في مناقصة مشروعات القرارات
ما أن أعلنت القيادة الفلسطينية عن نيتها التوجه إلى مجلس الأمن، لاستصدار قرار ملزم، ومحدد سقفه الزمني، لإنهاء الاحتلال؛ حتى انفتحت مناقصة، لإضعاف صيغة الحد الأدنى التي يُطرح بها مشروع هكذا قرار، وكانت الوجهة تنم عن جموح إلى تقريب الصيغة، في تناولها القضايا الرئيسة، من وجهة النظر الأميركية. وجرت من وراء الكواليس ضغوط و"نصائح" وتهديدات مبطنة، وكأن الطرف الفلسطيني يتأهب لكسر قواعد لعبة كونية، ما يجعله عُرضة لعظائم الأمور.
الداخلون في المناقصة يقيسون لغتهم واقتراحاتهم على قاعدة الموقف الأميركي، ويأخذون في الحسبان أن العرب ضعفاء، ولا حول لهم ولا قوة، وأن الفلسطينيين محاصرون، وأن مواقف إسرائيل لا راد لها، وأعيت من يداويها. وتجنب هؤلاء حقيقة أن القضايا ذات الطبيعة التاريخية، لا تُحسم، ولن تقبل الأمم أن تُحسم، في لحظة رديئة من الزمن. وعليه، يمكن لواحدنا الفلسطيني أن يطرح رأيه، وأن يقدم نصيحته، مثلما ينبغي لواحدنا الفتحاوي أن يسجل رأيه ويقدم مشورته، لا سيما وأن مشروعات القرارات المطروحة لم تكن في موضع التمحيص والنقاش الداخلي، ولم يُطلب رأي الأطر فيها!
رأينا أن لا طرف مخولاً إعطاء موافقة على صيغة فضفاضة، تتعلق بالقدس الشرقية المحتلة في 1967. ولا تملك المجموعة العربية أن توافق نيابة عن الفلسطينيين، على صيغة فضفاضة. فعندما يُقال إن القدس ينبغي أن تكون عاصمة لدولتين؛ فمن حقنا أن نعلم، أي قدس يقصدون. هل التي يصفها المحتلون أنها موحدة، شرقيها وغربيها، أم إن الحديث عن القدس الشرقية وحسب؟ فإن كانت موحدة، ينبغي أن يكون واضحاً، ما إذا كانت القدس الغربية ستكون ضمن حدود المدينة، عاصمة الدولتين، وواضحاً كيف ستكون كذلك. نناقش، هنا، أقرب صيغ المقترحات قرباً من التوازن والمنطق، فما بالنا حينما نناقش صيغة تشطب الحق العربي الفلسطيني في القدس؟
أما موضوع حق اللاجئين في العودة، فإنه أكثر تعقيداً، لأن الفقرة من القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة (11/12/1948)، والتي نستند اليها منذ سبعينيات القرن الماضي؛ لا تتحدث عن عودة شعب إلى وطنه، لكي يؤسس دولته. هي تتحدث عن مواطنين فقدوا ممتلكاتهم، وفي مقدورهم العودة إليها، لكي يعيشوا بسلام مع "جيرانهم". وقد كان ذلك القرار، في حينه، مرفوضاً فلسطينياً وعربياً وإسلامياً. ولكن، بسبب الهزائم وتداعياتها، أصبح بعد ربع القرن مطلوباً، وعنوانا للتمسك بالثوابت، في أكثر صيغها تواضعاً. غير أن المشكلة هي في طبيعة الحق الشخصي من الوجهة القانونية، وأقل ما فيها أن الدولة أو القيادة أو الزعامة، مهما بلغت من سمو السيادة، لا تستطيع التنازل عن حق شخصي لإنسان، في أرض أو عقار، ومن ثم تكريس ملكيته لشخص آخر، أو الإقرار بحرمان صاحب الحق مما يمتلك. ولو كانت صيغة الفقرة، أو البند، رقم 11 من قرار 194، تفيد بأن للشعب الفلسطيني الحق في العودة الى بلاده وتقرير مصيره؛ عندئذٍ تكون الكرة في ملعب الشعب والقيادة، فيتقرر ما إذا كان الأول يسمح للثانية بإسقاط هذا الحق!
في مناقصة المشروعات، تم قضم تلك الصيغة التي تداولها الذين تعاطوا مع أوهام ما يُسمى "الوضع النهائي"، وفق مفردات "أوسلو"، وهي تبادل الأراضي بالقيمة والمثل. ففي الصيغ الجديدة، طُرح أمر الحدود بطريقةٍ تسمح ببقاء الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة، دونما إشارة الى مقابلها ومثلها. ربما يكون مقابلها ومثلها، هو ما يطرحة اليمين العنصري الإسرائيلي، عن إحالة مناطق ذات كثافة سكانية فلسطينية في أراضي احتلال 1948 إلى الدولة الفلسطينية بمساحات المهاجع وفي حدود بلدياتها، لا بحسابات المناطق. وهذا أيضاً، لا يمكن قبوله فلسطينياً، وليس لأحد الأهلية للإعلان عن قبول هذا الأمر، باسم الشعب الفلسطيني!