ليبيا على طريق الحل

20 مايو 2016
+ الخط -
يبدو أن ليبيا بدأت الخروج من عنق الزجاجة، وسارت في طريق الحل، وتبشّر تطورات الأيام الأخيرة بقرب انتقال هذا البلد إلى مرحلةٍ جديدةٍ، بعد عدة أعوام من الانقسام الداخلي بين طرابلس وبنغازي، الأمر الذي أدى إلى قيام حكومتين وبرلمانين، وساهم، في صورة أساسيةٍ ببروز "داعش" على مسرح الأحداث، خطراً داخلياً وخارجياً. وقد شكل الاجتماع الدولي الخاص بليبيا، الإثنين الماضي في فيينا، منعطفاً أساسياً في الأزمة، لأنه وضع، من دون غموض، خريطة طريق جديدة تنهي الانقسام، وحدّد مسؤوليات الأطراف كافة والتزاماتها تجاه تسهيل عمل حكومة الوفاق الوطني، برئاسة فايز السراج، والتي واجهت، منذ تشكيلها، عقبة منح الثقة من برلمان طبرق، نزولاً عند ضغوط اللواء خليفة حفتر الذي يحاول الحصول على مكاسب شخصية، وموقع خاص داخل المؤسسة العسكرية، يعطيه صلاحيات السيطرة والتحكم بالقرار السياسي، على الرغم من أنه من أطراف النزاع.
ما كان للتقدم النوعي أن يحصل، لو لم يتقاطع العاملان الداخلي والخارجي بقوة، ويلتقيان عند نقطة الحل. وهنا، تفيد الإشارة بأن ضغط الوضع الداخلي لا يقل وطأةً عن تأثير التداعيات السلبية على الخارج.
على المستوى الداخلي، اقتنعت الأغلبية في المعسكرين المتصارعين، في الغرب والشرق، بأن القتال يمكن أن يطول، لكنه لن يوصل إلى انتصار طرفٍ على الآخر، بل سينتهي حكماً بخسارة الطرفين ودمار البلد. ولذا بذلوا جهداً كبيراً، على مدى أكثر من عام، في حوارات توزعت بين المغرب والجزائر وتونس، وتكثفت في الأشهر الأخيرة في الصخيرات المغربية، ثم عرفت نهاية جيدة في تونس، حين انتقلت حكومة الوفاق الوطني من تونس إلى طرابلس بحراً في نهاية مارس/ آذار الماضي، وهي الخطوة التي شكلت إنجازاً كبيراً في مسار الأزمة، وفتحت الأبواب أمام المتردّدين في الداخل لحسم مواقفهم، ووضعت الأطراف الدولية أمام مسؤولياتها، للانتقال نحو الخطوة اللاحقة، وهي إسناد هذه الحكومة، لكي تتمكّن من ممارسة مهامها على الأرض.
داخلياً، كانت ليبيا مهدّدة بجملةٍ من المخاطر، كالتقسيم الذي كان يوحي بأنه لن يقف عند شطرين غرب وشرق، بل يمكنه أن يمتد إلى انشاء إمارةٍ خاصةٍ بداعش، وقيام تكويناتٍ قبليةٍ وحتى عرقية، وعملت الظروف المحيطة بالوضع الليبي على تغذية عوامل الانقسام أكثر مما شجعت على تطوير القواسم المشتركة، خصوصاً الدور الذي لعبه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، من خلال وقوفه بقوة إلى جانب حفتر الذي كان يعارض الحوار طريقاً للحل، ويعمل على استدراج تدخل عسكري دولي.
إن فشل مشروع التدخل الدولي في ليبيا هو الذي أتاح لحوار الأطراف الليبية أن يشقّ مجراه الصعب، ليصل إلى تشكيل حكومة الوفاق، وقد تم ذلك بفضل العقلاء من الليبيين في الاتجاهات كافة، الذين انتصر لديهم الحس الوطني على النزعات الأخرى، وساعدهم في ذلك أشقاء من دول الجوار والخليج، وحتى تركيا. وهنا، يمكن تسجيل ملاحظة أساسية، هي أن اتفاق الليبيين هو الذي قطع الطريق على التدخل الخارجي في صورةٍ عسكرية، لكن التدخلات السياسية لم تنته، ولن تتوقف قريباً، إلا أن الحد من ضررها لن يتم إلا بمزيدٍ من وحدة الليبيين، واتفاقهم على إدارة شؤون بلادهم، بروحية لا غالب ولا مغلوب، ومواجهة إرهابيي "داعش" بقواتٍ ليبية، وتفويت الفرصة على الأطراف الخارجية التي تعمل للتسلل إلى ليبيا بذريعة محاربة الإرهاب.
الحل الليبي المنشود اليوم لا يعني أن كل الخلافات ستتم تسويتها على وجه السرعة بقرار أو اتفاق، وإنما أن تتوفر الإرادة لدى الليبيين على فتح صفحةٍ جديدةٍ، بالاستفادة من تجربة جيرانهم في تونس الذين استطاعوا، من خلال الحوار، إدارة التباينات بحسٍّ عال من المسؤولية.