بماذا عاد عباس من واشنطن؟

08 مايو 2017
+ الخط -
يتساءل الفلسطينيون، منذ عاد محمود عباس من واشنطن، عما عساه حصل عليه من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لصالح القضية. وما إن يقول الفلسطينيون لأنفسهم "لا جديد تحت الشمس" إلا وتتحوّل التساؤلات إلى مخاوف جمّة مما قد يُصيبهم، وينال الأراضي المحتلة، خصوصا أن الزيارة تمت في أجواء ليست مواتية للفلسطينيين، بمختلف فصائلهم وأجنحتهم، ولا سيما حركة فتح والسلطة الوطنية. ويكفي الرجوع في ذلك إلى تصريح نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، تعمّد أن يصدر عنه عشية لقاء ترامب وعباس، حيث جدّد التزام ترامب بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، بل أوضح أن عملية النقل ربما "وشيكة". وهكذا، يمكن اعتبار التحضير الأميركي للزيارة بالغ الوقاحة وفقاً للمعايير الفلسطينية، حيث اختارت واشنطن أكثر القضايا حساسيةً لدى الفلسطينيين، والمسلمين عموماً، لتبعث من خلالها رسالةً مزدوجة إلى عباس ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو. إلى الأول بألا يعوّل كثيراً على الزيارة، ويخفض سقف توقعاته منها، سواء على مستواه الشخصي رئيسا للسلطة، أو على مستوى التطلعات الفلسطينية عموماً. وللثاني بأن يهدأ بالاً ويطمئن إلى ثبات العلاقة بين الحليفين ومتانتها، وحرص إدارة ترامب على ترضية تل أبيب.
وفي مقابل هذا الإعلان السلبي الصريح، اتسمت التصريحات الأميركية في ما يتطلع إليه الفلسطينيون بالعمومية والغموض. ولم يحصل عباس على موقفٍ واحد صريح أو محدّد، سواء في الإطار العام للحل، أي تحديداً خيار حل الدولتين، أو في القضايا الجوهرية والملفات الشائكة، مثل اللاجئين والاستيطان. تستدعي هذه الضبابية التساؤل عن سبب زيارة عباس واشنطن في هذا التوقيت، حيث يعاني من تدني شعبيته في الداخل الفلسطيني، ويواجه ضغوطاً خارجية متنوعة، بعد أن اعتبرته إسرائيل ودول عربية جزءاً من الماضي. وهكذا كان واضحاً أن عباس لا يملك أي أوراق قوة في صالحه، بل على العكس، فترامب يستعد لزيارة إسرائيل، ولن يمدّ يده لعباس، وهو على بعد أيام من لقاء نتنياهو في تل أبيب.
إذن، كان طبيعياً ألا يتلقى عباس أي إشاراتٍ إيجابية تدعو إلى التفاؤل، وأن تأتي تصريحات ترامب هلاميةً ومطلقةً، ولا تحل سوى تطمينات مبهمة على شاكلة أنه حريصٌ على العمل مع الطرفين، للوصول إلى حل سياسي. وفي التفاصيل، كشفت تصريحات ترامب وأركان إدارته أن واشنطن ستكتفي بدور "المُسهل" الذي يجمع الطرفين، من دون فرض شيء عليهما، أو وضع قواعد واضحة تحكم التفاوض.
المعنى أن واشنطن لم تعد راعياً، وأن ميزان القوى الثنائي بين الطرفين سيكون الراعي الرسمي للمفاوضات. ولمّا كان الميزان مختلاً بشدة لصالح تل أبيب، فأي نتيجةٍ للمفاوضات لن تكون عادلة، هذا إذا قبلها الفلسطينيون.
وهنا، لا بد من استحضار دروس الماضي القريب، ولعل القارئ يتذكّر أن جديداً لم يطرأ على ما سُميت عملية تسوية سلمية بين الفلسطينيين وإسرائيل، على الرغم من مضي ربع قرن على إبرام اتفاقيات أوسلو، وهي ذاتها يقال فيها الكثير. ولم تتقدّم العملية السلمية قيد أنملة، بدءاً برئاسة بيل كلينتون الذي تمت الاتفاقيات في عهده، مروراً ببوش الابن، انتهاء بأوباما الذي وعد بإنجاز حل الدولتين. وتحت أسماع هؤلاء الرؤساء الأميركيين وأبصارهم، باشرت إسرائيل عملية تصفيةٍ شاملة للقضية الفلسطينية بتغيير الواقع الديمغرافي، وخنق الأرض المحتلة أمنياً واقتصادياً واختلاق الذرائع لشن العدوان تلو الآخر على غزة. ثم التبجّح بأن لا شريك فلسطينياً للسلام. ولا حاجة للقول إن ترامب لن يكون أقل دعماً وانحيازاً لإسرائيل من أسلافه. وبعد أن عاد من البيت الأبيض خالي الوفاض، وأهداه ترامب وعوداً وهمية، وأماني مُتخيَلة، على عباس إحصاء الهدايا والعطايا التي سيحملها ترامب معه إلى تل أبيب.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.