قصصنا في الأولمبياد

قصصنا في الأولمبياد

19 اغسطس 2016
+ الخط -
يشارك نحو خمسمئة شاب وشابة عربية في منافسات أولمبياد ريو دي جانيرو. وعلى قلة الميداليات (برونزية وفضية وذهبية) التي أحرزوها هناك، إلا أن الواحد يغتبط بهم، ولا سيما بالمميّزين منهم، لكن متابعة قصصنا، نحن العرب، في الموسم الرياضي الكوني الراهن، المثير والمتنوّع، لا تجعلنا ننصرف إلى الانتباه، فقط، إلى هذه الميداليات ومراتبها، على شحّ الذهبي منها خصوصاً، وإنما إلى أمور أخرى، تقع خارج الرياضة غالباً، وتتصل بأحوالنا المختلّة. وما يزيد من حدّة المسألة أن دولاَ أقلّ من العرب، إمكاناتٍ وثرواتٍ وقدراتٍ، من أفريقيا مثلاً، يُحرز شبّانها وشابّاتها في ملاعب ريو دي جانيرو تفوقاً ظاهراً، فيصلون إلى منصّات التتويج باقتدار، حيث تُعزف الأناشيد الوطنية لبلادهم التي تُرفع أعلامها أيضاً، وهم يتقلدون ميداليات التكريم، فيما يتخلّف عنهم شبابنا المتنافسون هناك.
ومن مفارقاتٍ أخرى، لا تغيب عن أي عابرٍ على مشاهد التظاهرة العالمية هذه، أنه، فيما يتوالى فوز المتابرين الأميركيين، وتقلّدهم 94 ميدالية حتى نهار أمس، 31 منها ذهبية، فإنك لا تصادف لأيٍّ منهم كلاماً عن أميركيتيهم، ولا عن محبّتهم وطنهم وإهدائهم فوزهم له. وهم في هذا يماثلون أترابهم الإنكليز والصينيين والروس والألمان (الخمسة الأوائل في إحراز الميداليات)، على غير ما هو فائضُ الوطنية لدى "لعّيبتنا". وإذا كان ليس من اللائق أن يعيب المرء على شبابنا هؤلاء مشاعرَهم هذه، فإن العجيب أن أوطاننا تحظى بهذا الفيض الغامر من الانتماء إليها، من رياضييها ومسؤوليها وكل من يدبّ فيها من ناسها، إلا أنها، في غير شأن وموضع، في حالٍ لا تُسعد النفس، وهذه منجزاتنا المتواضعة في ريو دي جانيرو تدلّ، من بين ما تدلّ، على ضعف تعليم الرياضة في مدارسنا، وعدم إيلاء المواهب والقدرات الشابة الرعاية المتواصلة الواجبة، لتكون في مستوى المنافسة الجدّية في المناسبات الرياضية العالمية، بجدارةٍ. لا أن نرطن، وبفرحٍ أحياناً، أن مجرد مشاركاتنا هنا أو هناك إنجاز. ولا يتعسّف المرء، أو يتزيّد، لو ناصر من تساءلوا، باستهجانٍ ظاهر، عن جدوى ابتعاث شاباتٍ سعودياتٍ إلى ريو دي جانيرو لسن على التدريب والتأهيل الكافيين، ليحصدن هزائم منظورة، ثم يبرّر بعضهم حالهم هذا بأن "شرف المحاولة" يشفع له. ويؤكد صاحب هذه الكلمات، هنا، تقديرَه طموح كلٍّ واحدةٍ منهن إلى تحقيق ما يسعين إليه من تميّز في الرياضات التي تنافسن فيها، كريمان أبو الجدايل وسارة العطار ولبنى العمير. 
بدلاً من أن تكون مشاركة هؤلاء الشابات في التظاهرة الرياضية العالمية في البرازيل مناسبةً ليستجدّ نقاش جدّي بشأن واقع المرأة السعودية العام، اتّجهت الأبصار إلى لبسهن الحجاب والسروايل والأكمام الطويلة، على غير مشهد السبّاحة السعودية التي تنتسب إلى وفد الفيليبين، بلد والدتها التي كانت خادمةً منزلية، ثم تركها زوجها السعودي في بلدها (هل نتذكّر رواية "ساق البامبو"؟). وهذه حدوتةٌ قد تأخذنا إلى زوبعة مسألة الهوية، والتي تتصل بها، أيضاً، مشاركة الفلسطينية، الألمانية الأم والجنسية، ميّادة الصياد، باسم فلسطين التي حملت علمها، والتي تتمثّل في الأولمبياد منذ عشرين عاماً.
أظهر السبّاحون والعدّاؤون والرّماة والكرويون والملاكمون العرب كفاءاتهم في المنافسة العالمية الجارية، لا مسؤولية تلحق بهم، لأن بلدانهم ليست كما أميركا أو الصين أو بريطانيا. ولأن مجتمعات بلدانهم تحفل بحجاب لاعبةٍ مصريةٍ في فريق بلدها يهزمه فريقٌ ألماني، كما حجاب زميلة لها نالت ميداليةً برونزية، وبعدم سلام لاعبٍ مصري مع إسرائيلي هزمه بتفوقٍ كبير، بعد أن قبل اللعب معه. أما حجاب الأميركية التي تبارز، بسلاح الشيش، فلا تستثير بيننا انتباهاً إلى تنوّع أميركا العريض. ... ليس في وسع العربي، إذن، في أولمبياد ريو دي جانيرو، أو غيره، أن يتخفّف من مشكلاته، السياسية والثقافية والحضارية العويصة، وكانت قصصنا التي دلّت على هذا وفيرةٌ هناك، غير أننا ابتهجنا بالسبّاحة السورية، يسرى مارديني، وقد جعلتها جرائم الأسد في وفد اللاجئين.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.