17 أكتوبر 2018
الاتصالات والعلاقات الخليجية الإسرائيلية
لم يصدر أي مسؤول سعودي أو خليجي أي تعليق على تصريحات وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتس، أخيرا، إن إسرائيل أجرت اتصالات سرية مع السعودية وسط مخاوف مشتركة بشأن إيران، وأضاف في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي "لدينا علاقات مع دول إسلامية وعربية، جانب منها سري بالفعل، ولسنا عادة الطرف الذي يخجل منها، الطرف الآخر هو المهتم بالتكتم على العلاقات. أما بالنسبة لنا فلا توجد مشكلة، لكننا نحترم رغبة الطرف الآخر، عندما تتطور العلاقات، سواء مع السعودية أو مع دول عربية أو إسلامية أخرى، وهناك علاقات أكبر كثيرا... لكننا نبقيها سرا". وإذا كان هذا التصريح هو الأول من نوعه لمسؤول إسرائيلي عن اتصالاتٍ من هذا القبيل، فإن آراء إعلامية سعودية اعتبرت هذه الاتصالات "تحليلا استراتيجيا سعوديا خاطئا" و"اندفاعا سعوديا في مسألة لن تستفيد منها السعودية"، كما قال الصحافي المقيم في واشنطن جمال خاشقجي في لقاء إذاعي مع إذاعة مونت كارلو الدولية.
صور جديدة للتطبيع
شهدنا المدون الإسرائيلي، بن تسيون، يزور المسجد النبوي في المدينة المنورة، في أثناء زيارته أخيرا المملكة السعودية، والتي قال إنها "زيارة شخصية". عندها، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية رد فعل على فيديو بن تسيون داخل المسجد، والذي نشره على صفحته على "فيسبوك" مذيلة بتعليق: "صلاة من أجل السلام! جنبا إلى جنب مع إخوتي العرب، نصلي من أجل السلام في شرق أوسط للجميع. من أجل السلام بين اليهود والمسلمين والمسيحيين والأقباط والدروز والبدو، ولكل سليل لإبراهيم يُعرَف باسم إبراهيم. سلام وشالوم". تم تداول الفيديو على صفحات عربية مع التعليق عليه غالبا سلبا، وطرحت تساؤلاتٌ بشأن دخول بن تسيون المملكة؟ وكيف سُمِح له بدخول المسجد؟ وغيرها من التساؤلات والتهكمات المصحوبة باتهامات للسعودية بالتطبيع مع إسرائيل.
من ناحية ثالثة استضافت البحرين سائقا إسرائيليا في سباقٍ أقيم على حلبتها الدولية في نوفمبر/ تشرين الثاني. وطلب المنظمون منه عدم رفع العلم الإسرائيلي على سيارته، لعدم إثارة الرأي
العام، وقد أسف السائق لذلك، كما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية. وخلال الشهر نفسه، شارك ممثلون إسرائيليون في جلسات مؤتمر "إثراء المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط" في الدوحة. ولقيت المشاركتان أيضا موجة استنكار على مواقع التواصل الاجتماعي من مواطني هذه الدول والدول المجاورة التي ندّدت بالتطبيع مع إسرائيل.
لم ترد أي ردود فعل رسمية خليجية على هذه الحوادث الثلاث التي وقعت خلال شهر، حيث تنشغل ماكينات الإعلام الرسمية وغير الرسمية بالتصريحات عن خطورة إيران والمد الإيراني والنووي الإيراني، فيما تتجاهل السلطات كل تلك النعومة في التعامل مع عدو الأمس (إسرائيل) عبر تطبيع العلاقات معه بطرق متنوعة. وفي وقتٍ وجه فيه المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج، الدكتور ظافر العجمي، اتهاما لإسرائيل "الصهاينة يقومون بعمل منظم لإحداث مزاج تصالحي وتطبيعي مع دول الخليج العربي خصوصا، لكن المزاج الخليجي لن يعترف بحق اللص في سرقة بيت أخيه (في إشارة إلى فلسطين)" خلال لقاء إذاعي في برنامج "ساعة خليجية". كما قال جمال خاشقجي في مقابلة إذاعية له: "تسود دول الخليج، ولا سيما السعودية، حالة من السعي إلى تهيئة المزاج الشعبي للتطبيع مع إسرائيل، عن طريق بعض الكتاب والمحللين".
وقد يكون هذا المزاج الذي يتحدث عنه العجمي أو خاشقجي هو ما عبر عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عندما غرد في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني على حسابه باللغة العربية على "تويتر"، إن "أكبر عقبة أمام توسيع دائرة السلام ليست زعماء الدول التي تحيط بنا، بل هي الرأي العام في الشارع العربي الذي تعرض على مدار سنوات طويلة لدعاية عرضت إسرائيل بشكل خاطئ ومنحاز".
وفي مثالٍ قد تنطبق عليه إشارة خاشقجي إلى محللين يهيئون المزاج الشعبي للتطبيع، نفى الإعلامي الكويتي، عبد الله الهدلق، في لقاء تلفزيوني على قناة الرأي الكويتية، أن تكون هناك دولة اسمها فلسطين: "في عام 1948عندما قامت دولة إسرائيل، لم يكن هناك وجود لدولة اسمها فلسطين، ليس لهم وجود أبدا، هم كانوا شتاتا متشتتا (..) من الكنعانيين أو العماليق أو الجبارين، وبالتالي لا وجود لدولة اسمها فلسطين". كما ظهر الكاتب البحريني، عبد الله الجنيد، أخيرا في مقابلة مع القناة العاشرة العبرية، بطلب منه عبر البريد الإلكتروني للقناة، ليتحدث عن أمن الخليج والخطر الذي يهددها من إيران تماما كما يهدد إسرائيل، حسب تعبيره، معتبرا أن رحلة ترامب من الرياض إلى تل أبيب "كانت حدثاً تاريخياً".
ولعل موقف عبد الله الجنيد وعبدالله الهدلق وغيرهما ممن يعترفون بدولة إسرائيل ظاهرة جديدة في هذه المنطقة التي عُرفت بعدائها الكيان الصهيوني الذي تأسس في قلب منطقة الشرق الأوسط في أربعينيات القرن الماضي. وحتى إن لم يكن الأمر كذلك، فإن التصريح بالتعاون أو قبوله أو التطبيع مع هذه الدولة لطالما اعتبر أمرا مشينا أو معيبا.
ومنذ عام 1996، وبعد مؤتمر مدريد للسلام، افتتحت قطر وسلطنة عُمان مكتبين تجاريين إسرائيليين، استمرا حتى عام 2000، حيث أغلقا رسميا إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية. كما تصل إلى الدول الخليجية بضائع عديدة مصنعة في إسرائيل، والتي عادة ما يكشف عنها المواطنون، ويتم التبليغ عنها، فتسحبها الجهات الرسمية أو تتجاهل النداءات.
إلا أن التقارب على المستوى الرسمي، أخيرا، بين إسرائيل والدول الخليجية، فتح المجال لأصوات تطبيعية ركزت هجومها على الخطر الإيراني (أو الفارسي أو الصفوي كما يطلق عليه بعضهم)، فيما خففت لهجتها في ما يتعلق بالدولة الإسرائيلية. وبدا أن بعضهم بدأ في قبول إسرائيل شريكا في المنطقة، بل حليفا يتم اللجوء إليه على طريقة الهدلق في بعض الأوقات.
أمن وسياسة
ولعلّ دولة الإمارات العربية المتحدة الأكثر إمعانا في بناء علاقات مع كيان الاحتلال
الإسرائيلي على الصعد السياسية والأمنية والتجارية، فالتطبيع بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل يتواصل عبر قنوات سرية، وكشفت وسائل إعلام عدة أن بوابة هذا التطبيع تتم عبر السفير الإماراتي لدى واشنطن يوسف العتيبة.
وتعززت العلاقات بين البلدين منذ افتتاح الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في أبوظبي في عام 2015، فيما كان للإمارات دور في التطبيع الرياضي منذ استضافت في عام 2010 فريق الجودو الإسرائيلي.
وبحسب المعطيات فلقد أصبحت أبوظبي مركزا مهما لأمن إسرائيل، واستخباراتها، علاوة على التوسع في العمليات التجارية في العالم العربي، حيث تم إبرام اتفاق بين شركة الإمارات العربية المتحدة وشركات أمن إسرائيلية، بهدف توفير الحماية لمرافق النفط والغاز مقابل عوائد مالية. وتشمل الاتفاقية إنشاء شبكة للتحويلات النقدية المشروطة في أبوظبي فضلا عن الدور الذي تقوم به دبي في هذا الصدد. كما شاركت القوات الجوية الإماراتية في المناورات العسكرية الأميركية المعروفة باسم "تمرين العلم الأحمر" في عام 2016، وأخرى تمت في اليونان هذا العام.
وحسب معلومات نقلتها وسائل إعلام أميركية فإن آراء السفير الإسرائيلي رون ديرمير والسفير الإماراتي يوسف العتيبة متفقة تماماً في كل القضايا، وخصوصاً العداء لإيران ومحاربة الإسلام السياسي. وكان أشاد دبلوماسي كبير في السفارة الإسرائيلية في واشنطن، وفق وسائل إعلام أميركية، بما وصفه "التحالف الاستراتيجي بين إسرائيل والعرب البعيد عن السياسة والأيديولوجيا". حينها وجّه السفير الإسرائيلي دعوة لصديقه السفير الإماراتي لحضور خطاب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في الكونغرس عام 2015.
وكانت رسائل العتيبة الإلكترونية التي تم اختراقها كشفت عن تنسيق عالي المستوى بين أبوظبي وتل أبيب، وأن العتيبة أوجد حالة من الانسجام في مسائل السياسة بين الإمارات وإسرائيل نجم عنه زيادة في التفاعلات المتبادلة. كما صدر تقرير عام 2012 عن موقع الاستخبارات الفرنسية مفاده أن "إيه جي تي إنترناشيونال" (وهي شركة مرتبطة بإسرائيل) قد وقعت عقدًا بقيمة 800 مليون دولار لتزويد سلطة البنية التحتية الوطنية في أبوظبي بمعدات تصوير وسياجات إلكترونية ومجسات لرصد البنية التحتية الاستراتيجية وحقول النفط.
من الرياضة إلى السياسة
كان أحد مداخل التطبيع ومجال إثارة الجدل حوله مدّ العلاقات الرياضية. وآخر مثال على ذلك غير سباق السيارات البحريني كان في المملكة نفسها في مايو/ أيار الماضي، حين استضاف اتحاد كرة القدم البحريني اجتماع الجمعية العمومية للاتحاد الدولي لكرة القدم، بمشاركة ممثلين من الاتحاد الإسرائيلي، بصفته عضواً في "الفيفا" من بين 211 من الاتحادات الوطنية. وفي تعليقه قال رئيس الاتحاد البحريني لكرة القدم علي آل خليفة: "الأكيد أن استضافة البحرين كونغرس الفيفا أكبر بكثير من مسألة دخول ثلاثة أعضاء من اتحاد الكرة الإسرائيلي إلى البحرين. ننظر دائما إلى الجزء المليء من الكأس، الأمر الذي يتضمن برامج سياحية ومتطلبات معيشية وضيافة وإعلاما عالميا سينقل تطور الأحداث الكروية من البحرين". كما برّر هذه الاستضافة بفصل الرياضة عن السياسة، عندما قال: "لسنا الوحيدين الذين فصلنا السياسة عن الرياضة، جميع الدول تستضيف الكونغرس الذي يضم 209 دول، وتعتبر البحرين البلد الخليجي الثاني الذي يستضيف هذا الحدث بعد قطر في 2003". إلا أن "الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني" أعلنت رفضها هذه الزيارة، وقالت: "المكانة الرياضية ليست أغلى من دماء شعبنا، إبعاد الشأن الرياضي عن الشأن السياسي، بقبول تدنيس وفد من الصهاينة المحتلين أرضنا وقبول التطبيع معهم، بحجة أن استضافة كونغرس الفيفا حدث رياضي عالمي مهم، هو أمر مرفوض جملة وتفصيلاً". مؤكدة أن هذه الاستضافة تطبيع واضح ومباشر وتنازل غير مسبوق عن ثوابت الأمة العربية تجاه القضية الفلسطينية التي تشكل القضية المركزية لكافة العرب.
كما قدّم وزير خارجية البحرين، خالد بن أحمد آل خليفة، عبر حسابه الرسمي على "تويتر"
في إبريل/ نيسان 2016 نعياً للرئيس الإسرائيلي السابق، شمعون بيريز، ونعته بأنه رجل السلام "ارقد بسلام أيها الرئيس شمعون بيريز، رجل حرب ورجل سلام لا يزال بعيد المنال في الشرق الأوسط"، فيما هو يغرّد بشكل شبه يومي عن الخطر الإيراني الذي يهدّد المنطقة مثل تغريدته في السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي "نعي تماما إن جمهورية إيران، بحزبها وحشدها وعصائبها، هي الخطر الحقيقي على المنطقة بأسرها. وأفعالها تؤكد ضرورة كبحها وإزالة خطرها".
وفي تصريح كاشف له، تحدث وكيل وزارة الخارجية البحريني، حمد العامر، عن "إمكانية التحالف وتطبيع العلاقات مع إسرائيل في عام 2013. ثم جاء اعتراف وزير الخارجية البحريني عام 2015 في حديث مع قناة سكاي نيوز الأميركية بأنّ البحرين ودولا خليجية تجري مفاوضات لشراء منظومة الصواريخ الإسرائيلية المتقدمة "القبة الحديدية" من خلال متعاقدين أميركيين.
يأتي ذلك إلى جانب زيارات عديدة لمسؤولين خليجيين القدس والمدن الفلسطينية المجاورة، بحجج مختلفة، منها الرياضة، وحضور المؤتمرات أو الزيارات البرلمانية، معلنة أو سرية، فإنها تخرج إلى السطح بعد فترة من خلال الصحافة الإسرائيلية، أو تسريبات هنا وهناك، فتشهد موجة من الانزعاج في الشارع الخليجي وتعود لتهدأ.
ردة فعل الشارع
لهذا السبب، رأى شباب خليجيون عديدون مناهضون للتطبيع مع إسرائيل ضرورة تسليط الضوء على الأمر وخطورته، عبر إقامة مؤتمر لمقاومة التطبيع في الكويت لمناقشة مواضيع وتحدياتٍ تواجه حركات مقاطعة الكيان الصهيوني في الخليج، وسبل تعزيز حملات المقاطعة وتكثيفها بشكل فعال وممنهج. بالإضافة إلى توعية شباب المنطقة بالنضال العربي الفلسطيني المشترك، وأهمية المقاطعة وكيفية المساهمة فيها، كما جاء في بيان أصدرته اللجنة المنظمة.
"يأتي تنظيم هذا المؤتمر رداً على التوجهات التطبيعية مع العدو الصهيوني التي تشهدها المنطقة، مما يدعو إلى ضرورة إبراز الصوت الشعبي في الخليج الرافض للتطبيع، والتصدي لمحاولات التطبيع بأشكاله المباشرة وغير المباشرة كافة، حيث تقع على عاتقنا مسؤولية كبيرة تجاه حماية دولنا من خطر المشروع الصهيوني، وكذلك إزاء شعب فلسطين وقضيته العادلة، وأهمها توعية الأجيال المقبلة بهذه القضية الإنسانية والانخراط في سبل المقاومة المتاحة أمامنا" كما صرح لكاتبة هذه السطور عضو اللجنة المنظمة، ومسؤولها الإعلامي، مراد الحايكي. وقالت عضو مجموعة "شباب قطر ضد التطبيع"، وهي مجموعة شبابية تعمل على رصد محاولات التطبيع في العالم العربي وتسعى لمقاومتها، مريم الهاجري، "نسعى إلى دعم القضية الفلسطينية من خلال التركيز على خطر التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاشم.. الذي يهدد وجوده أمن كل من هم/هن على أرض فلسطين، علاوة على تهديده لأمن المنطقة واستقرارها".
وفي مقالة له نُشرت في "القدس العربي" يطرح الكاتب القومي البحريني علي فخرو تساؤلات عديدة في ما يتعلق بعلاقة دول الخليج بإسرائيل وسط العداء لإيران: "هل في هذا الموضوع وجهات نظر، أم أننا أمام معايير والتزامات وجودية مصيرية لا يمكن التلاعب بها تحت أي ظرف من الظروف، أو بسبب أي صراع مؤقت مع هذه الدولة أو تلك؟ هل أن تاريخ فكر وخطاب الحركة الصهيونية، وتصريحات قادتها عبر أكثر من قرن، وحروبها العدوانية المتكررة، ومئات الاغتيالات التي نفذها الموساد الاستخباراتي بحق الساسة والعلماء والمناضلين والمقاومين العرب، والخريطة المرسومة لإسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، هل أن كل ذلك كان موجها ضد شعب فلسطين العربي فقط، ومقتصرا على أرض فلسطين التاريخية المسروقة فقط؟ أم أنه كان ضد كل شعب عربي، وشاملا لكل الأرض العربية؟".
ويرى الناشط البحريني، خليل بو هزاع، أن "السنوات الأخيرة شهدت خطوات واضحة للتطبيع من بعض الحكومات الخليجية، إضافة إلى التساهل الذي تبديه تلك الحكومات مع الشخصيات التي تنظم زيارات إلى الأراضي المحتلة بحجة المشاركة في فعاليات ثقافية أو رياضية، وجميعها في تقديري لا تسعى إلا لتمييع الموقف من القضية الفلسطينية واعتبار الكيان الصهيوني المحتل كياناً طبيعياً علينا التعامل معه. يحق للمرء أن يتساءل، لماذا هذا التوجه المحموم من قبل الحكومات وبعض الشخصيات لإقامة علاقات مع كيان لا يحترم القانون الدولي ويوصف بأنه كيان عنصري". فهل نرى قريبا علاقات علنية خليجية إسرائيلية؟ وهل تعود مكاتب التمثيل للظهور أو ربما سفارات وقنصليات؟
صور جديدة للتطبيع
شهدنا المدون الإسرائيلي، بن تسيون، يزور المسجد النبوي في المدينة المنورة، في أثناء زيارته أخيرا المملكة السعودية، والتي قال إنها "زيارة شخصية". عندها، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية رد فعل على فيديو بن تسيون داخل المسجد، والذي نشره على صفحته على "فيسبوك" مذيلة بتعليق: "صلاة من أجل السلام! جنبا إلى جنب مع إخوتي العرب، نصلي من أجل السلام في شرق أوسط للجميع. من أجل السلام بين اليهود والمسلمين والمسيحيين والأقباط والدروز والبدو، ولكل سليل لإبراهيم يُعرَف باسم إبراهيم. سلام وشالوم". تم تداول الفيديو على صفحات عربية مع التعليق عليه غالبا سلبا، وطرحت تساؤلاتٌ بشأن دخول بن تسيون المملكة؟ وكيف سُمِح له بدخول المسجد؟ وغيرها من التساؤلات والتهكمات المصحوبة باتهامات للسعودية بالتطبيع مع إسرائيل.
من ناحية ثالثة استضافت البحرين سائقا إسرائيليا في سباقٍ أقيم على حلبتها الدولية في نوفمبر/ تشرين الثاني. وطلب المنظمون منه عدم رفع العلم الإسرائيلي على سيارته، لعدم إثارة الرأي
لم ترد أي ردود فعل رسمية خليجية على هذه الحوادث الثلاث التي وقعت خلال شهر، حيث تنشغل ماكينات الإعلام الرسمية وغير الرسمية بالتصريحات عن خطورة إيران والمد الإيراني والنووي الإيراني، فيما تتجاهل السلطات كل تلك النعومة في التعامل مع عدو الأمس (إسرائيل) عبر تطبيع العلاقات معه بطرق متنوعة. وفي وقتٍ وجه فيه المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج، الدكتور ظافر العجمي، اتهاما لإسرائيل "الصهاينة يقومون بعمل منظم لإحداث مزاج تصالحي وتطبيعي مع دول الخليج العربي خصوصا، لكن المزاج الخليجي لن يعترف بحق اللص في سرقة بيت أخيه (في إشارة إلى فلسطين)" خلال لقاء إذاعي في برنامج "ساعة خليجية". كما قال جمال خاشقجي في مقابلة إذاعية له: "تسود دول الخليج، ولا سيما السعودية، حالة من السعي إلى تهيئة المزاج الشعبي للتطبيع مع إسرائيل، عن طريق بعض الكتاب والمحللين".
وقد يكون هذا المزاج الذي يتحدث عنه العجمي أو خاشقجي هو ما عبر عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عندما غرد في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني على حسابه باللغة العربية على "تويتر"، إن "أكبر عقبة أمام توسيع دائرة السلام ليست زعماء الدول التي تحيط بنا، بل هي الرأي العام في الشارع العربي الذي تعرض على مدار سنوات طويلة لدعاية عرضت إسرائيل بشكل خاطئ ومنحاز".
وفي مثالٍ قد تنطبق عليه إشارة خاشقجي إلى محللين يهيئون المزاج الشعبي للتطبيع، نفى الإعلامي الكويتي، عبد الله الهدلق، في لقاء تلفزيوني على قناة الرأي الكويتية، أن تكون هناك دولة اسمها فلسطين: "في عام 1948عندما قامت دولة إسرائيل، لم يكن هناك وجود لدولة اسمها فلسطين، ليس لهم وجود أبدا، هم كانوا شتاتا متشتتا (..) من الكنعانيين أو العماليق أو الجبارين، وبالتالي لا وجود لدولة اسمها فلسطين". كما ظهر الكاتب البحريني، عبد الله الجنيد، أخيرا في مقابلة مع القناة العاشرة العبرية، بطلب منه عبر البريد الإلكتروني للقناة، ليتحدث عن أمن الخليج والخطر الذي يهددها من إيران تماما كما يهدد إسرائيل، حسب تعبيره، معتبرا أن رحلة ترامب من الرياض إلى تل أبيب "كانت حدثاً تاريخياً".
ولعل موقف عبد الله الجنيد وعبدالله الهدلق وغيرهما ممن يعترفون بدولة إسرائيل ظاهرة جديدة في هذه المنطقة التي عُرفت بعدائها الكيان الصهيوني الذي تأسس في قلب منطقة الشرق الأوسط في أربعينيات القرن الماضي. وحتى إن لم يكن الأمر كذلك، فإن التصريح بالتعاون أو قبوله أو التطبيع مع هذه الدولة لطالما اعتبر أمرا مشينا أو معيبا.
ومنذ عام 1996، وبعد مؤتمر مدريد للسلام، افتتحت قطر وسلطنة عُمان مكتبين تجاريين إسرائيليين، استمرا حتى عام 2000، حيث أغلقا رسميا إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية. كما تصل إلى الدول الخليجية بضائع عديدة مصنعة في إسرائيل، والتي عادة ما يكشف عنها المواطنون، ويتم التبليغ عنها، فتسحبها الجهات الرسمية أو تتجاهل النداءات.
إلا أن التقارب على المستوى الرسمي، أخيرا، بين إسرائيل والدول الخليجية، فتح المجال لأصوات تطبيعية ركزت هجومها على الخطر الإيراني (أو الفارسي أو الصفوي كما يطلق عليه بعضهم)، فيما خففت لهجتها في ما يتعلق بالدولة الإسرائيلية. وبدا أن بعضهم بدأ في قبول إسرائيل شريكا في المنطقة، بل حليفا يتم اللجوء إليه على طريقة الهدلق في بعض الأوقات.
أمن وسياسة
ولعلّ دولة الإمارات العربية المتحدة الأكثر إمعانا في بناء علاقات مع كيان الاحتلال
وتعززت العلاقات بين البلدين منذ افتتاح الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في أبوظبي في عام 2015، فيما كان للإمارات دور في التطبيع الرياضي منذ استضافت في عام 2010 فريق الجودو الإسرائيلي.
وبحسب المعطيات فلقد أصبحت أبوظبي مركزا مهما لأمن إسرائيل، واستخباراتها، علاوة على التوسع في العمليات التجارية في العالم العربي، حيث تم إبرام اتفاق بين شركة الإمارات العربية المتحدة وشركات أمن إسرائيلية، بهدف توفير الحماية لمرافق النفط والغاز مقابل عوائد مالية. وتشمل الاتفاقية إنشاء شبكة للتحويلات النقدية المشروطة في أبوظبي فضلا عن الدور الذي تقوم به دبي في هذا الصدد. كما شاركت القوات الجوية الإماراتية في المناورات العسكرية الأميركية المعروفة باسم "تمرين العلم الأحمر" في عام 2016، وأخرى تمت في اليونان هذا العام.
وحسب معلومات نقلتها وسائل إعلام أميركية فإن آراء السفير الإسرائيلي رون ديرمير والسفير الإماراتي يوسف العتيبة متفقة تماماً في كل القضايا، وخصوصاً العداء لإيران ومحاربة الإسلام السياسي. وكان أشاد دبلوماسي كبير في السفارة الإسرائيلية في واشنطن، وفق وسائل إعلام أميركية، بما وصفه "التحالف الاستراتيجي بين إسرائيل والعرب البعيد عن السياسة والأيديولوجيا". حينها وجّه السفير الإسرائيلي دعوة لصديقه السفير الإماراتي لحضور خطاب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في الكونغرس عام 2015.
وكانت رسائل العتيبة الإلكترونية التي تم اختراقها كشفت عن تنسيق عالي المستوى بين أبوظبي وتل أبيب، وأن العتيبة أوجد حالة من الانسجام في مسائل السياسة بين الإمارات وإسرائيل نجم عنه زيادة في التفاعلات المتبادلة. كما صدر تقرير عام 2012 عن موقع الاستخبارات الفرنسية مفاده أن "إيه جي تي إنترناشيونال" (وهي شركة مرتبطة بإسرائيل) قد وقعت عقدًا بقيمة 800 مليون دولار لتزويد سلطة البنية التحتية الوطنية في أبوظبي بمعدات تصوير وسياجات إلكترونية ومجسات لرصد البنية التحتية الاستراتيجية وحقول النفط.
من الرياضة إلى السياسة
كان أحد مداخل التطبيع ومجال إثارة الجدل حوله مدّ العلاقات الرياضية. وآخر مثال على ذلك غير سباق السيارات البحريني كان في المملكة نفسها في مايو/ أيار الماضي، حين استضاف اتحاد كرة القدم البحريني اجتماع الجمعية العمومية للاتحاد الدولي لكرة القدم، بمشاركة ممثلين من الاتحاد الإسرائيلي، بصفته عضواً في "الفيفا" من بين 211 من الاتحادات الوطنية. وفي تعليقه قال رئيس الاتحاد البحريني لكرة القدم علي آل خليفة: "الأكيد أن استضافة البحرين كونغرس الفيفا أكبر بكثير من مسألة دخول ثلاثة أعضاء من اتحاد الكرة الإسرائيلي إلى البحرين. ننظر دائما إلى الجزء المليء من الكأس، الأمر الذي يتضمن برامج سياحية ومتطلبات معيشية وضيافة وإعلاما عالميا سينقل تطور الأحداث الكروية من البحرين". كما برّر هذه الاستضافة بفصل الرياضة عن السياسة، عندما قال: "لسنا الوحيدين الذين فصلنا السياسة عن الرياضة، جميع الدول تستضيف الكونغرس الذي يضم 209 دول، وتعتبر البحرين البلد الخليجي الثاني الذي يستضيف هذا الحدث بعد قطر في 2003". إلا أن "الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني" أعلنت رفضها هذه الزيارة، وقالت: "المكانة الرياضية ليست أغلى من دماء شعبنا، إبعاد الشأن الرياضي عن الشأن السياسي، بقبول تدنيس وفد من الصهاينة المحتلين أرضنا وقبول التطبيع معهم، بحجة أن استضافة كونغرس الفيفا حدث رياضي عالمي مهم، هو أمر مرفوض جملة وتفصيلاً". مؤكدة أن هذه الاستضافة تطبيع واضح ومباشر وتنازل غير مسبوق عن ثوابت الأمة العربية تجاه القضية الفلسطينية التي تشكل القضية المركزية لكافة العرب.
كما قدّم وزير خارجية البحرين، خالد بن أحمد آل خليفة، عبر حسابه الرسمي على "تويتر"
وفي تصريح كاشف له، تحدث وكيل وزارة الخارجية البحريني، حمد العامر، عن "إمكانية التحالف وتطبيع العلاقات مع إسرائيل في عام 2013. ثم جاء اعتراف وزير الخارجية البحريني عام 2015 في حديث مع قناة سكاي نيوز الأميركية بأنّ البحرين ودولا خليجية تجري مفاوضات لشراء منظومة الصواريخ الإسرائيلية المتقدمة "القبة الحديدية" من خلال متعاقدين أميركيين.
يأتي ذلك إلى جانب زيارات عديدة لمسؤولين خليجيين القدس والمدن الفلسطينية المجاورة، بحجج مختلفة، منها الرياضة، وحضور المؤتمرات أو الزيارات البرلمانية، معلنة أو سرية، فإنها تخرج إلى السطح بعد فترة من خلال الصحافة الإسرائيلية، أو تسريبات هنا وهناك، فتشهد موجة من الانزعاج في الشارع الخليجي وتعود لتهدأ.
ردة فعل الشارع
لهذا السبب، رأى شباب خليجيون عديدون مناهضون للتطبيع مع إسرائيل ضرورة تسليط الضوء على الأمر وخطورته، عبر إقامة مؤتمر لمقاومة التطبيع في الكويت لمناقشة مواضيع وتحدياتٍ تواجه حركات مقاطعة الكيان الصهيوني في الخليج، وسبل تعزيز حملات المقاطعة وتكثيفها بشكل فعال وممنهج. بالإضافة إلى توعية شباب المنطقة بالنضال العربي الفلسطيني المشترك، وأهمية المقاطعة وكيفية المساهمة فيها، كما جاء في بيان أصدرته اللجنة المنظمة.
"يأتي تنظيم هذا المؤتمر رداً على التوجهات التطبيعية مع العدو الصهيوني التي تشهدها المنطقة، مما يدعو إلى ضرورة إبراز الصوت الشعبي في الخليج الرافض للتطبيع، والتصدي لمحاولات التطبيع بأشكاله المباشرة وغير المباشرة كافة، حيث تقع على عاتقنا مسؤولية كبيرة تجاه حماية دولنا من خطر المشروع الصهيوني، وكذلك إزاء شعب فلسطين وقضيته العادلة، وأهمها توعية الأجيال المقبلة بهذه القضية الإنسانية والانخراط في سبل المقاومة المتاحة أمامنا" كما صرح لكاتبة هذه السطور عضو اللجنة المنظمة، ومسؤولها الإعلامي، مراد الحايكي. وقالت عضو مجموعة "شباب قطر ضد التطبيع"، وهي مجموعة شبابية تعمل على رصد محاولات التطبيع في العالم العربي وتسعى لمقاومتها، مريم الهاجري، "نسعى إلى دعم القضية الفلسطينية من خلال التركيز على خطر التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاشم.. الذي يهدد وجوده أمن كل من هم/هن على أرض فلسطين، علاوة على تهديده لأمن المنطقة واستقرارها".
وفي مقالة له نُشرت في "القدس العربي" يطرح الكاتب القومي البحريني علي فخرو تساؤلات عديدة في ما يتعلق بعلاقة دول الخليج بإسرائيل وسط العداء لإيران: "هل في هذا الموضوع وجهات نظر، أم أننا أمام معايير والتزامات وجودية مصيرية لا يمكن التلاعب بها تحت أي ظرف من الظروف، أو بسبب أي صراع مؤقت مع هذه الدولة أو تلك؟ هل أن تاريخ فكر وخطاب الحركة الصهيونية، وتصريحات قادتها عبر أكثر من قرن، وحروبها العدوانية المتكررة، ومئات الاغتيالات التي نفذها الموساد الاستخباراتي بحق الساسة والعلماء والمناضلين والمقاومين العرب، والخريطة المرسومة لإسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، هل أن كل ذلك كان موجها ضد شعب فلسطين العربي فقط، ومقتصرا على أرض فلسطين التاريخية المسروقة فقط؟ أم أنه كان ضد كل شعب عربي، وشاملا لكل الأرض العربية؟".
ويرى الناشط البحريني، خليل بو هزاع، أن "السنوات الأخيرة شهدت خطوات واضحة للتطبيع من بعض الحكومات الخليجية، إضافة إلى التساهل الذي تبديه تلك الحكومات مع الشخصيات التي تنظم زيارات إلى الأراضي المحتلة بحجة المشاركة في فعاليات ثقافية أو رياضية، وجميعها في تقديري لا تسعى إلا لتمييع الموقف من القضية الفلسطينية واعتبار الكيان الصهيوني المحتل كياناً طبيعياً علينا التعامل معه. يحق للمرء أن يتساءل، لماذا هذا التوجه المحموم من قبل الحكومات وبعض الشخصيات لإقامة علاقات مع كيان لا يحترم القانون الدولي ويوصف بأنه كيان عنصري". فهل نرى قريبا علاقات علنية خليجية إسرائيلية؟ وهل تعود مكاتب التمثيل للظهور أو ربما سفارات وقنصليات؟
دلالات
مقالات أخرى
04 يونيو 2018