نحن والإعلام العالمي

نحن والإعلام العالمي

16 مارس 2015
+ الخط -

صورة العرب والمسلمين في الإعلام ظلاميةٌ تخلقها العنصرية، وتعززها مجريات الشارع العربي من تناحرٍ على الأرض، ومن إعمالٍ لأدوات الإعلام التي تخدم الحقيقة، أحياناً، وتختلقها من أجل مموليها أو من تحسب عليهم في أحايين كثيرة أخرى.
الصور النمطية المعاصرة لشعوب المنطقة العربية، خصوصاً الإسلامية، مشوهةٌ تماماً بلا شك، وربما تتشابه في ذلك التشوّه مع الصور النمطية التاريخية في أذهاننا، تشوّه مختلف، لكنه ينتج صورةً عامةً خاطئة، ويوصل بلا شك إلى نتائج مغلوطة، ترتبط بالتربية والقدوة.
فعلماء العرب والمسلمين، مثلاً، الذين كانوا الشمس التي أنارت العالم في عصور الظلام الشهيرة التي خيمت على أوروبا والعالم، والتي ما زالت تدرّس في التاريخ على أنها عصور الظلام، صورتهم في أذهاننا لا تعدو كونهم "علماء"، وكلمة علماء تلك تقتضي، بالضرورة، عدة صفات، شكلتها عوامل الحتّ والتعرية الفكرية في تصوّراتنا، فهم، على العموم، كما تتخيلهُم، أناس متقدمون في السنّ "شيوخ" متجهّمو الملامح، يعيشون في بيوتٍ صغيرةٍ كئيبة ساكنة حدّ الموت، يضعون العمائم، ولا يكلمون أحداً إلا طلابهم ومريديهم، وتقتضي الكلمة، بالضرورة، أيضاً، ألا نراهم كبشر "عاديين" "طبيعيين" مطلقاً! وهذه الصورة، بلا شك، مغلوطة جداً، فهذا العالِم الذي كان يتقن ست لغات، ويبرع في نصف علوم الأرض، ويعزف على آلةٍ موسيقية، لا يمكن لعاقلٍ تصوره كمصابٍ بأعراض التوحد، وهو، تماماً، ما يحصل في الذهن الجمعي.
إعلامنا "النظيف" بكل أنواعه بحاجةٍ للتعامل مع هذا النوع من المغالطات، فلربما أعادت الحقيقة بعض الثقة في الشخص العربي، ذاتياً وجمعياً، وأثرت على جيلٍ يأتي يؤمن بأنه قادر على التكوّن بذاته من دون الشخوص، باتجاه شرقٍ أو الحلم بالغرب كتائهٍ ليس له خلاص، إلا بالوصول إليه، فالحقيقة الحلوة أننا نستطيع أن نكون! 
وعلى صعيد الصورة، لا بد من الحديث عن بلال، بلال فيلم كرتوني "أنيميشن"، استخدمت كل الوسائل الاحترافية في صناعة صورته وصوته، رسالته عريضةٌ متّسعة، وأول رسالةٍ والتي سيتشارك بها الغرب والشرق هي محاربة الإسلام، كرسالة للتمييز العنصري اللوني والقبَلي والإثني، ومحاربة كل ما يتعلق بها من أمراض، تنخر نسيج المجتمعات حد التفرق، فمخ الديانة هو تساوي الناس أمام الله.
رسالة أخرى سيحملها بلال هي أنسنة الرموز، فصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكونوا إلا بشراً طبيعيين يخطئون ويصيبون، يستغفرون لهم أهلهم وعلاقاتهم وصداقاتهم وحكاياهم وتفاصيل حياتهم، فذاك تاجر وهذا مغامر وآخر حرفيّ، وهم متصلون بمجتمعهم، وخاضوا نقلات وأسفاراً هم ومن تبعهم، وذلك ما قد يجعلهم، يوماً ما، قدوةً ممكنة، لا تاريخاً ورموزاً وأساطير.
فنحن، اليوم، بأمثال هذا الفيلم نشارك في صناعة صورتنا عالمياً كما نحب، وكما نرى، لنلهم أنفسنا وأجيالنا في اتجاه احترام قيم الإنسانية والتركيز على أهميتها، وجعلها أسّاً في الحياة الاجتماعية، لارتباطها بالدين.
يمكننا الحديث عن الإبداع في مجال الأفلام الدرامية المستقلة التي بدأت، أخيراً، بالوصول إلى مستويات عالمية، و"معطفٌ كبير الحجم"، مثلاً، فيلم درامي عن فلسطين، يحكي عن الحياة الاجتماعية فيها بين الانتفاضة الأولى 1987 وعام 2011، وهو عمل للمخرج الشاب، هيثم أبو صالح الذي لم يبدع في القصة والإنتاج والإخراج وحسب، بل أبدع كذلك في كيفية تمويل فيلمه وتسويق معطفه، فهذا العمل قام على فكرة المساهمة؛ فقد صنع فريق العمل مبادرةً سمّيت بمبادرة المائة، والتي تم من خلالها تقسيم ميزانية الفيلم إلى أسهم، وتم التسويق لها بأن يتم الشراء بهدف إنتاج الفيلم، وعند تمامه وعرضه في دور السينما، وربما بيعه للمحطات التلفزيونية سيعود عائد الفيلم إلى ملّاكه ومساهميه، ليعود إليهم على شكل استثمار هادف، يساعد في تسويق قصة العرب والمسلمين الأولى، ويعطي هذا العمل وأمثاله فرصة أكبر للكينونة والنجاح.
والجدير بالذكر هو النظرة العالمية البعد التي يحملها هؤلاء الشباب، بمجملهم، للوصول إلى العالم باللغات التي يتداولها، فبلال فيلم باللغة الإنجليزية، ومعطف كبير الحجم قيد الترجمة إلى عدة لغات، منها الإنجليزية والتركية، فلربما صورتنا الإعلامية بحاجةٍ للوصول بلغاتهم، ليفهم العالم من نحن وكيف ننظر إلينا، وما هي أفكارنا التي نريد أن يعطيها العالم فرصةً أخرى، قبل تصنيفنا وأخذ المواقف من ثقافتنا وعلمنا وقيمنا، بناءً على صورٍ مضللةٍ هشة، لا تشبهنا ولا تمتّ إلينا بصلة سوى الجغرافيا، والزعم الذي يحمله أصحاب الأخبار وتجار الأفكار.


 

avata
avata
محمود مرزوق (فلسطين)
محمود مرزوق (فلسطين)