أزمة العشائر و"قسد": إبراهيم الهفل يظهر في دمشق

10 فبراير 2024
مسلح في العشائر بدير الزور، أغسطس الماضي (رامي السيد/Getty)
+ الخط -

بعد أشهر على تفجر أزمة العشائر و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، برز إطلاق الأخيرة أول من أمس الخميس سراح عدد من الأشخاص الذين اعتقلتهم مع قائد "مجلس دير الزور العسكري" أحمد الخبيل، المعروف باسم "أبو خولة" في 27 أغسطس/ آب الماضي، الأمر الذي أدى يومها إلى اندلاع انتفاضة عشائرية في محافظة دير الزور وريفها شرقي سورية.

وجاءت خطوة الإفراج متزامنة مع ظهور صور لقائد تلك الانتفاضة شيخ عشيرة العكيدات إبراهيم الهفل في دمشق، بعدما اختفى من المشهد حين دنت السيطرة لـ"قسد" بعد دحرها مقاتلي العشائر عن بعض القرى والنقاط أخيراً.

وقالت مصادر محلية من محافظة الحسكة، لـ"العربي الجديد"، إن "قسد" أطلقت الخميس سراح اثنين من أشقاء الخبيل، والمدعو هاني خلف الخطاب، وهو أحد مرافقي "أبو خولة"، وذلك بعد اعتقالهم جميعاً في 27 أغسطس الماضي، خلال اجتماع دعت إليه "قوات سوريا الديمقراطية" في استراحة الوزير ضمن مدينة الحسكة.

ويأتي الإفراج عن الثلاثة، بعد يوم من اعتقال "قسد" للمدعو حميد الجبر، المعروف باسم "أبو دجانة"، وهو شقيق القيادي في "مجلس دير الزور العسكري" سلامة جبر، المعروف بـ"أبو فهد خشام"، وذلك بعد مداهمة منزله في بلدة العزة بريف دير الزور الشمالي، شرق البلاد، لأسباب لا تزال مجهولة حتى الآن.

مصدر بدير الزور: إيران حاولت الدخول على خط الأزمة
 

ولا يُعرف بالضبط، ما إذا كانت "قسد" تريد حل الأزمة مع الخبيل و"مجلس دير الزور العسكري"، رغم أنها أعلنت سابقاً أن إزاحة الخبيل لا تعني انفصال "المجلس" عن "قسد". لكن الإفراج عن شقيقي الخبيل ومرافقه بات يوحي بالإفراج عن الخبيل نفسه.

اعتقال الخبيل بداية أزمة العشائر و"قسد"

وبدأت أزمة العشائر و"قسد" نهاية آب الماضي، بعد اعتقال الخبيل، لكن مقاتلي العشائر أشاروا حينها إلى أن سبب تحركهم هو تغول "قسد" على العشائر، وليس مناصرة للخبيل أو فصيله. وتصدر إبراهيم الهفل، بوصفه شيخاً لقبيلة العكيدات، وهي واحدة من كبرى القبائل السورية شرق البلاد، الحراك الذي بدأته العشائر، لكنه سرعان ما اختفى من المشهد، بعد استعادة "قسد" زمام السيطرة.

ظهور إبراهيم الهفل في دمشق

ويوحي ظهور الهفل أخيراً في دمشق، بعد أشهر من اختفائه، بأنه قد يعد لرسم تحالفات جديدة تكمل حراك العشائر في دير الزور، والذي تراجع بعد استعادة "قسد" السيطرة على الأرض، لا سيما أنها حاولت منع مفاوضات بين إبراهيم الهفل وقوات التحالف الدولي، التي دخلت بشكل أو بآخر على خط الأزمة حين اندلاعها.

وجرت جولة أولى من المفاوضات لحل أزمة العشائر و"قسد"، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي في مدينة أربيل في إقليم كردستان العراق، بواسطة التحالف الدولي. وكان يُفترض أن تستكمل في سورية، لكن تعذر ذلك بسبب منع "قسد" دخول شقيق الهفل، مصعب، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى شرق سورية لاستكمال المفاوضات هناك مع التحالف، بهدف ما وصفه إبراهيم الهفل حينها بـ"تنفيذ المطالب المحقة للمكون العربي".

وأشار إبراهيم الهفل يومها إلى أن "قسد طلبت من مصعب إصدار بيان يتماشى مع رؤيتها، وأن الأخير منع من الدخول لرفضه إصدار البيان.
ولا تزال غير مفهومة إلى اليوم المطالب أو الأجندة التي يريدها الهفل من "قسد" للتفاوض عليها كممثل للحراك.

في المقابل، فإن مطالب المكون العربي في المنطقة باتت معروفة، حتى ما قبل أزمة العشائر و"قسد"، إذ تطالب العشائر بتخفيف الضغط الأمني من قبل "قوات سوريا الديمقراطية" وحل مشاكل التجنيد الإجباري وعدم التدخل في مناهج التعليم، وتوقيف الاعتقالات التعسفية والكيدية وغيرها، وبحث موضوع إيجاد شكل من الإدارة الذاتية أو الوضع الخاص لمحافظة دير الزور بالتحديد، يتولاه المكون العربي وأبناء المحافظة.

وكان الهفل أعلن، في 10 نوفمبر الماضي، تشكيل قيادة عسكرية موحدة لألوية وفصائل عسكرية لمواجهة "قسد"، مشيراً إلى الاتفاق على تشكيل قيادة موحدة تحت اسم "قوات العشائر العربية" مكونة من 11 فصيلاً عسكرياً في دير الزور، بهدف تنفيذ عمليات "كر وفر" نوعية ضد "قسد". وأكد وقتها أن القيادة العسكرية الجديدة لا تتبع لأي جهة أو حزب، و"تهدف لتحرير دير الزور من قسد"، لكن تلك القيادة لم تظهر بشكل واضح كجسم منظم.

إيران حاولت الدخول على خط أزمة العشائر و"قسد"

في هذه الأثناء، قال مصدر في دير الزور لـ"العربي الجديد" إن إيران حاولت الدخول على خط أزمة العشائر و"قسد" لتأمين غطاء ودعم لحراك العشائر واستقطاب الهفل لدعمه من قبل "الحرس الثوري"، لكن يبدو أن تلك المحاولات لم تنجح بالشكل الكامل، رغم استمرارها حتى الآن.

لكن الناشط الإعلامي عمر البوكمالي، أشار إلى أن طهران، وعن طريق شخص يسمى هاشم السطام، وهو مسؤول التنسيب للمليشيات التابعة لإيران شرق سورية، نجحت تماماً في سحب إبراهيم الهفل إليها.

فراس علاوي: ظهور الهفل بدمشق يأتي ضمن طلب الحماية والابتعاد عن المشهد
 

ولفت إلى أن السطام، وهو قريب للهفل، ورّط الأخير في الانخراط. وبحسب البوكمالي فإن الهفل موجود في دمشق بمضافة شخصية عشائرية عراقية مقربة من إيران، وهو فرحان المرسومي، وعن طريقه حاولت إيران أيضاً استقطاب الهفل كشخصية عشائرية.

واعتبر أنه "حتى لو كانت إيران تكره إبراهيم الهفل، إلا أنها ومعها النظام لا يستطيعان أن يقفا ضده، لأنه هو يمثل بيت المشيخة في ذيبان". ووفقاً للبوكمالي، فإن عمليات الإفراج الأخيرة، تريد من خلالها "قسد" تدارك خطورة الموقف بأن تكسب ود العشائر.

وبحسب معلومات البوكمالي، الذي يعد ابن المنطقة وموجود فيها، فإن إيران تنوي القيام بهجوم كبير باتجاه مناطق سيطرة "قسد"، والمستهدف هو التحالف الدولي وقواعده، لكن "مع الإجراءات الأمنية المشددة التي يتخذها التحالف فإنه من الصعب الوصول إلى القواعد، وبالتالي تصعب المهمة إلا من خلال زعزعة أمن المنطقة عبر أداة، وستكون في هذه الحالة إبراهيم الهفل، الذي لديه شعبية كونه وجهاً عشائرياً معروفاً".

في المقابل، أشار الصحافي فراس علاوي، وهو أحد أبناء محافظة دير الزور، في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أنه "لا يمكن للهفل بناء تحالفات جديدة، لاسيما في دمشق، سواء مع النظام أو الإيرانيين لعدة أسباب، أولها أن القاعدة العشائرية التي يستند إليها من أبناء منطقته هي من المعارضين للنظام، وأغلبهم مطلوبون أمنياً، بالإضافة إلى كونهم مناوئين للوجود الإيراني في البلاد".

وأعرب عن اعتقاده أن ظهور الهفل بدمشق يأتي ضمن طلب الحماية والابتعاد عن المشهد، أكثر من كونه بحثاً عن تحالفات، إذ يحتاج لتغيير توجه الحاضنة الشعبية الخاصة به قبل بناء تحالفات في دمشق تحديداً، أو أن يطلب عفواً لمعظم أبناء منطقته وأبناء العشائر هناك، وهذا الأمر إن وافق عليه النظام، وهو مستبعد، فلن يوافق عليه الكثير من أبناء العشائر.

ولفت إلى أن الهفل لم يتخذ موقفاً واضحاً من أي طرف خلال سنوات الصراع وتبدل السيطرة على منطقته ومحافظة دير الزور، التي توالت السيطرة عليها من قبل النظام والمعارضة (الجيش الحر) ثم الفصائل الإسلامية ثم "داعش" ثم "قسد".

وأوضح علاوي، لـ"العربي الجديد"، أن "الهفل بقي في المنطقة مع تبدل السيطرة، ووجود تلك القوى، لأنه لم يتخذ أي موقف واضح، وبالتالي فهو ليس معرضاً للخطر من أي طرف. إلا أن التطورات الأخيرة مع قسد دفعته للواجهة".

ووصف علاوي الهفل بأنه "قائد الضرورة"، الذي لم يوجد غيره نظراً لوضعه الاجتماعي كشيخ عشيرة لقيادة الحراك، لافتاً إلى أن الهفل "يفتقد الخبرة بسبب صغر سنه، ووجد نفسه مع الحراك بمكان أكبر من حجمه، وبالتالي لا يمكن ربط حراك العشائر به بشكل كامل".