لماذا ينتحر هؤلاء؟

لماذا ينتحر هؤلاء؟

26 ديسمبر 2022

(عادل ثابتي)

+ الخط -

أحدث نبأ وفاة النجم الأميركي، ستيفن بوس، المعروف عالميا باسم تويتش، قبل أسبوعين، صدمة كبيرة لدى عائلته وأصدقائه ومحبّيه، وسادت حالة من الحزن الشديد بين متابعيه، وعددهم أربعة ملايين، على مواقع التواصل الاجتماعي. عبّروا عن صدمة وحزن واستغراب شديد للطريقة القاسية التي أنهى فيها هذا الشاب حياته، سيما أنه اعتبر دائما نموذجا إيجابيا ومثلا أعلى حاز كل أسباب السعادة من شهرة وثراء ونجاح واستقرار أسري. وقد بلغ الأربعين، محققا كثيرا من أحلامه وطموحاته، مسجلا إنجازات كبيرة في موهبته، راقص هيب هوب ومصمم رقصات ومنتج تلفزيوني وممثل واعد شارك في عدة أفلام مهمة. يعيش حياة تبدو لمتابعيه مثالية مع زوجه محبّة وثلاثة أبناء متعلقين به، لم تبلغ أكبرهم، وهي طفلة متبنّاة، أربعة عشر عاما.
كان الانطباع السائد عن حياة ستيفن بوس أنها سعيدة، كاملة لا ينقصها شيء، بسبب مقاطع الفيديو العائلية التي كان يبثّها عبر مواقع التواصل ضاحكا راقصا سعيدا. احتفل بعيد زواجه التاسع، وسط مظاهر البهجة والفرح قبل يومين من حجزه غرفة في فندق قريب من منزله كي يطلق على رأسه عيارا ناريا، حريصا على ما يبدو على عدم ترويع أطفاله فيما لو نفذ انتحاره داخل المنزل. بمعنى أن الفكره كانت تعتمل في رأسه، وخطّط لها بدقة، مصمّما على تحقيق النتيجة المأساوية التي أثارت حيرة الجميع. وإذا ما استبعدنا احتمال تعاطيه جرعة زائدة من المخدّرات، بحسب مقرّبين منه يصفونه بالشخص السوي المتوازن المحبّ للحياة، فإن السيناريو الأقوى هو إصابته بالاكتئاب السوداوي، وهو من أشكال الاكتئاب الأشد خطورة، والذي قد يصيب أيا منا، ويعرّفه علم النفس بأنه من أشكال الاكتئاب الرئيس، حيث يعاني المصابون بهذا النوع من فقدان كامل للمتعة في كل شيء تقريبا. ومن أعراضه الشعور بالاكتئاب العميق الذي يتسم باليأس الشديد والشعور بالفراغ وبالذنب المفرط تجاه كل شيء، وغيرها من أعراضٍ يحدّدها الطبيب النفسي عند التشخيص. 
من هنا، على الجهات المختصة نشر التوعية بشأن هذا المرض بشكل أوسع والتحذير منه، خصوصا بين صفوف الشباب، وضرورة انتباه الأهل إلى الإشارات التي تصدُر عن المريض. وهي في واقع الأمر نداء استغاثةٍ، من الخطر جدا تجاهلها أو التقليل من شأنها، ما يؤدّي بالمريض إلى الإحساس بالخذلان والانكفاء على ذاته، والانغماس في منطقةٍ مظلمةٍ من روحه أو التظاهر بالسعادة والرضا عن الذات، وإنكار ما يدور في رأسه من مشاعر وأفكار سلبية تشلّ قدرته على الإنجاز والتحقق  والتواصل الصحي مع المحيطين، ما يصل بصحته النفسيه إلى مزيد من التدهور، ليجد نفسه أمام خيار الانتحار ملاذا وخلاصا وحيدا لا مناص منه. 
قد يعزو بعضُهم الأمر في حالة تويتش، وغيره من المشاهير الأثرياء، مثل الممثل الأميركي روبن وليامز والمغنية داليدا، إلى الضجر والترف وفقدان الدافع والرغبة في الحياة بعد تحقيق كل الأهداف والإحساس الرهيب بالفراغ الذي يتبع ذلك. وهذا طرحٌ لا يجانب الصواب، ويؤكّد أن الثراء لا يحقق السعادة التي قد تحدُث لأبسط الأشياء. وبناء على هذه القصة الحزينة المؤلمة، ومثلها كثير من قصص الانتحار التي تحدُث في كل مكان، فليست مقتصرة على الأثرياء والمشاهير أو على أبناء ثقافة بعينها، علينا أن لا نتسّرع في إطلاق الأحكام بناء على انطباعات لمشاهدات افتراضية تسويقية في مواقع التواصل، تسعى إلى التعبير عن حالات فرح زائفة، ليس لها علاقة بالحقيقة السوداء المرعبة التي يحاول المريض التحايل عليها، بالإنكار المطلق وادّعاء عكسها، عوضا عن الإقرار بها، واللجوء إلى مساعدة طبية متخصصة، كفيلة بإنقاذه من موت مجاني بالإمكان تفاديه، وبالتالي تجنيب عائلته حرقة الفراق ووصمة العار المصاحبة لقصص الانتحار في العقل الجمعي في مجتمعاتنا العربية على الأقل!

AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.