بين عشية وضحاها، أصبح أمين الشرطة، محمد عبدالسميع محمد، محور أحاديث زملائه في قطاع الأمن الوطني في وزارة الداخلية المصرية، إذ سدد 19 مليون جنيه (مليوناً و730 ألف دولار أميركي)، فيما عرف إعلامياً بقضية فساد وزارة الداخلية، حصل عليها بقرار من وزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلي، تحت مسمى حافز احتياطي لمواجهة الأهداف الأمنية بينما "لا يزيد راتبه عن 3 آلاف جنيه (272 دولاراً)" كما كشفت أوراق القضية.
حالة محمد تعد واحدة من بين 73 متهما آخرين في قضية فساد وزارة الداخلية، قاموا برد 182 مليون جنيه (قرابة 17 مليون دولار)، ضمن قضية واحدة تم الإعلان عن تفاصيلها مطلع العام الجاري، مما أدى إلى صدور قرار قضائي بأنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضدهم. "غير أن هذه الحالات تعد فسادا مقننا"، وفقا لما يقوله العميد، محمود قطري، الخبير الأمني، "وهو ما يبدو في التفاوت الرهيب في الدخول بين الضباط والأفراد، وبين القيادات والضباط العاديين وكذلك التفاوت في الدخول بين القطاعات المختلفة، وهذا النوع من الفساد المقنن هو ما فتح الباب للفساد غير المقنن"، الذي توثقه معدة التحقيق في السطور التالية.
اقــرأ أيضاً
لا إحصائيات
على الرغم من وجود قطاع للتفتيش والرقابة في وزارة الداخلية، إلا أنه لا توجد لدى القطاع أية إحصائيات أو تقارير رسمية حول الفساد المالي في الوزارة، أو القضايا المتدوالة، كما أنه من غير المسموح به للعاملين التواصل مع وسائل الإعلام أو التصريح بأية معلومات إلا بموافقة جهاز الإعلام في الوزارة، كما يؤكد مصدر في وزارة الداخلية. غير أن معدة التحقيق وبالاعتماد على أرشيف صفحات الحوادث في 4 صحف مصرية هي "اليوم السابع، فيتو، الصباح، المصري اليوم، الشروق"، رصدت حبس 13 أمين شرطة و10 ضباط برتب مختلفة، بتهم استغلال النفوذ والتزوير والرشوة واختلاس الأحراز والسرقة والاتجار بالمخدرات في عام 2014، بينما تم حبس 15 ضابطا و6 أمناء شرطة في تهم مختلفة أبرزها سرقة وتهريب السيارات وتزوير أوراقها، والرشوة، واستغلال النفوذ، والنصب، وحيازة المخدرات خلال عام 2015، إلا أن الجريمة الأكثر غرابة كانت استغلال سيارة بوكس من قبل أمين شرطة وضابط بالشروق، لسرقة المارة بالإكراه بعد القبض عليهم وابتزازهم لإطلاق سراحهم.
الرشى
تعد الرشوة أحد أبرز أشكال الفساد داخل وزارة الداخلية، وهو ما ظهر جلياً في قضية عصابة "الدكش"، التي تم اكتشاف تفاصيلها بالصدفة بعد مقتل المقدم، مصطفي لطفي، رئيس مباحث قسم ثاني شبرا الخيمة في أثناء مأمورية سرية لاعتقال مطلوب أمنياً يشتهر باسم "كوريا" وأحد أفراد عصابة محمد حافظ، المعروف بـ "الدكش".
مقتل لطفي تسبب في حملة مبكرة على وكر عصابة الدكش، أسفرت عن اعتقاله ووالده اللذين اعترفا في تحقيقات النيابة بتجنيدهما لعدد من ضباط الداخلية، بمكافآت شهرية تصل إلى 60 ألف جنيه، وذكرت تقارير صحافية لمصادر أمنية أن دائرة الاشتباه في التورط مع عصابة الدكش تشمل 27 ضابطاً، بينهم قيادات أمنية سابقة، وأن حركة التنقلات المحدودة الأخيرة التي شهدتها وزارة الداخلية تشمل قيادات متورطة في التعاون مع العصابة، فيما تمت إحالة 6 ضباط إلى الاحتياط "عقوبة تأديبية بقانون هيئة الشرطة"، بينهم 3 رؤساء مباحث بعد ثبوت تورطهم مع عصابة الدكش لإمدادهم بخط سير الحملات الأمنية مقابل رشى ومخدر الهيروين.
واقعة الدكش لم تكن الأولى، ولكنها كانت الأضخم من حيث المتهمين إذ سبقها عدد من الحوادث منها القضية رقم 430 لسنة 2014 قسم الجمالية، إذ تم حبس 3 أمناء شرطة لتهريب متهم مقابل رشوة، فيما تتم محاكمة 3 أمناء شرطة في القضية رقم 3326 لسنة 2014 لتبديلهم أحراز قضية مقابل رشوة 600 درهم إماراتي في قضية حيازة فتاة إماراتية مخدرات خلال تواجدها في القاهرة. وفي قضية في قسم الجمالية أيضا تم حبس 4 أمناء شرطة بتهمة تلقي رشوة لتلفيق عدة قضايا لصاحب ورشة، بسبب خلاف مع أحد اصدقاء أحد الأمناء في قضية رقم 9866 لسنة 2014. وفي مارس/آذار 2015 تم ضبط ضابط شرطة وأميني شرطة متهمين في تلقي رشى، مقابل تسهيل هروب متهمين من محكمة القاهرة الجديدة.
بحسب العميد قطري، فإن "تغول الفساد في وزارة الداخلية بدأ منذ عهد الرئيس السادات، مع بداية عهد الخصخصة وتدني دخل الموظف العام أمام أصحاب الأعمال الحرة"، ويتابع قطري "ظهرت داخل هيئة الشرطة ما عرف بقطاعات غنية وأخرى فقيرة، ومن ثم ترسخت الشللية في داخل الوزارة، الأمر الذي أدى إلى عمل الضابط المسنود على نقله إلى ما يسمي بالقطاعات الطرية".
وشدد قطري، صاحب ثلاث مبادرات سابقة في إصلاح هيكلة منظومة الأمن في مصر، على أن الضباط الذين يرون أمامهم ثروات قيادات للوزارة تتضخم، بينما يتعرضون لإغراءات ورشى عصابات المخدارت والسلاح، يصبحون عرضة للإفساد، قائلا لـ"العربي الجديد":"أحد الضباط كان يريد الحصول على 2000 متر من سيراميك الأرضيات لمنزله، وحين طلبها من أحد التجار رفض، فتم القبض على نجله وتحرير محضر بحيازته 20 كيلو بانجو لإجبار والده على منح الضابط ما يريد".
وحذر قطري من السلطة الواسعة للقيادات على الضباط، قائلا "هذه السلطة الواسعة تجعل فكرة رفض الفساد مكلفة للضباط الأصغر رتبة"، وهو ما جعل قطري يقيم دعوى قضائية لإنشاء نقابة للشرطة تكون طرفا في تحقيقات مجلس التأديب، لكن تم رفضها قضائيا قبل ثورة يناير 2011.
استغلال المعتقلين
رغم أن حصول السجين على دوائه حق مكفول بموجب لائحة السجون المصرية، إلا أن محمد سعد سرية، الأستاذ المساعد في قسم الكيمياء جامعة المنصورة، والمعتقل على خلفية اتهامه بالانتماء إلى جماعة الإخوان لم يكن يستطيع الحصول على هذا الحق إلا بعد دفع "المعلوم" لأمناء الشرطة، لتهريب أدويته المثبطة للمناعة حتى لا يرفض جسده الكبد الذي زرع قبل اعتقاله بمدة قصيرة، وإلا فإن البديل الوحيد أمامه هو الموت.
حالة سرية تعد نموذجا من بين 337 حالة لمعتقلين تم منعهم من الحصول على العلاج في مرحلة ما بعد 30 يونيو/حزيران وفقا لتقديرات المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، ووفقا لما يؤكده حليم حنيش، المحامي بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات، فإن الحقوق العادية للمعتقل أو المحبوس احتياطياً مثل التريض أو إدخال الطعام أو الدواء يتم دفع مقابله لأمناء وأفراد الشرطة، مشيراً إلى أن هذا المقابل يترواح عادة من 50 جنيهاً إلى 200 جنيه حسب الحالة.
استغلال النفوذ
تعد قضية سيارات المعاقين إحدى دعاوى الفساد التي تلاحق وزارة الداخلية المصرية، إذ كشف قطاع التفتيش في وزارة الداخلية عن تلقي نحو 500 بلاغ حول استغلال أمناء الشرطة دعم سيارات ذوي الاحتياجات الخاصة، والاتفاق مع عدد من ذوي الاحتياجات الخاصة على شراء السيارات ثم شراء أمناء الشرطة لها منهم بزيادة تقدر بـ 5 آلاف جنيه مقابل تحرير توكيل بقيادة السيارة.
قضية أخرى حمل البلاغ رقم 1528 لسنة 2014 تفاصيلها، إذ اتهم عقيد شرطة باستغلال نفوذه لمعرفة الرقم السري لبطاقة ائتمان لزوجته الهولندية وسرقة 25 ألف يورو منها.
وفي يناير/كانون الثاني من عام 2015 تم حبس ضابطين لاستغلال نفوذهما في تزوير شهادة بيانات لترخيص السيارات غير المسموح بترخيصها، فيما تم الحكم في نفس العام على ضابط وأمين شرطة بالحبس مدة سنة ونصف السنة بتهمة استغلال ونش سيارات في عملية سرقة السيارات من مدينة الرحاب.
اقــرأ أيضاً
تجارة المخدرات
بحسب حصر معدة التحقيق، فإن عدداً من ضباط الشرطة تورطوا في تجارة المخدرات ورغم عدم وجود تقارير إحصائية رسمية عن تورط ضباط في تجارة المخدرات، إلا أن العميد، محمود محي الدين، عضو مجلس النواب والخبير الأمني أكد أن نحو 4 آلاف فرد وضابط شرطة مسجونين حالياً بسبب تورطهم في تشكيلات عصابية متنوعة منها ما تورط في تجارة المخدرات.
وقال محي الدين، لـ"العربي الجديد"، قطاع الداخلية يضم عناصر فاسدة مثل أغلب القطاعات في الدولة، التي يوجد فيها الصالح والطالح، مشيراً إلى أن اختلاط العاملين في الداخلية بعالم الجريمة يؤثر على عدد من ضعاف النفوس، وهو ما يحدث عادة في حالة جرائم المخدرات، مشددا على ضرورة تطوير طريقة الأداء داخل جهاز الشرطة، وتوسيع سلطات قطاع التفتيش والرقابة في البحث بدلاً من الاعتماد على البلاغات فقط.
استغلال الكمائن
في مايو/أيار من عام 2014، تم القبض على عقيد شرطة ومقدم اتهما بالاستيلاء على 185 كرتونة سجائر مهربة تم ضبطها في أحد الكمائن، التي استغل الضابطان تواجدهما فيها للإثراء بشكل غير مشروع وفقا لوقائع قضية استغلال الكمائن، والتي كثيرا ما تتكرر على مستويات أقل، وهو ما وقع مع الشاب المصري، عمار صلاح الدين، الذي اضطر إلى دفع 100 جنيه (10 دولارات) لأمين شرطة حتى "لا يلبس فردتي ترامدول" وفقا لما رواه في منشور على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بعد احتجازه لساعات دون وجه حق في أحد الكمائن.
بحسب مصدر في قطاع التفتيش والرقابة في وزارة الداخلية، فإن القطاع تلقى بلاغات عن استيلاء أمناء شرطة على مخالفات مالية، مشيراً إلى أن بعض القطاعات تعتبر بمثابة العمل في الخليج وفقا للتعبيرات الرائجة بين أمناء الشرطة، وعلى رأسها مصلحة المرور، تليها مصلحة الجوازات ومصلحة الأحوال المدنية، وشرطة الكهرباء خاصة وأن المخالفات الخاصة بالكهرباء لا يتم قبول التصالح فيها.
وحول ما إذا كان الاستيلاء على هذه المخالفات يتم بمعرفة الضباط من عدمه، قال المصدر إن الضباط يعرفون بهذه المخالفات في أغلب الأحوال، أو على الأقل يعرفون أن أمين الشرطة الذي يعمل معهم يتقاضى أموالاً بصورة أو بأخرى من المواطنين ولكن يتغاضون عن ذلك.
وأضاف المصدر في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، أن قطاع السجون تنتشر به التجاوزات، إذ يتقاضى الحراس أموالاً في صورة علب سجائر(لوائح السجون المصرية تمنع تداول النقود)، ويتم استخدام السجائر كعملة داخل السجن، ويتم بيعها بعد ذلك لتجار الجملة بأقل من سعرها الرسمي، كما يتم الحصول على مبالغ شهرية في صورة سجائر من المساجين الأغنياء لتحسين وضعهم وتلبية احتياجاتهم.
وأوضح المصدر أن قطاع التفتيش يتعامل مع أي بلاغ يقدم له من المواطنين، وكذلك يتابع بدقة تقارير الأداء الأمني ويتحرى عن أية شبهة لتسريب المعلومات أو تلقي الرشى، مشدداً على أن تقارير مباحث مكافحة المخدرات ومباحث تنفيذ الأحكام وغيرها من القطاعات الهامة للأمن العام تتم متابعتها بدقة.
وكشف المصدر عن أن القطاع يتتبع حاليا قضايا سرقات السيارات، بعد تلقي العديد من البلاغات حول تواطؤ بعض أفراد الهيئة الشرطية مع عصابات سرقة السيارات بإبلاغها أرقام هواتف أصحاب السيارات للتفاوض معهم.
وأضاف المصدر أنه في حالة ثبوت أي اتهام فإن قطاع التفتيش يحيل عضو الهيئة الشرطية للمحاكمة التأديبية، التي تصدر قرارها بخصوصه من إحالة إلى الاحتياط أو إلى المعاش، أو توقيع جزاء إداري آخر من تأخير الترقية أو تخفيض المرتب، أو إحالته إلى النيابة العامة وذلك حسب نوع المخالفة.
وتنص المادة رقم 67 من قانون هيئة الشرطة على أنه لوزير الداخلية، بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة، أن يحيل الضباط عدا المعينين في وظائفهم بقرار من رئيس الجمهورية، إلى الاحتياط إذا ثبت ضرورة ذلك لأسباب جدية تتعلق بالصالح العام ولا يسري ذلك على الضباط في رتبة لواء.
ولا يجوز أن تزيد مدة الاحتياط عن سنتين، ويعرض أمر الضابط قبل انتهاء المدة على المجلس الأعلى للشرطة لتقرير ما إذا كانت ستتم إحالته إلى المعاش أو إعادته إلى الخدمة العاملة، فإذا لم يتم العرض، عاد الضابط إلى عمله ما لم تكن مدة خدمته قد انتهت لسبب آخر طبقا للقانون.
ويؤكد الحقوقي، أسامة خليل، مدير مركز هشام مبارك للقانون، أن الإجراء الذي يتم في حال اتهام أحد أفراد الشرطة بالفساد هو إحالته إلى الاحتياط لحين الانتهاء من التحقيق، فإذا صدر ضده حكمٌ بالإدانة تتم إحالته إلى المعاش طبقاً لقانون الشرطة الذي يشترط عدم صدور حكم مخل بالشرف ضد فرد الشرطة.
مواجهة الفساد
يرى العقيد متقاعد، محمد عبد الرحمن، أن مواجهة الفساد في وزارة الداخلية تحتاج إلى عملية تطهير واسعة، مشيراً إلى أن الفساد داخل الوزارة أصبح مستساغا بصورة كبيرة منذ عهد حبيب العادلي.
وشدد عبد الرحمن على ضرورة تصفية دولة أمناء الشرطة الذراع الأولى للفساد داخل الوزارة، قائلا "الضابط الذي لا يفسد على الأقل يتستر على فساد أمناء الشرطة، وبالتالي مع الوقت يصبح فاسدا".
من جانبه يرى اللواء، فاروق المقرحي، الخبير الأمني أن الحديث عن فساد رجال الشرطة لا يفيد سوى المجرمين والعناصر الإرهابية فقط، مشدداً على أن رجال الشرطة يخوضون الآن حربا ضد الإرهاب ولا يجوز في تلك الظروف توجيه مثل هذه الاتهامات لهم.
واتهم المقرحي الإعلام بمحاولة تشويه صورة رجال الشرطة بسبب الأزمة المشتعلة بين الصحافيين ووزارة الداخلية، قائلا "كل المهن فيها الصالح والطالح وجهاز الشرطة يطهر نفسه بنفسه من العناصر الفاسدة".
حالة محمد تعد واحدة من بين 73 متهما آخرين في قضية فساد وزارة الداخلية، قاموا برد 182 مليون جنيه (قرابة 17 مليون دولار)، ضمن قضية واحدة تم الإعلان عن تفاصيلها مطلع العام الجاري، مما أدى إلى صدور قرار قضائي بأنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضدهم. "غير أن هذه الحالات تعد فسادا مقننا"، وفقا لما يقوله العميد، محمود قطري، الخبير الأمني، "وهو ما يبدو في التفاوت الرهيب في الدخول بين الضباط والأفراد، وبين القيادات والضباط العاديين وكذلك التفاوت في الدخول بين القطاعات المختلفة، وهذا النوع من الفساد المقنن هو ما فتح الباب للفساد غير المقنن"، الذي توثقه معدة التحقيق في السطور التالية.
لا إحصائيات
على الرغم من وجود قطاع للتفتيش والرقابة في وزارة الداخلية، إلا أنه لا توجد لدى القطاع أية إحصائيات أو تقارير رسمية حول الفساد المالي في الوزارة، أو القضايا المتدوالة، كما أنه من غير المسموح به للعاملين التواصل مع وسائل الإعلام أو التصريح بأية معلومات إلا بموافقة جهاز الإعلام في الوزارة، كما يؤكد مصدر في وزارة الداخلية. غير أن معدة التحقيق وبالاعتماد على أرشيف صفحات الحوادث في 4 صحف مصرية هي "اليوم السابع، فيتو، الصباح، المصري اليوم، الشروق"، رصدت حبس 13 أمين شرطة و10 ضباط برتب مختلفة، بتهم استغلال النفوذ والتزوير والرشوة واختلاس الأحراز والسرقة والاتجار بالمخدرات في عام 2014، بينما تم حبس 15 ضابطا و6 أمناء شرطة في تهم مختلفة أبرزها سرقة وتهريب السيارات وتزوير أوراقها، والرشوة، واستغلال النفوذ، والنصب، وحيازة المخدرات خلال عام 2015، إلا أن الجريمة الأكثر غرابة كانت استغلال سيارة بوكس من قبل أمين شرطة وضابط بالشروق، لسرقة المارة بالإكراه بعد القبض عليهم وابتزازهم لإطلاق سراحهم.
الرشى
تعد الرشوة أحد أبرز أشكال الفساد داخل وزارة الداخلية، وهو ما ظهر جلياً في قضية عصابة "الدكش"، التي تم اكتشاف تفاصيلها بالصدفة بعد مقتل المقدم، مصطفي لطفي، رئيس مباحث قسم ثاني شبرا الخيمة في أثناء مأمورية سرية لاعتقال مطلوب أمنياً يشتهر باسم "كوريا" وأحد أفراد عصابة محمد حافظ، المعروف بـ "الدكش".
مقتل لطفي تسبب في حملة مبكرة على وكر عصابة الدكش، أسفرت عن اعتقاله ووالده اللذين اعترفا في تحقيقات النيابة بتجنيدهما لعدد من ضباط الداخلية، بمكافآت شهرية تصل إلى 60 ألف جنيه، وذكرت تقارير صحافية لمصادر أمنية أن دائرة الاشتباه في التورط مع عصابة الدكش تشمل 27 ضابطاً، بينهم قيادات أمنية سابقة، وأن حركة التنقلات المحدودة الأخيرة التي شهدتها وزارة الداخلية تشمل قيادات متورطة في التعاون مع العصابة، فيما تمت إحالة 6 ضباط إلى الاحتياط "عقوبة تأديبية بقانون هيئة الشرطة"، بينهم 3 رؤساء مباحث بعد ثبوت تورطهم مع عصابة الدكش لإمدادهم بخط سير الحملات الأمنية مقابل رشى ومخدر الهيروين.
بحسب العميد قطري، فإن "تغول الفساد في وزارة الداخلية بدأ منذ عهد الرئيس السادات، مع بداية عهد الخصخصة وتدني دخل الموظف العام أمام أصحاب الأعمال الحرة"، ويتابع قطري "ظهرت داخل هيئة الشرطة ما عرف بقطاعات غنية وأخرى فقيرة، ومن ثم ترسخت الشللية في داخل الوزارة، الأمر الذي أدى إلى عمل الضابط المسنود على نقله إلى ما يسمي بالقطاعات الطرية".
وشدد قطري، صاحب ثلاث مبادرات سابقة في إصلاح هيكلة منظومة الأمن في مصر، على أن الضباط الذين يرون أمامهم ثروات قيادات للوزارة تتضخم، بينما يتعرضون لإغراءات ورشى عصابات المخدارت والسلاح، يصبحون عرضة للإفساد، قائلا لـ"العربي الجديد":"أحد الضباط كان يريد الحصول على 2000 متر من سيراميك الأرضيات لمنزله، وحين طلبها من أحد التجار رفض، فتم القبض على نجله وتحرير محضر بحيازته 20 كيلو بانجو لإجبار والده على منح الضابط ما يريد".
وحذر قطري من السلطة الواسعة للقيادات على الضباط، قائلا "هذه السلطة الواسعة تجعل فكرة رفض الفساد مكلفة للضباط الأصغر رتبة"، وهو ما جعل قطري يقيم دعوى قضائية لإنشاء نقابة للشرطة تكون طرفا في تحقيقات مجلس التأديب، لكن تم رفضها قضائيا قبل ثورة يناير 2011.
استغلال المعتقلين
رغم أن حصول السجين على دوائه حق مكفول بموجب لائحة السجون المصرية، إلا أن محمد سعد سرية، الأستاذ المساعد في قسم الكيمياء جامعة المنصورة، والمعتقل على خلفية اتهامه بالانتماء إلى جماعة الإخوان لم يكن يستطيع الحصول على هذا الحق إلا بعد دفع "المعلوم" لأمناء الشرطة، لتهريب أدويته المثبطة للمناعة حتى لا يرفض جسده الكبد الذي زرع قبل اعتقاله بمدة قصيرة، وإلا فإن البديل الوحيد أمامه هو الموت.
حالة سرية تعد نموذجا من بين 337 حالة لمعتقلين تم منعهم من الحصول على العلاج في مرحلة ما بعد 30 يونيو/حزيران وفقا لتقديرات المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، ووفقا لما يؤكده حليم حنيش، المحامي بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات، فإن الحقوق العادية للمعتقل أو المحبوس احتياطياً مثل التريض أو إدخال الطعام أو الدواء يتم دفع مقابله لأمناء وأفراد الشرطة، مشيراً إلى أن هذا المقابل يترواح عادة من 50 جنيهاً إلى 200 جنيه حسب الحالة.
استغلال النفوذ
تعد قضية سيارات المعاقين إحدى دعاوى الفساد التي تلاحق وزارة الداخلية المصرية، إذ كشف قطاع التفتيش في وزارة الداخلية عن تلقي نحو 500 بلاغ حول استغلال أمناء الشرطة دعم سيارات ذوي الاحتياجات الخاصة، والاتفاق مع عدد من ذوي الاحتياجات الخاصة على شراء السيارات ثم شراء أمناء الشرطة لها منهم بزيادة تقدر بـ 5 آلاف جنيه مقابل تحرير توكيل بقيادة السيارة.
قضية أخرى حمل البلاغ رقم 1528 لسنة 2014 تفاصيلها، إذ اتهم عقيد شرطة باستغلال نفوذه لمعرفة الرقم السري لبطاقة ائتمان لزوجته الهولندية وسرقة 25 ألف يورو منها.
وفي يناير/كانون الثاني من عام 2015 تم حبس ضابطين لاستغلال نفوذهما في تزوير شهادة بيانات لترخيص السيارات غير المسموح بترخيصها، فيما تم الحكم في نفس العام على ضابط وأمين شرطة بالحبس مدة سنة ونصف السنة بتهمة استغلال ونش سيارات في عملية سرقة السيارات من مدينة الرحاب.
تجارة المخدرات
بحسب حصر معدة التحقيق، فإن عدداً من ضباط الشرطة تورطوا في تجارة المخدرات ورغم عدم وجود تقارير إحصائية رسمية عن تورط ضباط في تجارة المخدرات، إلا أن العميد، محمود محي الدين، عضو مجلس النواب والخبير الأمني أكد أن نحو 4 آلاف فرد وضابط شرطة مسجونين حالياً بسبب تورطهم في تشكيلات عصابية متنوعة منها ما تورط في تجارة المخدرات.
وقال محي الدين، لـ"العربي الجديد"، قطاع الداخلية يضم عناصر فاسدة مثل أغلب القطاعات في الدولة، التي يوجد فيها الصالح والطالح، مشيراً إلى أن اختلاط العاملين في الداخلية بعالم الجريمة يؤثر على عدد من ضعاف النفوس، وهو ما يحدث عادة في حالة جرائم المخدرات، مشددا على ضرورة تطوير طريقة الأداء داخل جهاز الشرطة، وتوسيع سلطات قطاع التفتيش والرقابة في البحث بدلاً من الاعتماد على البلاغات فقط.
استغلال الكمائن
في مايو/أيار من عام 2014، تم القبض على عقيد شرطة ومقدم اتهما بالاستيلاء على 185 كرتونة سجائر مهربة تم ضبطها في أحد الكمائن، التي استغل الضابطان تواجدهما فيها للإثراء بشكل غير مشروع وفقا لوقائع قضية استغلال الكمائن، والتي كثيرا ما تتكرر على مستويات أقل، وهو ما وقع مع الشاب المصري، عمار صلاح الدين، الذي اضطر إلى دفع 100 جنيه (10 دولارات) لأمين شرطة حتى "لا يلبس فردتي ترامدول" وفقا لما رواه في منشور على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بعد احتجازه لساعات دون وجه حق في أحد الكمائن.
بحسب مصدر في قطاع التفتيش والرقابة في وزارة الداخلية، فإن القطاع تلقى بلاغات عن استيلاء أمناء شرطة على مخالفات مالية، مشيراً إلى أن بعض القطاعات تعتبر بمثابة العمل في الخليج وفقا للتعبيرات الرائجة بين أمناء الشرطة، وعلى رأسها مصلحة المرور، تليها مصلحة الجوازات ومصلحة الأحوال المدنية، وشرطة الكهرباء خاصة وأن المخالفات الخاصة بالكهرباء لا يتم قبول التصالح فيها.
وحول ما إذا كان الاستيلاء على هذه المخالفات يتم بمعرفة الضباط من عدمه، قال المصدر إن الضباط يعرفون بهذه المخالفات في أغلب الأحوال، أو على الأقل يعرفون أن أمين الشرطة الذي يعمل معهم يتقاضى أموالاً بصورة أو بأخرى من المواطنين ولكن يتغاضون عن ذلك.
وأضاف المصدر في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، أن قطاع السجون تنتشر به التجاوزات، إذ يتقاضى الحراس أموالاً في صورة علب سجائر(لوائح السجون المصرية تمنع تداول النقود)، ويتم استخدام السجائر كعملة داخل السجن، ويتم بيعها بعد ذلك لتجار الجملة بأقل من سعرها الرسمي، كما يتم الحصول على مبالغ شهرية في صورة سجائر من المساجين الأغنياء لتحسين وضعهم وتلبية احتياجاتهم.
وأوضح المصدر أن قطاع التفتيش يتعامل مع أي بلاغ يقدم له من المواطنين، وكذلك يتابع بدقة تقارير الأداء الأمني ويتحرى عن أية شبهة لتسريب المعلومات أو تلقي الرشى، مشدداً على أن تقارير مباحث مكافحة المخدرات ومباحث تنفيذ الأحكام وغيرها من القطاعات الهامة للأمن العام تتم متابعتها بدقة.
وكشف المصدر عن أن القطاع يتتبع حاليا قضايا سرقات السيارات، بعد تلقي العديد من البلاغات حول تواطؤ بعض أفراد الهيئة الشرطية مع عصابات سرقة السيارات بإبلاغها أرقام هواتف أصحاب السيارات للتفاوض معهم.
وتنص المادة رقم 67 من قانون هيئة الشرطة على أنه لوزير الداخلية، بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة، أن يحيل الضباط عدا المعينين في وظائفهم بقرار من رئيس الجمهورية، إلى الاحتياط إذا ثبت ضرورة ذلك لأسباب جدية تتعلق بالصالح العام ولا يسري ذلك على الضباط في رتبة لواء.
ولا يجوز أن تزيد مدة الاحتياط عن سنتين، ويعرض أمر الضابط قبل انتهاء المدة على المجلس الأعلى للشرطة لتقرير ما إذا كانت ستتم إحالته إلى المعاش أو إعادته إلى الخدمة العاملة، فإذا لم يتم العرض، عاد الضابط إلى عمله ما لم تكن مدة خدمته قد انتهت لسبب آخر طبقا للقانون.
ويؤكد الحقوقي، أسامة خليل، مدير مركز هشام مبارك للقانون، أن الإجراء الذي يتم في حال اتهام أحد أفراد الشرطة بالفساد هو إحالته إلى الاحتياط لحين الانتهاء من التحقيق، فإذا صدر ضده حكمٌ بالإدانة تتم إحالته إلى المعاش طبقاً لقانون الشرطة الذي يشترط عدم صدور حكم مخل بالشرف ضد فرد الشرطة.
مواجهة الفساد
يرى العقيد متقاعد، محمد عبد الرحمن، أن مواجهة الفساد في وزارة الداخلية تحتاج إلى عملية تطهير واسعة، مشيراً إلى أن الفساد داخل الوزارة أصبح مستساغا بصورة كبيرة منذ عهد حبيب العادلي.
وشدد عبد الرحمن على ضرورة تصفية دولة أمناء الشرطة الذراع الأولى للفساد داخل الوزارة، قائلا "الضابط الذي لا يفسد على الأقل يتستر على فساد أمناء الشرطة، وبالتالي مع الوقت يصبح فاسدا".
من جانبه يرى اللواء، فاروق المقرحي، الخبير الأمني أن الحديث عن فساد رجال الشرطة لا يفيد سوى المجرمين والعناصر الإرهابية فقط، مشدداً على أن رجال الشرطة يخوضون الآن حربا ضد الإرهاب ولا يجوز في تلك الظروف توجيه مثل هذه الاتهامات لهم.
واتهم المقرحي الإعلام بمحاولة تشويه صورة رجال الشرطة بسبب الأزمة المشتعلة بين الصحافيين ووزارة الداخلية، قائلا "كل المهن فيها الصالح والطالح وجهاز الشرطة يطهر نفسه بنفسه من العناصر الفاسدة".