الانتخابات الأميركية.. تحت الحزام

16 اغسطس 2016

ترامب وهيلاري .. تبادل الدعايات المضادة

+ الخط -
يرتفع نشاط المرشحين للانتخابات عادةً، كلما اقترب موعد الحسم النهائي. وفي الولايات المتحدة، يعمل المرشحان، وهما على بُعد أسابيع من إعلان النتائج، كلٌ لسلب الآخر جمهوره، فينشر دعاياتٍ مضادة، تستهدف عمق مؤيدي الآخر، وتحاول التشكيك بالروايات الأصيلة التي رشَّح المنافس نفسه على أساسها.
تصطحب هيلاري كلينتون زوجها، وتتجه إلى أبعد المدن، لانتزاع أصوات ناخبين بيض من الطبقة العاملة، فَقَدَ معظمُهم عمله، بسبب ممارسات بيل كلينتون الاقتصادية "الخاطئة" في عهده، فصارت المنطقة صيداً سهلاً لمنافسها دونالد ترامب. وعلى طريقة التاجر الشامي الذي يبحث دائماً عن صلة قربى تجمعه بالزبون، ليعزّز مصداقيته، تُذكِّر المرشحة ذات السبعة والستين عاماً، بجذورها العائلية العاملة في بنسلفانيا، لتتقرب من الناخبين ذوي الأحقاد القديمة على السياسات الكلينتونية.
يقبض ترامب على قلقه، وهو يراقب هبوط مؤشر أصواته، لكنه يستعمل تصريحاتٍ أكثر عدائية، يتهم فيها منافسته وداعميها الذين يتغنون بقيم الليبرالية حد التطرف، ويدّعون الدفاع المستمر عن المثل العليا في الوجود، بأنهم وراء تأسيس أخطر التنظيمات الإرهابية الأصولية الراهنة التي تضرب بلدان الغرب الآمنة. ليفقد بعد ذلك توازنه بشكل شبه كلي، فيرسل دعواتٍ، قاربت التهديد بالقتل، لتطاول شخص هيلاري كلينتون وداعميها.
بعيداً عن تلك السجالات، تتمتع كلينتون بنقاط قوةٍ فائقة، أهمها معتوهية منافسها التي دفعت سابقاً بنخبة من المثقفين والفنانين في أميركا لقيادة حملات إعلاميةٍ، تسخر وتتبرأ من مرشحٍ كهذا لرئاسة أميركا، وسببت، أخيراً، توقيع عشرات من أعضاء حزب ترامب الجمهوري بياناً وصَف ترامب بالمختل عقلياً، ودعا البيان، في سابقةٍ خطيرةٍ، إلى التخلي عن مرشحهم، وطالب باستبداله، أو انسحابه فوراً.
يدَّعي صاحبُ المليارات الاسترخاء، وهو يمتلك نقاط قوةٍ في الحزب، ويرفع التهديد بقطع التمويل ورقة إنذار في وجه الداعين إلى سحب ترشيحه. في المقابل، تحظى كلينتون بدعم مطلق من الرئيس باراك أوباما الذي استغل عدة مناسباتٍ، ليؤكد تأييده الكامل لها. يشهد تاريخ الولايات المتحدة دعم زملاء الحزب زملاءهم في أثناء الترشيحات التالية، وربما من باب رد الجميل للرئيس الأسبق، بيل كلينتون، الذي دعم أوباما في أثناء خطابٍ جاء أشبه بعرض مسرحي. لكن، بحجم جمهور يفوق عدد مشجعي كرة القدم في المباريات الدولية.
يعظِّم أوباما هيلاري كلينتون، وبينما يتغنى بأميركا الدولة ذات التقدم المهول في التكنولوجيا والعلوم والإنسانية، يؤكد أن هذه المرأة أفضل رئيس ممكن أن يقود الولايات المتحدة، برأيه.
لم يحاول أوباما تذويب غيظ من اعتصموا من جمهور الحزب الديمقراطي، احتجاجاً على ترشيح كلينتون بعد فضيحة تسريب رسائل إلكترونية كشفت دعم قيادات الحزب هيلاري على حساب منافسها بيرني ساندرز، لكنه، بدل ذلك، ركّز على تحطيم الخصم المنافس، فوصف، وهو الخبير بعلوم الدول، ترامب بالجاهل بالسياسة والعلاقات الدولية.
كان أوباما قد تفوّق على هيلاري في ترشيحات الحزب الديمقراطي لرئاسة البلاد عام 2008، حيث لم تنفع كلينتون خلفية أسرتها السياسية العريقة، وكونها زوجة رئيس سابق قدّم لأميركا خدمات جليلة، وانهار ما جنّدته كلينتون من خبرة عقودٍ أمام مثقفٍ سياسيٍّ، ذي أصول إفريقية، لكن تلك الخبرة دفعتها إلى دعمه، فيما بعد، في وجه منافسه الجمهوري، جون ماكين، فعيّنها أوباما، فور توليه الرئاسة، وزيرةً للخارجية، قبل أن تتخلى عن المنصب لصالح جون كيري، وتبدأ بتجهيز نفسها لخوض سباق رئاسي جديد، حال انزياح أوباما عن المشهد.
تتلهف حكومات دول الشرق الأوسط لقدوم رئيس جديد للولايات المتحدة، وطي ثماني سنوات تراجع فيها اهتمام أميركا بكوارث المنطقة، وتمدّدت المليشيات الأصولية على أراضي العرب. وعلى الرغم من حقيقة أن المرشحَين المتوفرين لا يثيران لعاب الحكومات العربية، فإن تسريباتٍ إيجابيةً فيما يخص الشرق الأوسط كُتِبتْ عن كلينتون وحلفائها يرجح انحياز العرب لها في مقابل الجمهوري المتطرّف الذي أبدى رغبة عارمة في التقرب من الزعيم الروسي، العدو المفترض لمعظم هذه الدول.

فاطمة ياسين
فاطمة ياسين
كاتبة سورية، صحفية ومعدة ومنتجة برامج سياسية وثقافية