هاجس الجمال وحقّ المغامرة

22 مايو 2023

(زينة عاصي)

+ الخط -

أثارت الفنانة السورية أصالة جدلاً واسعاً بين مؤيد ورافض، حين أطلت على وسائل الإعلام، بعد إجراء عملية تجميل كبرى، كلفتها ثروة، بحسب ما تسرّب من أنباء بشأن الرقم الفلكي الذي تكبّدته، في ما يمكن اعتباره عملية تحوّل جذرية صادمة أعادت إلى وجهها نضارة سن العشرينات وشبابه، وإن أتت بالكامل على ملامحها الأصلية، فلم يتبق منها سوى الصوت والتصريحات المتملّقة المتخبّطة الحمقاء. وقد وصل بها الطيش إلى أن تقرّع ابنها أمام الكاميرات، مختالة بجمالها المختلق الذي لم يتجاوز السطح كما يبدو. 
من الطبيعي، بل والمشروع، أن تتمنّى نساءٌ كثيرات فرصة كهذه، ولا بد أنهن أحسسْن بالغيرة، وتمنيْن لو أتيحت لهن إمكانية استعادة شبابهن الضائع الذي التهمته الأيام على مهلها. وما زالت تلك النساء يحلمن بإعادة الساعة إلى الوراء طالما بات ذلك متاحاً، وهنّ مستعدّات لتكريس كثير من الوقت والجهد والمال في سبيل التمسّك بمقوّمات الجمال والشباب أطول وقت ممكن، رافضات فكرة التراجع في حربهن البائسة محسومة النتيجة سلفاً التي يخُضنها مع الزمن. ورغم ذلك يواصلن المقاومة باستماتة، ويبذلن الغالي والنفيس في ملاحقة آخر صرعات صناعة التجميل التي شهدت تطوراً هائلاً في تقنيات عمليات الشدّ والنفخ والحقن، وتشهد عيادات التجميل في معظم الدول إقبالاً منقطع النظير من مختلف الأعمار ومن سائر الطبقات الاجتماعية، إذ يبعن غير المقتدرات في بعض البلدان مصاغهن، وأحياناً يُبادرن للحصول على قروض، ويحمّلن أنفسهن أعباء فوائد عالية، كي ينفين عن أنفسهن تهمة التقدّم في العمر، وتهون عليهن أي أعباء مادية في سبيل الوصول إلى ذلك الهدف المستحيل من الناحية الواقعية. 
وهناك من يتُقن إلى الاستسلام لمبضع جرّاح التجميل والتخلص من مظاهر التقدّم بالعمر. وأحياناً يحول بينهن وبين تحقيق ذلك قناعاتٌ دينية، وظروف مادّية صعبة، ومحاذير اجتماعية غير رحيمة أو متفهّمة دوافع توقهن إلى تحسين مظهرهن، غير أن فئة من النساء المتفرّدات يمكن اعتبارها الفرقة الناجية، تتحلى بالواقعية والتصالح مع الذات، والرضوخ كلياً، ومن دون أدنى مقاومة، لتأثير الطبيعة، يرفضن بالمطلق إجراء أي تغيير على ملامحهن، مهما حفرت التجاعيد عميقاً في وجوههن، وغزا الشيب مفارقهن، غير عابئاتٍ بالتعليقات السلبية التي يتعرّضن لها في زمنٍ تشابهت فيه الوجوه إلى حد التطابق المملّ. 
ومن باب الإنصاف، لا يقتصر الأمر على النساء حصرياً، إذ تفيد إحصائيات مراكز التجميل بأن ثمة إقبالاً كبيراً من الرجال على زيارة عيادات التجميل بالوتيرة نفسها، وإن كانوا يفعلون ذلك خلسة. وقد قال طبيب تجميل إن زبائنه من الذكور يطلبون مواعيد متأخّرة، بعد أن تفرغ العيادات من زائراتها، فيتسللون على استحياء للحصول على حقن البوتكس وإبر النضارة وإجراء عمليات الشدّ، ما يؤكّد أن  اجس الصبا والجمال لا يقتصر على النساء، وما يوضح الأثر الكبير لوسائل  الدعاية والإعلان التي باتت قادرة على تغيير المفاهيم السائدة التي كانت تقول "إن الرجل لا يعيبه سوى جيبه"، وإن عبء الجمال ملقى على عاتق المرأة حصرياً، وتدين اعتناء الرجل بمظهره فتّتهمه بالميوعة والتخنّث، وتخلع عنه صفة الرجولة التي يُفترض بها الخشونة والهيبة والجدّية  والوقار. على أية حال، أياً كان موقفنا من هذا الأمر الإشكالي، علينا أن نتخلى عن عادة إصدار الأحكام والانتقاد السلبي للمختلف، واحترام خصوصية الآخر، وحقّه في التجريب والمغامرة واتخاذ القرارات الشخصية التي تناسب طريقة تفكيره، وتعبّر عن قناعاته، حتى لو لم نتفق معها، وذلك من باب إتقان مهارة الاختلاف، لا سيما في ما يتعلق بالشأن الشخصي الذي لا يعنينا، ولا يؤثر على مجرى حياتنا بأي شكل!

AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.