لكنّ حساباته الفنية لم تأتِ كما يشتهي، فترك الغناء لصالح التلحين، بطلب شخصي من المخرج سيمون أسمر يومها. فقد كان الفنّ مرهونا برضى سيمون أسمر، الذي أقنعه بدخول عالم التلحين بدل الانتظار الطويل لنجومية المغنّي!
ثم بادر أسمر في تسعينيّات القرن الماضي إلى صناعة مجموعة خاصة من الملحّنين والشعراء لزوم حاجاته الخاصة للمواهب الغنائية، التي اخترعها وصقلها، منهم عاصي الحلاني ونوال الزغبي ووائل كفوري ورامي عياش. هؤلاء كان ينقصهم "شغل" وتسويق أغنيات خاصّة بعد تخرّجهم من مملكة "استديو الفنّ". وفعلا كان لسمير صفير، والشاعر الغنائي نزار فرنسيس، حصّة الأسد في قطف انطلاقة هؤلاء ومساعدة الأسمر عبر تحكّمه في أقوى برامج المنوعات خلال تلك الفترة على شاشة LBC اللبنانية.
لكنّ حسابات أسمر الفنية لم تستمر الا سنوات قليلة، وخصوصاً بعد أن صار سمير صفير واحداً من أبرز ملحّني جيل التسعينيّات لا بل أكثرهم خصوبة لجهة الألحان. ومن البديهي أن ينتج النجاح خلافا بين المخرج والملحّن، دفع ثمنه عدد من الفنانين، منهم وائل كفوري، الذي استطاع سمير صفير إقناعه بالعدول عن العمل مع سيمون أسمر.. فوقعت القطيعة يومها بين أسمر وكفوري.
بعدها بدأت ظاهرة صفير "التلحينية" تهبط تدريجيا، بسبب انشغالاته بأعمال وأمور أخرى. وهو اليوم اعتبر أنّ الفنّ بالنسبة إليه كان "مجرّد هواية فقط". لكنّها لا تقف عند حدود التلحين. فهو المولع بالغناء حتّى العظم صارع نفسه بنفسه، فهاجم كلّ النجوم الذين لا يتعامل معهم، وشتم أليسا ثم عاد ومدحها بعد أن تصالحا. وذمّ نجوى كرم، وأطلق عليها أبشع النعوت لمجرّد أنّها لم تعد تتعامل معه.
وتابع طريقه مع تراجع عدد ألحانه الجديدة. قلّة قليلة من النجوم تعامل معهم لاحقا، لا يرفعون كثيرا من رصيده رغم موهبتهم الكبيرة. منهم ملحم زين، الفنان الوحيد الذي لم يتشاجر سمير صفير معه يوما، ربما بسبب صوته الكبير، وحياد ملحم زين عن كلّ المناكفات والمشاكل التي تفرض نفسها على الساحة الفنية.
ثم فجأة خرج سمير صفير بأغنية اجتماعية خاصة، "الناس أجناس"، في ربيع عام 2013، لعلّ وعسى تدغدغ حلمه الغنائي وتحقّقه. فحاول إحياء المغنّي الذي يسكنه ففشلت الأغنية، إذ كان توزيعها عاديا، ومن كلماتها "زبالة"، فجاءت لا تليق به ولا بصوته ولا بالمستمعين، فسقطت الأغنية في فخّ شخصية سمير صفير، وتوزيعها الموسيقي الفاشل جاء أقرب إلى التهريج أو المونولوج البسيط، وليس غناء قضية عن أحوال الناس. وبعدها تفرّغ للنقد اللاذع فقط!
في حوار تلفزيوني، أمس، على LBC تحاشى الكلام عن قلّة ألحانه. فهاجم كثيرين، وتفادى ذكر أصحابه او أصدقائه من النجوم بأيّ سوء، ووقع في تناقض بالآراء، وهاجم الصحافة، وكان سليط اللسان. وأقسم أنّه لم يقل سوى الحقيقة في الماضي، والحاضر، ولن يقول غيرها في المستقبل: "ما عندي مهنة، عندي هواية اسمها الفنّ، وستبقى هواية الى أن يتوقّف قلبي"، قال لرجا ورودولف في "المتّهم".
في السياسة وقع في سلسلة أخرى من التناقضات. فأعلن أنّه "معروف بإعجابي بالجنرال ميشال عون"، متناسيا أنّه لحّن نشيد "القوات اللبنانية" الجديد قبل عام فقط. ثم أكّد أنّه يقف إلى جانب الجيش اللبناني، واضعاً في ظرف عليه شعار الجيش كلّ الأوراق التي تمثّل هذه الأحزاب، كما أعلن أنه يشجّع فكرة عقد مؤتمر لتأسيس دستور لبناني جديد، ويتمنّى أنّ يخرج من الميدان السياسي كلّ من تعاطى السياسة في لبنان منذ خمسين عاما، وأن يتركوا مناصبهم لجيل جديد ووجوه جديدة.
سمير صفير ملحّن تاه في بحر لبنان المتناقض، فعاث فسادا في كلّ مكان. تعاطى المخدّرات كما يعترف في كلّ مرّة بجرأة لا تعدو كونها ضرباً من الاستعراض، أمام جيل يقول إنّه يحاول تنبهيه. هو اليوم تجاوز 53 عاما، ويقف على مفصل إنساني وفنّي خطير... وحده التاريخ، وليس القضاء، سيعطي الكلمة الفصل لنهاية حكاية ملحّن أضاع البوصلة يوما.