عبد الحليم و مطر بيروت

عبد الحليم و مطر بيروت

08 مايو 2014
+ الخط -
صباحا أستقلّ سيارة الأجرة. سائق خمسيني، أكل الزمن والتعب من تقاسيم وجهه وعينيه، ابتساماته ترتفع كما حبّات المطر الذي لا يريد أن يتوقّف، ولو في غير أوانه. الساعة لم تكمل التاسعة. يرفع السائق صوت المُسجّل بأصبعيه، يبتسم بهدوء عجيب! صوت عبد الحليم بأغنية "ظلموه" يتراقص كما زخّات الشتاء.

 أتعجّب، أعود دون تحضير مسبق إلى ذاكرتي. لعلّ "نوستالجيا" صباحية مستجدّة خير من ألف موعد مع مساء رومانسي. هنا "الحنين" لهذا العالم الكبير المسمّى عبد الحليم حافظ.
إنّها التاسعة صباحاً و"ظلموه" في السيارة... تنتهي الأغنية في زحمة بيروت الخانقة، لتبدأ "تخونوه". هنا أجزم بأنّ قصّة عبد الحليم مع السائق هي قصّة "cd" كامل يسير بخطى ثابته وهدوء. والسائق يتمتم: "القلب الخالي ظلموه". ابتسامته تدلّ على أنّه يواجه عصر المتناقضات الفنية بعبد الحليم، وإن صباحاً. لعلّه يشغل نفسه، يهرب من واقعه اليومي وعصر التناقضات التي تحيط به. تماماً كما تعيش العاصمة بيروت انقلابات فنية، بين الغثّ والسمين، بين الإيقاع والطرب، بين الأصوات المحترفة والنشاز.
ها هي هيفا وهبي بعد عشر سنوات من انطلاقتها الفنية تصير نجمة نجمات اليوم في العالم العربي. وما بين التناقض الكبير الحاصل في قبول هيفا كظاهرة فنيّة استعراضية، في العالم العربي، أو رفضها، وشنّ حروب عليها، تثبت كلّ الوقائع أنّنا نتقاسم التناقض "الهيفوي" في اهتمامنا بأعمال ومشاريع هيفا وأخبارها التي تحقّق نسبة عالية من المتابعات.

في الجهة المقابلة يذهب جيل لم يتخطّ أبناؤه العشرين عاماً إلى الغناء الأصيل أو ما يسمّى الطرب. فتحفل برامج المواهب الغنائية بأصوات من هم دون العشرين عاماً، يؤدّون روائع عبد الحليم، وأم كلثوم ووردة الجزائرية، ويعلنون أنّهم جيل متمسك أيضاً بالعصر الذهبي للفنّ والأغنية العربية.

بين السائق الخمسيني، الذي يدرك من الصباح أن لا صوت يعلو فوق صوت عبد الحليم، وتراثه الخالد، ودنياه الواسعة، وبين تقلّبات الطقس المثيرة للاهتمام العلمي والتفسيرات المتعلّقة بالتغييرات المناخية، وحدة حال تشبه النفس البشرية المتقلّبة في العاصمة اللبنانية. وتبحث عن سرّ الشتاء في غير أوانه، وعصر المغنين في غير وقتهم. لكنّها تؤكّد في المقابل أن لا شيء يعلو فوق إرادة الله. ولا فنّ يستطيع أن ينافس فنّ الكبار، وإن....

 

دلالات

المساهمون