زوج في المطبخ

22 يونيو 2016

(Getty)

+ الخط -
اعترفت بقولها: لا أشعر بالسعادة أو الرضا، لأنه يقرّر دخول مملكتي خلال شهر رمضان فقط، لا أحب أن ينازعني في مملكتي أحد، ولا أحب طريقته في التعامل معي داخلها، فأنا لا أقبل مشاركته الموسمية هذه، والتي أعرف سببها الأول، وهو شعوره بالجوع، ورغبته في أن يأكل أشهى الأطباق مع تزجية الوقت، حتى يحين موعد الإفطار؟

تختلف أسبابي في دخول المطبخ عنه كثيراً، فهذا قدري، لأني زوجة شرقية، تزوجت من رجل تربّى على يد أمٍّ لا تختلف كثيراً عني وعن أمي وعن جدتي، فكل هؤلاء النساء الشرقيات قد غذيّن بداخله مفهوماً متجذّراً واحداً، هو أن المطبخ مكان المرأة، ولو وصلت بشهاداتها إلى المريخ، حسب تعبيرهن في الأمثال الدارجة، كما أن بعض الرجال أهانوا النساء، حين طلبوا من الواحدة منهن أن تتخلّى عن عملها، وتعلّق شهاداتها في المطبخ، وتناسوا سنوات تعبها وسهرها، حتى حصلت على هذه الشهادات، معتقدين أن قدرتهم المادية على الإنفاق تعني أن يتراجع دورها، ويبقى قاصراً على المطبخ.

عادت لتشكو وتتذمر مع إشراقة دمعٍ في مقلتيها: لا أدري أين يكون طوال أيام السنة، وأنا أستيقظ مبكرةً، لأعد الإفطار له ولأطفالي، قبل أن ينطلق إلى العمل، ويصحبهم إلى المدرسة. ولا أدري أين يكون، حين أعود من المشفى بعد الولادة، فأتحامل على نفسي، وأقف في المطبخ، لأعد وجبةً لباقي الصغار الذين أمضوا أيام غيابي، يعانون من "قحل" غذائي، فلماذا لم يقرّر أن يدخل المطبخ وحيداً، ليعد لهم المعكرونة التي يعشقونها، ولا حتى طبقاً من المهلبية المزيّن بالمكسّرات، واكتفى بالحلول السهلة، وهي طلب وجبات "الدليفري"، أو اصطحابهم إلى المطعم القريب، ليتناولوا الطعام فيه، وهو يلقي أوامره عليهم بألا يلوّثوا ثيابهم، وألا يتركوا شيئاً في أطباقهم، وقد يتفتّق ذهنه عن فكرةٍ سحريةٍ، فيدعو نفسه معهم إلى الغداء في بيت أمه أو شقيقته التي لم يزرها منذ شهور، وهو يسوق عذره أمامه: تحمّلونا، لأن أمهم في المستشفى.

ولا أدري لماذا لم يقرّر أن يقاسمني مهام المطبخ في شهور عسلنا الأولى، وكان يتركني عند بابه، ويستلقي على الأريكة الوثيرة، ليتابع مباراة كرة القدم، أو يقلّب القنوات الفضائية، من دون أن يستقرّ على قناةٍ بعينها، حتى أعد الطعام، وأحمله إلى المائدة.

لن أفاخر أمام صاحباتي الساذجات اللواتي يردّدن أنهن يرتحن من الطبخ خلال الشهر الكريم، ويعلنَّ بزهو بأن هذا  الشهر هو شهر "أحمد أو محمود" ، لأن ذاك الـ"أحمد"، مثلاً، يقرّر أن يكون شيف رمضان، فيستعيد كل ما كان يقوم به من فنون أو "تخبيص" أيام العزوبية، في شقة الطلبة المشتركة مع زملائه العزاب، ويعده لها وللأولاد، والمطلوب منها أن تثني على ما أعدّه، وتلوك الطعام باستمتاع، لكي تمر الليلة بسلام.

لا أدري كم مرّة كرَّرَت عبارة: لست سعيدةً، فقد كانت تريدُه أن يتخلى عن دور القائد، فهو يطلب منها تقشير البصل. وهذا يقلل من دورها في مملكتها، فيما عليه أن يضبط عيار الملح والبهارات، لأن هذا الأهم، ويطلب منها أن تقطع حبّات الخيار، وتفرم أوراق الخس، لكي يرصّها في طبق التقديم الكبير الفاخر في طبقاتٍ على أنها "سلطة يونانية"، وينسى أنه تذوّقها للمرة الأولى من تحت يديها.

أدلت لي باعترافها الأخير، وهو أنها تكره عودته مبكراً من الدوام خلال أيام الشهر، لأنها تعلم أنه أعلن، أمام أصحابه، أن المطبخ ينتظره، وقد نسي ما قاله يوماً أمامهم أنه يكره المرأة التي تقضي نصف يومها في المطبخ، لكنه يقضي، في كل يوم رمضاني، أكثر من ست ساعات متواصلة وهو داخل المطبخ، لأنه يريد أن يكون واثقاً بأن ما سينزل لمعدته الجائعة سيخمد صوت عصافيرها الخمّاص، باختصار هي تريد زوجاً يقف بـ"الشورت والفانلة" في المطبخ، في جولةٍ استطلاعية تفقدية سريعة فقط.

سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.