إلى لبنان... در

30 مايو 2015
+ الخط -
من الضروري متابعة الوضع اللبناني، من الآن فصاعداً. لا يتعلّق الأمر بشغور منصب رئاسة الجمهورية، ولا بالتمديد للمجلس النيابي، ولا بالخلافات التي تعصف بالحكومة من دون أن تُسقطها. بات لبنان أقرب إلى عين الإعصار من أي وقتٍ مضى، وحتى أقرب مما كان عليه في أغسطس/آب الماضي، حين وقعت الاشتباكات بين الجيش اللبناني ومسلّحي "داعش" وجبهة النصرة. باتت الصورة اليوم أشمل مما قبل: سيطر "داعش" على تدمر، ويعمل على ربط المناطق الشاسعة ببعضها، بين الرقة السورية والموصل والأنبار العراقيتين، وصولاً إلى تخوم جبال القلمون. إنها المحاولة الثانية للوصول إلى البحر من لبنان، بعد فشل المحاولة الأولى العام الماضي. 
يعلم "داعش" أن الوصول إلى البحر المتوسط عن طريق تركيا أو الساحل السوري، بوجود القاعدة الروسية في طرطوس، أو ساحل فلسطين المحتلة، غير ممكن، فلا يبقى سوى لبنان، الأضعف عسكرياً كدولة بين هذه الدول، ما يزيد من احتمالات المخاطر عليه.
يدرك الأميركي والبريطاني ذلك، فيعمل الأول على تسليم مزيد من العتاد والذخائر العسكرية للجيش اللبناني، ويُعلن عن تشييد مبنى جديد للسفارة الأميركية في منطقة عوكر (شرق لبنان)، بجانب السفارة الأساسية وبقيمة مليار دولار، في محاولة لتكريس الوجود الأميركي في البلاد. أما البريطانيون فيراقبون، من قبرص، معطيات تقدمها أبراج المراقبة التي ثُبّتت في الجرود الشرقية للبنان، خصوصاً ان وجود "داعش" في السواحل اللبنانية يعني قدرته على الوصول إلى القواعد الجوية البريطانية في قبرص. وتكمن أهمية تلك القواعد في أنها مركز متقدم لطائرات التحالف الدولي ضد "داعش".
وفي ظلّ الوضع الميداني الصعب الذي سيواجهه لبنان، لا يبدو تحييده بعد اليوم ممكناً، تحديداً بعد أن أصبح حزب الله طرفاً أساسياً في القتال في سورية. ومع أن قيادة الجيش اللبناني تُصرّ على إبراز إشارات الاطمئنان، خصوصاً عبر تكثيف الجولات الميدانية للعماد جان قهوجي، فإنها تُدرك أن المرحلة المقبلة قد تكون قاسية على آلاف الجنود المنتشرين في الجبال اللبنانية على الحدود مع سورية. على الرغم من أن دخول اللواء الثامن إلى منطقة عرسال، شرقي لبنان، يوم الخميس، عُدّ "مفاجأة سارّة"، تسمح، من جهة، في ترسيخ الوجود العسكري اللبناني الشرعي داخل عرسال، وتمنع، من جهة أخرى، أي محاولة لتحوّلها إلى مركز للمسلّحين، أو إلى هدف لحزب الله.
على أن المسألة الأهم تتجلّى في غياب الموقف السياسي الرسمي اللبناني، الذي لا يبدو "غريباً" قياساً على تجاربٍ سابقة، كـ"النأي بالنفس"، وعدم وضوح الرؤية في ملف النازحين السوريين، ولا حتى في موضوع تورط أفرقاء لبنانيين في الصراع السوري. ومن شأن غياب الموقف الرسمي، ترك الساحة للأمنيين، من جيش وحزب الله. مع معرفة أن الجيش لا يملك منصّة سياسية لاستخدامها، لا بل يعاني، منذ فترة، من أزمة في التراتبية، كادت تعصف بهيكليته.
مع ذلك، لا تنحصر "الاستعدادات" الجارية للتطورات المقبلة في تشييد الدشم والمتاريس، بل في ارتفاع وتيرة أعمال الدهم التي يقوم بها الجيش في مختلف المناطق اللبنانية، خصوصاً في الشمال، مع ورود تقارير عن تحرّك بعض الخلايا في الداخل.
على أن الأبرز في الملف الأمني هو توسيع الجيش عملياته الأمنية المحلية في العمق البقاعي، بموازاة تحضيراته في الجرود. وباتت "اعتيادية" قراءة خبر أمني عن مداهماتٍ للجيش، في مناطق كانت تُعتبر "عصيّة" عليه سابقاً لأسباب سياسية، ما يُفسّر بالعرف العسكري "تطهير الداخل قبل مواجهة الخارج".
لم يعد السؤال، الآن، ما إذا كان يُمكن تحييد لبنان بعد اليوم، بل بات أكثر واقعية: متى سينخرط لبنان في نار الشرق الأوسط؟ السؤال منطقي، بغياب أي مظلّة دولية، وأي قرار سياسي داخلي قادر على حماية البلاد.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".