حكواتي: لامعاً كالرغوة.. منذ الولادة الأولى

12 مايو 2014
غرافيتي للفنان بانكسي (الصورة لكريستيان لاباركا)
+ الخط -
لا أدري كيف ومتى وأين ولد التاريخ، ولكن ما أعرفه هو الحكايات التالية.

يروى أنّ صاعقة ضربت أمّنا الغابة، وإذ بصياد في الجوار يشتمّ رائحة الحيوانات المحترقة. ركض إلى أوّل امرأة صادفها فسبقته بالقول: "إيبا بي با إي"، (يعني: أعجبتني الرائحة التي أعجبتك). وكانت هذه هي الخطوة الأولى التاريخية لتأسيس فكرة المطبخ.

  يومها لم يُدعَ أحدٌ أحداً إلى وليمة. وكانت العبارة الأدبية التقليدية: "يفترشون الأرض ويلتحفون السماء"، لا تعبّر عن طبقة مسحوقة، بل عن تفاهمات، وإيجاب، وقبول بين الأولاد وبين الأرض الأم وسمائها بالتالي.

 اللغة في تلك الفترة ثلاثة أو أربعة: الألف والياء والباء، وحرف غامض لم يدخل فيما بعد أيّ أبجدية. يشبه الصوت الصادر عن اللسان حين ينزلق بين مقدمة الأسنان. على كل حال ما زال غالبية العرب يصدرون هذا الصوت بديلاً عن كلمة: "لا" المقابلة لكلمة "نعم".

 المهمّ، لم يكن الصيّاد المدعو «أيا»، يملك غرفة للنوم ولا مرحاضاً، لأنّ هذه الصناديق اختُرِعَت مع سنّ حدود العورة، حين سيطر الرجل على التاريخ وبدأ يفرض نصوصه.

 وكان لون الملابس المفضّل هو الأخضر، وتتنوّع التصميمات بحسب أوراق الشجر المتوافر، ثم بدأت خطوط الموضة في الظهور مع جلد النمر للبالغين. أما السناجب فخُصِّصَت فرواتها للأطفال.

 الكائنات تتبادل المصالح والإنسان بالضرورة بينها. فلحمه أيضاً لذيذ نيئاً ومشوياً. وقد تنازلت الحيوانات عن جلودها وفرائها على أن يلبسها الزملاء البشر كما ترغب هي بنفس شكلها ورائحتها الأولى.

 اليوم في سنة 2014 ، تلوح أمامي قطع اللحم مكعّبة أو مشرّحة خيوطاً كالتي تُربَط بها الهدايا، أو مرقّقة ومفرودة كالفوطة. وهي لا تصل إلى الطبق إلا بعد أبحاث معملية على يد خبراء ولحّامين تشكيليين.

 وأنا  تاريخياً لا أعرف جسدي.. فقد ولدت بكامل ملابسي.

 في مهرجان ولادتي سقطت معي خيوط البوليستر، وشربت بحيرة من الحليب المجفّف، ولهذا أبدو لامعاً مثل رغوة الصابون.

دلالات
المساهمون