تبرز في الجزائر خلال الفترة الأخيرة، مواقف لأحزاب محسوبة على الأغلبية الحكومية، تنتقد ما تصفه بـ"التضييق" السياسي والإعلامي القائم في البلاد، وتراجع هامش الممارسة السياسية، ما يطرح أسئلة عما إذا كان ذلك تمرداً من قبل هذه الأحزاب، أم صحوة ضمير سياسي ناتجة عن تحييد تبديه السلطة إزاء مجموع القوى السياسية، من معارضة وموالاة.
وقال رئيس حزب "التحالف الوطني الجمهوري"، بلقاسم ساحلي، وهو وزير منتدب سابق مكلف بالجالية إن "القلق من حالة التضييق السياسي برزت منذ فترة خلال اللقاءات التشاورية، الثنائية والمتعددة".
وأضاف، في تصريح لـ"العربي الجديد" اليوم الثلاثاء: "اتضح أن كل الأحزاب أجمعت في حواراتنا معها على التعبير عن استيائها وامتعاضها من التضييق السياسي والإعلامي الذي تتجلى أهم مظاهره في غياب النشاط السياسي وتهميش دور الأحزاب كمؤسسات وساطة مجتمعية، وغياب التشاور والحوار معها من طرف السلطة القائمة، أو استشارتها في القضايا الوطنية".
واستحضر في هذا الصدد، غياب أي تشاور بشأن "القوانين المنظمة للحياة السياسية، كقانون الأحزاب والإعلام والعمل النقابي، بالإضافة إلى حرمانها من حقوقها المادية التي يكفلها الدستور وقانون الأحزاب، ذات الصلة بالاستفادة من التمويل العمومي حسب تمثيلها الوطني (أحزاب كثيرة محرومة من هذا الحق منذ 2019)، وكذا الغلق الإعلامي الممارس ضد أغلبية الأحزاب، من طرف الإعلام العمومي والخاص، بما يوحي بوجود توجه ممنهج من طرف السلطة في هذا الشأن".
واعتبر ساحلي أنه "من الواضح أن السلطة تعتمد في توجهها هذا للتضيق على الأحزاب وتهميشها، هو قناعتها في إمكانية استبدال العمل الحزبي بعمل المجتمع المدني، وهو توجه سبق لحزبنا أن حذر من خطورته، حتى على البناء المؤسساتي للدولة وتماسك المجتمع".
وكشف أن حزب "التحالف الوطني الجمهوري" أوضح في لقائه مع رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، أن "التوجه السليم هو تعزيز دور المجتمع كسلطة مضادة، والحذر من أن يؤدي خيار السلطة الى إفراغ المؤسسات من الكوادر السياسية المؤهلة لتسيير الشأن العام، وهو الأمر الذي أصبح واضحا في خيارات السلطة ذات الصلة بالتعديلات الحكومية أو التعيين في الإدارات والمؤسسات العمومية".
وأشار ساحلي إلى أن هذا ما دفع الحزب للدعوة إلى "ضرورة إعادة الاعتبار للفعل السياسي والحوار من أجل الاستقرار بمفهومه المؤسساتي والحفاظ على مؤسسات الجمهورية، وبمفهومه الأمني، من خلال إبعاد المؤسسات الأمنية عن التجاذب السياسي وتجنيبها الاضطرار للعب أدوار لا يخولها لها الدستور".
تعزيز السلطات المضادة
وطالب "التحالف الوطني الجمهوري"، أخيراً السلطة "برفع القيود المسجلة عن النشاط السياسي، وفتح الفضاء الإعلامي العمومي والخاص بما يسمح بإبراز الرأي والرأي الآخر"، وكذا الاستجابة "للحاجة الملحّة لإعادة الاعتبار للفعل السياسي وتكريس الحوار والانفتاح السياسي والإعلامي، لا سيما مع الشعور المتنامي بعدم الرضا والحيرة لدى البعض، أو الاحتقان لدى البعض الآخر".
ودعا إلى أن يؤدي ذلك إلى السماح "بتعزيز دور السلطات المضادة والمؤسسات الرقابية كالعدالة المستقلة، والصحافة الحرة والنقابات، والمجتمع المدني وهيئات محاربة الفساد".
وعلى الرغم من مشاركة الحزب في "مبادرة التلاحم"، الداعمة لسياسات الرئيس الجزائري، إلا أنه يبدي انتقادا للوضع السياسي ويطالب السلطة "بتوسيع دائرة المشاركة في اتخاذ القرار، من خلال حوار يسمح بتقريب وجهات النظر بين جميع الأطراف، وتحديد خريطة طريق توافقية وشاملة،"، إضافة إلى "اتخاذ الإجراءات القانونية الكفيلة بتحقيق معالجة حكيمة للقضايا والأحكام الصادرة ضد بعض النشطاء والصحافيين دون المساس بمبدأ استقلالية العدالة".
وشدد كذلك على "أهمية الحفاظ على هيبة الدولة من خلال تفادي المعالجات المغرضة لبعض القضايا الحسّاسة التي لها علاقة بسمعة وأداء المؤسسات السياسية والأمنية والاقتصادي".
انتقادات غير مألوفة
وتبدو هذه التقديرات السياسية التي تتضمن جرعة عالية من الانتقادات، غير مألوفة لدى أحزاب الموالاة في الغالب، خاصة في ما يتعلق بالحديث عن التضييق السياسي والإعلامي، وسبقها بفترة قصيرة تصريحات مثيرة لرئيس حزب "صوت الشعب" (من الحزام الرئاسي)، ولمين عصماني، تحدث فيها عن وجود ما وصفها بـ"ضبابية سياسية وغموض في الأفق، وضبابية في التعيينات في المناصب والمسؤوليات العليا".
وانتقد عصماني في السياق هيمنة السلطة على البرلمان وسطو الحكومة على العمل التشريعي الذي يعد من اختصاصات البرلمان، ووصف ذلك بأنه يمثل "مؤشرا غير صحي وحالة خطر دستوري"، وقال إن هناك "تهميشا كبيرا من قبل السلطة للأحزاب السياسية في البلاد ولمنتخبيها، حيث يتعين تعديل هذا الوضع غير مقبول".
وتثير هذه المواقف النقدية والحادة أحيانا والصادرة عن أحزاب تحسب على صف الموالاة، تساؤلات سياسية لجهة ما إذا كان ذلك تعبيراً عن بلوغ القوى السياسية مرحلة استياء كبيرة نتيجة الشعور المتفاقم بتحييدها من المشهد، وعدم إشراكها بالقدر اللازم في نقاش الخيارات، أم أنه تمرد سياسي وصحوة ضمير، خاصة بسبب بعض النتائج المخيبة للحكومة والانكسارات السياسية الداخلية التي ظهرت بشكل أكبر منذ استبعاد الجزائر من الانضمام إلى مجموعة "بريكس".
وفوجئت النخب الجزائرية بقرار "بريكس"، أواخر يوليو/ تموز الماضي، دعوة 6 دول، هي السعودية وإيران والإمارات ومصر والأرجنتين وإثيوبيا، إلى الانضمام إلى عضوية المجموعة مطلع يناير/ كانون الثاني 2024، واستبعاد الجزائر.