آلهة في اللغات السامية

23 مايو 2017
+ الخط -
يعتبر اسم سام أو سامه أو ساما (sama) كلمة هندوآسيوية قديمة تعني المتعالي، وساما من آلهة بلاد الرافدين، ويعنون به إله السماء، إلى جانب عشتار إلهة الخصب والنماء وسين إله القمر وشمش إله النور.
في أسطوانة أوغاريت، يظهر الإله أنو، محاطاً بأسدين يرمزان لابنيه، الأول إنكي إله الأرض، والثاني ساما إله السماء، وساما في الميثولوجية الصينية هو راجين إله الرعد والبرق، وكلمة ساما في اللغة الصينية تعني السيد أو الكبير جدا، وتطلق للتعظيم، وفي اللغة الهندية ساما هو العظيم، ورمز هذا الإله هو الأسد ذو الجناحين في الميثولوجيا القديمة، ورقمه 7، لأنه سابع إله في الآلهة السماوية، وقيل لأنه المتصرّف في الأيام السبعة، ويمثل له برمز الأسد ذو الجناحين ولأبيه أنو بالثور ولأخيه إنكي برمز الجدي، وبينهما ترابط، فرمز القوة حاضر في رمز الأسد الطائر إلى جانب ارتباطه بكل الأبراج الهوائية والمائية، دلالة على تحكّمه في عناصرها كما كان معتقداً، واسم ساما في العبرية مشتق من الاسم وفي العربية من السمو، مثلا اسم سموئيل، ومعناه اسمه إيل، أي اسمه الله، ومن حروفه اشتق اسم كل ما هو سام أو عال، كالسماء مثلا أو السمة (العلامة) لأنها تعلو وجه الشيء وتدل عليه، والاسم الذي يعتبر الشيء الرفيع للمسمّى، لأنه موضوع عليه، فكأنّ الاسم واقع من أعلى على المسمّى، ما يدل على علو معنى الاسم على المسمّى، وعلى كلّ فاسم ساما هو نفسه سامه وأسامة في عند العرب، وقد نطقه العرب بالألف وبدونها، مثل سامة بن لؤي أخو جد النبي، مرّة بن لؤي، ثم تمّ زيادة الألف في أوله، لأنّ العرب لا تبدأ بساكن، ما جعلهم يحرّكون أول الاسم بفتحة أو ضمة، كما أنّهم لا يقفون على متحرّك فقلبوا الألف الأخيرة هاء عند الوقف ثم تاء عند الوصل، ومعنى أسامة هو الأسد في العربية أيضاً، وفي كل قواميس اللغة، فاسم أسامة هو اسم علم على الأسد، لكن ما لا تذكره القواميس أنّ هذه التسمية آتية من الميثولوجيا القديمة لاسم سما أو ساما، إله السماء والرعد والبرق، المتسلّط عليها والآمر فيها، باسم أبيه الإله أنو، وفي الآرامية القديمة، فإن سما أو ساما هو إله السماء، أو العالي أو المتعالي.
أخذ العرب مفردات وأسماء الحضارات المجاورة وعرّبوها، ثم صارت جزءاً من لغتهم، وفي لغات العالم القديم ما يشهد على ذلك، ويدل على ارتباط هذه الأسماء بتصوّرات ميتافيزيقية متعدّدة الأصول والنظائر.
إنّ التغيرات الصوتية في كثير من الأسماء القديمة، خصوصاً أسماء الآلهة منها، تعطينا انطباعاً عن ذلك التطوّر الدياكروني للفظ، وتطوّر حروفه، عن طريق التبادلات الصوتية التي عرفتها كلمات اللغات السامية، عن طريق الحذف أو القلب أو النحت، الشيء الذي جعل كثيراً من المفردات تتخذ إلى جانب معناها الأصلي معان أخرى، سميناها بالمرادف، بل وحالات أخرى سميناها بالمشترك، وهذا يرجع في أصله لتطوّر اللفظ وتعدّد استعمالاته في كلّ مرة يتطوّر فيها، وهكذا كما رأينا يتطوّر اسم سامي (ساما) إلى سامه ثم إلى أسامه، وتصيبه عملية القلب الصوتي فيقال شام وشامه، خصوصاً في اللغة الأوغاريتية التي حظيت بجل الحروف السامية المفقودة، ودلالة الاسم واحدة، فشام هي نفسها سام ومعناها العلو والسمو، وكذالك شامه التي تعني العلامة التي تعلو الجسد، وتكون رمزاً في الغالب، ويبقى المعنى الأصلي لهذا الاسم هو العلو والظهور، ولطالما اختلف نحاة البصرة والكوفة، في من أسبق الاسم أم الفعل؟
وكان أهل البصرة يقدّمون الاسم لأن أصله من السمو، في حين قال الكوفة إنّ الاسم من السمة أو العلامة، لكن ما يهمنا نحن هو ما اتفق الاسم في دلالة معناه الأول، وتطابق مع معانيه اللاحقة بعد تطور جذره اللغوي، (س-ا-م-ا) من سام إلى سامه إلى اسم إلى وسم إلى سمه وهكذا.. ونقصد بالمعنى الأول ما ذكرناه آنفا، معنى الظهور والعلو، ولا يخف هنا ما لهذين المعنيين من دلالات القوة والسؤدد، التي مثلها هذا الاسم في شخص حامله، والذي لا يعتبر فقط إلها من آلهة بابل والعراق، بل صفة لكلّ معاني القدرة والقوة الإلهية في كل الآلهة التي تمّ عبادتها بأراضي الهلال الخصيب، وما وراء النهرين، سواء كانت هذه الصفات صفة لإله واحد، أو مجموعة من الآلهة التي حكمت أو تم الاعتقاد بها آنذاك.
56D15ACE-1E01-44F5-8CA4-18791FACF03B
56D15ACE-1E01-44F5-8CA4-18791FACF03B
محمد أسامة الأنسي (المغرب)
محمد أسامة الأنسي (المغرب)