بلاد تتطلع إلى صورتها

بلاد تتطلع إلى صورتها

25 مارس 2015

أحد الأحياء الفقيرة في الدار البيضاء (26 يوليو/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

جاءت نتائج الإحصاء العام للسكان في المغرب، الأسبوع الماضي، مفاجئة للدولة والمجتمع، ومحملة بمتغيرات هائلة وأرقام لها دلالات سياسية وسوسيولوجية وديمغرافية كبيرة، حيث قفز عدد سكان المغرب إلى 34 مليون نسمة، من دون احتساب خمسة ملايين أخرى في بلاد المهجر.

لنبدأ بالرقم الأول وعنوانه: المغرب ودع القرية ودخل إلى المدينة، أكثر من 60% من سكان المغرب يعيشون في المدن، أي حوالي 20 مليوناً. أصبحت المدن، أو ما يشبه المدن، مأواهم وسكنهم وفضاء تحركهم. في العام 2004، كان حوالي نصف المغاربة يعيشون في المدن، والنصف الآخر في البوادي. في ظرف 10 سنوات، نزح حوالي 3.5 ملايين مغربي من الريف نحو المدن. وفي السنوات العشر المقبلة، ستزداد وتيرة الهجرة نحو المدن لتصل إلى 70% وأكثر، ما سيشكل ضغطاً كبيراً على المدن ومرافقها وبنياتها التحتية، وقدرة ساكنيها على التعايش والعمل والتساكن والاندماج، خصوصاً أن المغرب، كما جل الدول العربية، يعرف فشلا ذريعاً في سياسة إدارة المدن، وإطلالة سريعة على أحوال الطرق والإنارة والنظافة والعمران والسكن والصحة والثقافة، وغيرها من المرافق الأساسية، تعطيك فكرة عن أحوال المدن وعجزها عن إدارة شؤون الناس، وعن قدرتها أن تكون مدناً. انها هندسة ليس وراءها رؤية عمرانية، عمارات وشوارع ومحلات تترجم تعقيدات البنية الاجتماعية والمشكلات الاقتصادية وغياب الاندماج والتساكن بين الطبقات الاجتماعية، إنها صناديق إسمنتية مظلمة، تفرق أكثر مما تجمع.

هذه الوتيرة المتصاعدة للهجرة من البادية إلى المدينة ستوسع أحزمة الفقر المحيطة بالمدن، وستزيد من حدة التوتر الاجتماعي والسياسي القائم، ومعه سيزداد العنف والتطرف والهشاشة والإجرام وكل عوامل اللاستقرار. وستعاني المدن أكثر من ظاهرة الترييف، ففتح الباب للهجرة القروية من دون بنية للاستقبال والاندماج والتثقيف معناه حمل الريف إلى المدينة، وإعادة توطين ثقافة الريف في بنية المدينة، في تناقض بين بين نمطين من العيش والسلوك والقيم.

الرقم الثاني الذي كشف عنه الإحصاء يمكن كتابته تحت عنوان: المغرب متشبث بتقسيمه الاستعماري بين مغرب نافع ومغرب غير نافع. 70.2% من المغاربة يسكنون في 18% من الأرض فقط، في حين ينتشر باقي السكان في 80% من مساحة الأرض، ما يشكل اختلالا مجالياً كبيراً تعاني منه البلاد. وهذا معناه أن جل جهات المغرب لا تغري البشر بالاستقرار فيها، وأن المغرب مازال مقسما بين نافع غير نافع، وأن جل مخططات التنمية وبرامج التأهيل ورفع العزلة عن مناطق كثيرة، كل هذه البرامج التي ملأت فضاء الدعاية والإعلام، لم تعط نتائج ملموسة. الأرقام عنيدة، وفي الغالب لا تكذب.

الرقم الثالث يمكن كتابته تحت عنوان: نحن في المغرب بلاد سائرة نحو التوازن الديمغرافي، وعلى أبواب توديع العائلة الكبيرة والأبناء الكثيرين. قال المندوب السامي للتخطيط الذي أشرف على الإحصاء العام، أحمد الحليمي (معدل النمو الديمغرافي نزل من 1.4 سنة 2004 إلى 1.2 سنة 2014). وهذا لا يبدو اختياراً مجتمعياً، إنه اضطرار اقتصادي ناتج من تأخر سن الزواج لدى المرأة والرجل، ومن ارتفاع تكلفة المعيشة، وناتج، ثالثاً من خروج المرأة للعمل، وتغير الثقافة لدى الأسرة المدينية التي لم تعد ترى الأولاد بالمنظور نفسه، فقد كانت العائلة في الريف تراهم قوة عمل وحماية وتفاخر اجتماعي، أما الآن فإن الأسر تفكر في تكاليف المعيشة والدراسة والوقت الذي يحتاج إليه الأبناء. هنا نحن أمام مؤشر إيجابي وسلبي في الوقت نفسه. إيجابي، لأن معنى نزول معدل النمو الديمغرافي أننا نخفف الضغط عن الميزانية العامة للدولة وعن البنيات الأساسية. وسلبي، لأننا أمام تغير في الهرم السكاني، حيث سيزداد عدد الشيوخ مقارنة بالشباب، ما يتطلب إمكانات مادية كبيرة وأنظمة تقاعد صلبة.

A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.