"الفلّاقة" يُسقطون (مواقع) الدولة التونسية

13 يناير 2015
(جون فيليب كسايزيك/فرانس برس)
+ الخط -
تعرّضت مواقع حكومية تونسية إلى هجمات من قراصنة تونسيين يلقبون أنفسهم بـ"الفلاّقة". وقد اعترف هؤلاء، عبر صفحاتهم على "فيسبوك"، بقرصنة وزارات عدة، كالخارجية والمرأة والصناعة والتكنولوجيا والثقافة والنقل وبوابة التونسيين في الخارج وبلدية قرطاج والمروج والصيدلية المركزية وسفارات وقنصليات، إلى جانب بوابة تكنولوجيا المعلومات والإنترنت والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري. وكان القراصنة قد أطلقوا على عملية القرصنة اسم "غزوة الفلاّقة".

ويبدو أنّ هذه الهجمات جاءت ردًا على تسلّم الباجي قايد السبسي لمهامه في رئاسة الجمهورية وإيقاف المدوّن ياسين العيّاري بتهمة ثلب المؤسسة العسكرية. وحسب "الفلاّقة" فإن الغزوة تهدف إلى نصرة ياسين العيّاري المعتقل بأمر من جهات سياسية ترغب في التشفي منه بعد فضحه لكثير من ملفات الفساد بالبلاد، على حدّ تعبيرهم، وتضامناً مع معتقلي حرية التعبير في تونس.

وما أثار استغراب الرأي العام في تونس هو قرصنة الوكالة التونسية للانترنت وهي الوكالة التي تسهر على السلامة المعلوماتية لأغلب المواقع الرسمية، في تحدّ واضح من القراصنة لأجهزة الدولة. ومن المفترض أن الوكالة تضم أقوى وأحسن المهندسين في التقنية الإعلامية والسلامة المعلوماتية. والأمر نفسه بالنسبة لبعض المواقع الحساسة على غرار موقع وزارة الخارجية، إحدى الوزارات السيادية.

وكانت الهجمات قد عرفت ذروتها ليلة رأس السنة الميلادية وتحديداً في منتصف الليل، لتتواصل على مدى اليومين الماضيين. كما احتجّ "الفلاقة" على استهانة بعض وسائل الإعلام بالمقدسات، وخصوصاً قناتي "نسمة" و"الحوار التونسي" مطالبين الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري بالتحرّك.

"نحن من يسيطر على الإنترنت في تونس ومن يدّعي أو يريد مراقبتنا او مراقبة الإنترنت في تونس فهو في حدّ ذاته مراقب من الفلاقة التونسية"... هذه بعض الرسائل التي توجه بها القراصنة عبر صفحتهم الخاصة.

وفي الحقيقة تعود أصل كلمة "الفلاقة" إلى "فلاّق". والفلاّقة هم المقاومون التونسيون الذين رابطوا بالجبال التونسية لمقاومة الاستعمار الفرنسي في فترة الخمسينيات وقد ألحقوا خسائر عدة بالمستعمر.

كريم مقنّم، رئيس فريق الاستشعار المبكر للهجمات بالوكالة التونسية للسلامة المعلوماتية، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ المواقع الحكومية مؤمنة وتخضع إلى رقابة مستمرة ولكن القراصنة كثيرون، ومن بينهم هؤلاء الذين يلقبون أنفسهم بـ"الفلاّقة". ويضيف أنّ "الفلاّقة" ظهروا مباشرة بعد الثورة، وأن نشاطهم مرتبط بنسق الأحداث في تونس، ملاحظاً أنهم يسعون عادة إلى تبليغ رسائل معينة، مضيفاً أنه عندما تكون هناك رسائل سياسية يريد القراصنة تبليغها فإنهم يشنّون هجمات على مواقع حكومية، مؤكداً أنّ الهجمات متعددة وبعضها قد ينجح وفي كثير من الحالات هي لا تنجح. وأضاف أنّ الوكالة عندما تتفطن إلى وجود هجمات معينة فإنها تعلم مزودي خدمات الإنترنت في تونس لإصلاح الثغرة التي تمّكن من خلالها القراصنة إلى الوصول إلى الموقع المقرصن.

وكشف أنه في صورة حصول اختراق، فإن هناك فريقاً من الوكالة يقوم بتحليل طبيعة الهجمة ومكان الاختراق، ثم يرسل البيانات إلى مزوّد خدمة الإنترنت مرفقة بكافة البيانات اللازمة لتلافي الثغرة مستقبلاً ولمزيد الحماية. واعتبر انه طالما تمّكن القراصنة من الوصول إلى مواقع رسمية ووزارات ذات سيادة، رغم إجراءات الحماية المشدّدة، فإن هذا الأمر يستدعي العمل أكثر على السلامة لكي لا تحصل مستقبلاً مثل هذه الخروقات. ويقول مقنّم: "لدينا وسائل حماية متطورة وبواسطتها نراقب الهجمات التي تأتي من الإنترنت، صحيح أنّ هذه الهجومات لا تشكل أي خطورة على المواقع الرسمية وقد تمت استعادتها في ظرف وجيز، ولكنّنا نتعامل مع الأمر بحيطة كبيرة لأن بعض القراصنة مخرّبون".

واعتبر انّه من الصعب تحديد مكان المجموعة التي نفّذت هذه الهجمات، لأنها حتى ولو كانت من داخل تونس فإنه يمكنها أن تستعين بمجموعات أخرى من خارج البلاد، مبيناً انّ مجموعة "الفلاّقة" دائماً تسعى إلى تبليغ رسائل معينة وسبق أن اعترفت بقرصنة مواقع إسرائيلية.
من جهتها، أكدت أمال الوسلاتي، المكلفة بالإعلام بالوكالة التونسية للسلامة المعلوماتية، لـ"العربي الجديد" أنّ الهجمات التي حصلت ليلة رأس السنة الميلادية متوقعة وهي تحصل في شتى أنحاء العالم، مؤكدة أنّ القراصنة يستغلون المناسبات لشن هجماتهم، مضيفة أنّ المواقع الرسمية محمية وحتى لو تمت قرصنتها فهي موضوعة في مركز إيواء ممّا يمكّن من استعادتها بسرعة. وتضيف: "كل موقع حكومي له مزوّد خدمات انترنت، وهذا الأخير له مركز إيواء ومباشرة عند الإستهداف نعلم مزوّد الخدمات بالهجوم وبالتالي. فالوكالة في يقظة دائمة وتراقب باستمرار كلّ المواقع الحكومية".

"عندما يتعلّق الأمر بالإنترنت فلا وجود لحماية مائة بالمائة، لا في تونس ولا في أي بلد في العالم"... هكذا تحدّث الخبير في التكنولوجيا الطاهر المستيري لـ"العربي الجديد"، مضيفاً أنّ "هناك دائماً غايات وأهدافاً لأي هجوم".
ويقول المستيري: "صحيح أننا لا نعرف "الفلاّقة" ومن وراءهم، ولكن مبدئياً هم قادرون على الاختراق، إضافةً إلى كونهم غير "مفسدين" لأنهم لم يحدثوا ضرراً بالمواقع التي اخترقوها، ولم يبادروا بتغيير البيانات بل اكتفوا بإرسال رسائل سياسية وللمطالبة بحرّية التعبير وبإطلاق سراح المدوّن ياسين العيّاري. كما وجهوا بعض الرسائل السياسية، لقد أعلنوا عن قيامهم بالقرصنة وتبنّوا تلك الهجمات".

واعتبر المستيري أنّ "قرصنة مواقع رسمية تتمتع بقدر كبير من الحماية هي رسالة للساسة وللطبقة الحاكمة في تونس"، مضيفاً انّ "القراصنة يترّصدون المواقع التي ينوون قرصنتها ويتابعونها لفترة زمنية وعندما يلاحظون أنّ تحيينها لا يتم بصفة دورية يستغلون الثغرات التي تقع".

وأكدّ أنّ الحروب القادمة هي حروب الكترونية، مشيراً إلى الحادثة التي وقعت في شهر ديسمبر/كانون الأول بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأميركية، وقد كانت على خلفية إعداد الفيلم الأميركي "المقابلة" والذي تحدث بطريقة ساخرة عن مؤامرة اغتيال زعيم كوريا، كيم يونغ أون، ما اغضب بعض القراصنة، فشنوا هجوماً على شركة "سوني" المنتجة للشريط، مبيناً ان الولايات المتحدة الأميركية بادرت إلى الحد من تدفق الانترنت.

وشدّد المستيري على ان الحروب الإلكترونية واقع لا مفرّ منه، وتساءل: "هل نحن جاهزون في تونس لتلك الحروب أم لا؟"، معتبراً أنّ الهجمات التي حدثت مؤخراً في تونس غير خطيرة، ولم يتم إلحاق أضرار كبرى بالمواقع الرسمية، لكن في حال كانت النوايا خبيثة فما العمل؟
وأضاف ان "الهجمات التي حدثت في تونس اعتمدت على تغيير الصفحة الرئيسية وعلى تقنية تكثيف الهجوم على الموقع لجعله غير متاح"، مفسراً أنه إذا كانت طاقة الاستيعاب التي يتيحها الموقع تقدرّ مثلاً بـ 100 ألف زائر فإنه يدخل في تلك اللحظة 120 ألف زائر لخلق اضطراب على الموقع.
المساهمون