إلغاء وزارة الشؤون المحلية التي كانت تتابع عمل البلديات والسلطة المحلية هواجس من ضرب المسار، وسط مخاوف رفعَها عدد من منظمات المجتمع المدني.

وأكد رئيس الجامعة الوطنية للبلديات التونسية، عدنان بوعصيدة، أنّ تركيبة الحكومة الجديدة لم تتضمن وزارة الشؤون المحلية، وهو ما يطرح سؤالاً حول الهيكل الذي تعود له البلديات والشأن المحلي بالنظر.

وأوضح بوعصيدة، في تصريحات صحافية، أنه "لا بد من استكمال مسار اللامركزية الذي كان معطلاً جراء غياب الإرادة السياسية في الحكومات السابقة"، مضيفاً أنّ "حكومة نجلاء بودن مطالبة بالعمل على هذا الملف طبقاً لما ورد في الدستور".

ومن جهة أخرى، قال رئيس الجامعة الوطنية للبلديات التونسية إنّ "البلديات قامت بمجهودات مهمة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ومن بينها تعبيد الطرقات وإصلاح الإنارة وغيرها من الأنشطة"، مضيفاً أنه "لا بد من تحسين مواردها والنهوض بها من أجل أن تقوم بحلحلة عدة أزمات وتضطلع بدور أكبر في تحسين البنية التحتية".

وجهت منظمات تساؤلات عن الجهة التي ستمثّل السلطة المركزية، والتي ستشرف على مختلف الاختصاصات المشتركة مع المجالس البلدية

وفي السياق، وجّهت منظمة "البوصلة"، بعد الإعلان عن تركيبة الحكومة الجديدة، وإسقاط وزارة الشؤون المحلية، طلب توضيح إلى رئيسة الحكومة بودن.

وتساءلت المنظمة، في بيان لها، أمس الثلاثاء، عن الجهة التي ستمثّل السلطة المركزية، والتي ستشرف على مختلف الاختصاصات المشتركة مع المجالس البلدية، وتفسير ما إذا تم إلحاقها بوزارة أخرى.

كما طالبت بتوضيحات بخصوص خطة المحافظ، لا سيما في ظل الإعفاءات التي طاولت عديد المحافظين، وغياب تعيينات جديدة.

ويرى مراقبون أنّ مشروع إرساء اللامركزية في البلاد تعرّض لانتكاسة بسبب صلابة البناء المركزي الذي يعود إلى فترة ما قبل الاستقلال، وصعوبات تفريط مراكز النفوذ في سلطاتها المركزية.

ويعتبر المراقبون أنّ مشروع إرساء السلطة اللامركزية هو مشروع ثوري جاءت به ثورة 2011، ولكنه عرف انتكاسة ميدانية خلال محاولات تفعيله على أرض الواقع لعدة أسباب، منها التجاذبات السياسية وضعف الإمكانات والبيروقراطية المركزية.