اليوم الخامس: كيف سأنجو؟

11 فبراير 2023
+ الخط -

نحن في اليوم الخامس على زلزال القرن الذي ضرب سورية وتركيا. يطلّ صباح اليوم السبت، وتحت الأنقاض هناك عديدون ممّن يكابدون للبقاء على قيد الحياة. ينتظرون فرق الإغاثة لنجدتهم غير قادرين على الصراخ ولا الهمس. البرد أقوى من قدرة الإنسان على التحرّك. فكيف حين يجتمع الصقيع والعجز عن الحركة معاً؟ لا يبقى أمام الإنسان هنا سوى الاستغاثة الدفينة. لا بدّ أن أفكاراً عدة تتجاذبه، من "كيف سأنجو؟" إلى "هل عائلتي بخير؟". وفوق هذه الكثافة من البشرية التائهة وأفكارها التائهة بين الركام، تتربّع جبالٌ من المباني المهدّمة وأعمدة الكهرباء. لا يمكن الوصول إليها عبر طريقٍ سوي. يُقال دوماً لدى المهووسين بنظريات المؤامرة إن "نهاية العالم قريبة". إنها فعلاً كذلك بالنسبة لهؤلاء القابعين بيأس بين أطلال غازي عنتاب وقهرمان مرعش وهاتاي وإدلب وحلب واللاذقية وملاطية، حيث يخوضون، غرائزياً، سباقاً مع الزمن، فإما أن تجدهم فرق الإنقاذ أو يفوت الأوان.

من أسبغ على الزلزال طابعاً دينياً لا يفهم حقيقة عمل الطبيعة. ومن تصرّف وفق أولويات سياسية لا تضع الإنسان على رأسها ليس إنساناً بل مجرماً بهيئة بشرية. لا شيء أكثر دماراً على هؤلاء الذين ينتظرون الخلاص تحت الأنقاض، من يسمح لنفسه بتصنيفهم أو بتحديد أولويةٍ سياسيةٍ على حسابهم. هذه لم تعد لحظة للتفكير خارج سياقات عملية الإنقاذ. ليخرُج من هم تحت المباني والبيوت المدمّرة أولاً، ثم يحين وقت تصفية الحسابات السياسية. أليس هذا هو جوهر العمل الجماعي؟ أقلّه وفقاً لإعلانات الأنظمة في العالم وشرعة الأمم المتحدة؟

قد يكون ما سبق مثالياً، لكنه يكفي للإشارة إلى مدى النفاق المتحكّم بكوكبنا. تبدأ الأسئلة البديهية "كيف يمكن أن ندعم جهود من هم على الأرض؟". لا تكفي صورة من هنا، وتغريدة على "تويتر" مع "إيموجي" لقلبٍ من هناك، أو حتى القول "نحن متضامنون"، ثم تُستكمل الحياة فقط من أجل "ترند" آخر أو شهرة أخرى. هذا كله لا ينفع سوى لإشباع "الأنا" الخاصة بمدّونها. تبدأ المساعدة بنقطة واحدة: السؤال عمّن يتحرّك ميدانياً باتجاه المناطق المنكوبة في سورية وتركيا، لتقديم ما يمكن ولو كان "فلس أرملة".

النقطة الأهم هنا أن ملايين السوريين منتشرون في مخيمات في سورية وتركيا، لا أحد يكترث بهم. جميعهم بطاقة سياسية تُستخدم في أوقات مختلفة من أجل كسب طرفٍ أحقيته في ملفٍّ ما. للمقارنة، وفق إحصائيات فريق "منسقّو الاستجابة" في الشمال السوري في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تبلغ أعداد النازحين السوريين نحو 2.1 مليون نازح، من أصل أكثر من أربعة ملايين سوري يسكنون مناطق المعارضة السورية. ويبلغ عدد سكان المخيمات مليوناً و43 ألفاً و869 نازحاً، يعيشون ضمن 1293 مخيماً، من بينها 282 مخيماً عشوائياً أقيمت في أراض زراعية، ولا تحصل على أي دعمٍ أو مساعدةٍ إنسانيةٍ أممية.

الآن، تأثر أربعة ملايين شخص في الشمال السوري بالزلزال (أكثر من سكان جورجيا أو الأوروغواي أو البوسنة والهرسك). وبمعزل عن محاولات إنجادهم، يبقى مصيرهم، الذي كان متروكاً من قبل، السبب الأساسي في مفاقمة المصاعب عليهم. لا يعني أن التلكؤ الأممي أدّى إلى زلزلة الأرض، بل عدم المساهمة في معالجة قضيتهم وتوفير مستلزمات تبدأ من العيش الكريم وما يتضمنه من مراكز لإدارة الأزمات، لأن تركيا وسورية ولبنان وفلسطين والأردن ومصر مولودة من فالقٍ معمّدٍ من تجمّع ثلاث صفائح تكتونية.

سينتهي اليوم الخامس على الزلزال، وسيطل اليوم السادس غداً، وسيبقى هناك من ينتظر تحت الأنقاض حتى جلاء مصيره. وفي الخارج، أصوات تنطق بالترّهات، لا تجد في البشر سوى أرقام، ومادّة للاستهلاك الذاتي على مواقع التواصل، ثم الاستيقاظ في الصباح التالي بحثاً عن مادّة أخرى لإشباع هذا النوع من الغباء.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".